دبلوماسيون: مواقف مصر مستقلة ولا يمكن إملاء سياسات عليها فى علاقاتها مع الدول
الرئيس السيسى خلال لقاء سابق بالملك عبدالله فى طائرته بمطار القاهرة
بعد أيام قليلة من وفاة الملك عبدالله، تزايدت التكهنات بما سيؤول إليه مصير العلاقات المصرية - السعودية، خصوصاً بعد الدعم القوى الذى قدمه الملك عبدالله بن عبدالعزيز، إلا أن دعم العاهل السعودى الجديد الملك سلمان بن عبدالعزيز للحكومة المصرية كان بمثابة تكذيب مباشر لتلك التكهنات، ولكن سريعاً ما عادت التوترات من جديد مع تفاقم الأزمة فى اليمن والخلاف حول الأزمة فى سوريا، إضافة إلى الخلافات التى أثارتها اتفاقيات التعاون بين البلدين، ومن بينها اتفاقية جزيرتى «تيران وصنافير». ومن بين الاتهامات التى وجهتها السعودية إلى الحكومة المصرية، عدم تولية الاهتمام الكافى للأزمة اليمنية على النحو الذى توليه مصر للملف الليبى، إلا أن الأزمة التى فجرت الخلاف بين البلدين ونقلته من السر إلى العلن، هى أزمة التصويت المصرى على القرار الروسى حول سوريا فى مجلس الأمن، وهو ما رفضته السعودية واعتبرته إعلاناً رسمياً عن وجود خلافات بين البلدين.
مصر والسعودية.. علاقات متوترة بعد «الملك عبدالله»
ويرى خبراء أن مواقف العاهل السعودى الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز كانت داعمة لمصر انطلاقاً من مبدأ قومى عروبى فى المقام الأول دون سعى إلى مصلحة وبهدف الحفاظ على المنطقة ككل، فى وقت بات واضحاً فيه أن مواقف الملك «سلمان» الداعمة لمصر تأتى انطلاقاً من المصالح الإقليمية التى تسعى المملكة السعودية إلى تحقيقها، وأن الدعم السعودى من بعد الملك عبدالله لم يعد دعماً مفتوحاً وإنما مشروطاً بمصالح معينة.
مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير كمال عبدالمتعال، قال إن «مصر لا يمكن أن يملَى عليها شىء أو سياسة بنوعها ولن تغير سياستها فى الملف السورى مهما حدث، لأن موقفها واحد منذ بداية الأزمة ولم يتغير حسب الظروف ومثلما فعلت دول أخرى كبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية ودول غربية أخرى». وأوضح السفير كمال عبدالمتعال، لـ«الوطن»، أنه «يجب شرح هذه النقطة للجانب السعودى وتوضيحها بأن العلاقات أكبر من أن يتم فرض سياسة بعينها على مسار التعاون بين البلدين، وأن هناك اختلافاً فى وجهات النظر دون التأثير على التنسيق والتعاون بين البلدين». وأشار مساعد وزير الخارجية الأسبق إلى أنه «لا بد من عقد اجتماعات مكثفة بين الجانبين لتوضيح الخلاف فى بعض النقاط بين البلدين، وأن تتفهم كل دولة طبيعة رؤيتها ومواقفها بشأن القضايا الإقليمية، وأن يتم فصل ذلك عن العلاقات بين البلدين، وأن تكون بعيدة كل البعد عن ملفات التعاون بينهما».
«عبدالمتعال»: العلاقات بين البلدين أكبر من فرض السياسات.. و«الغطريفى»: مصر لم تقصر فى حق من دعمها.. و«الشيخ»: ملفات «تيران وصنافير» وسوريا والإخوان ساهمت فى بروز الخلافات بين البلدين
من جانبه، شدد مساعد وزير الخارجية الأسبق ناجى الغطريفى على أن «المواقف المصرية تقف بجانب السعودية فى تعزيز الحفاظ على استقرارها مثل القضية اليمنية وأسهمت مصر بقوة فى العمل على حل الأزمة اليمنية والحفاظ على الأمن فى منطقة باب المندب وتعزيز استقرار المملكة ضد أى محاولات للعبث بها، ولذلك مصر لم تقصر فى الوقوف بجانب من وقف بجانبها». وأوضح السفير ناجى الغطريفى أن «اختلاف المواقف بين البلدين تجاه قضية إقليمية لا يمكن أن يخلق أزمة بين القاهرة والرياض، حيث هناك مجالات وتعاون أكبر من ذلك كثيراً، وأن التنسيق المشترك بين القاهرة والرياض يحافظ على ما تبقى من المنطقة العربية، وما تعرضت له من أزمات وصراعات أثرت على قوتها فى السنوات الأخيرة، ولذلك بناء عليه فعلى الطرفين أن يزيحوا أى خلافات بينهما لضمان استقرار المنطقة والحفاظ عليها».
فى الوقت ذاته، قالت أستاذة العلوم السياسية فى جامعة القاهرة الدكتورة نورهان الشيخ، لـ«الوطن»، إن «هناك خلافاً بالفعل بين مصر والسعودية، وإن أبرز القضايا التى بها خلاف هى القضية السورية، وما تقوم به روسيا فى الأراضى السورية من مواجهة الجماعات الإرهابية، ويعد ذلك من المصلحة المصرية للقضاء على الإرهاب، لكن المملكة العربية السعودية ترى غير ذلك لدعمها فصائل أخرى لا تتوافق مع الرؤية المصرية». وأوضحت الدكتورة نورهان الشيخ أن «هناك خلافات فى المصالح بين البلدين وبعض وسائل الإعلام تتداول أن السعودية أوقفت مد مصر بالمنتجات البترولية، كما أن الخلاف لا يزال مستمراً بين مصر وتركيا على عكس ما تأمل السعودية بتقريب وجهات النظر بين البلدين». وأشارت أستاذة العلوم السياسية إلى أن «هناك ملفات خلافية بين مصر والسعودية، ولكنها غير معلنة، حيث أفرجت السلطات السعودية خلال الفترة الماضية عن عدد من عناصر الإخوان وبدأ يكون هناك تسامح مع تنظيم الإخوان، مما زاد الخلاف غير المعلن بين البلدين، وهناك بعض الاختلافات بين البلدين أيضاً بشأن الملفات الإقليمية، ما دعا الخلاف إلى الصعود على الساحة».
وكشفت «الشيخ» عن ملف آخر ساهم فى نشوب الخلاف بين «القاهرة والرياض»، وهو أن «الإحباط السعودى من تنفيذ اتفاقية تيران وصنافير بعد زيارة الملك سلمان إلى مصر فى شهر أبريل الماضى، وعدم تصويت البرلمان المصرى عليها بعد مرور أكثر من 6 أشهر من الزيارة ووجود خلاف قضائى عليها، ما أثر على البلدين ولكن تظل السعودية دولة عربية هامة، ومصر دولة كبرى لها خصوصيتها بعيداً عن التأثير عليها». وتوقعت الدكتورة نورهان الشيخ أن يكون الخلاف دخل مرحلة الصراع بين البلدين، وأن يتم احتواء الخلاف من خلال توضيح سوء التفاهم بين البلدين بشأن النقاط المختلفة بين البلدين، وأن إزالة سوء التفاهم ستتوقف على عوامل كثيرة، أبرزها أن يتفهم الجانب السعودى الموقف المصرى وأن يفصل بينه وبين ملفات التعاون معاً».
من جانبه، قال مساعد وزير الخارجية الأسبق عادل العدوى، لـ«الوطن»، إن الخلاف بين مصر والسعودية حول الأزمة السورية كان متوقعاً، ولكن ملفات التعاون بين البلدين تجعله خلافاً رئيسياً، ومع تزايد الأزمة حول سوريا تحول الخلاف إلى علنى، لاعتقاد «الرياض» أنها تستطيع فرض سياسة بعينها على مصر، وهو ما لا يمكن تحقيقه.
وأوضح «العدوى»: «هناك دول تختلف فى المواقف بشأن القضايا الإقليمية، ولكن العلاقات بينها جيدة للغاية فى ملفات التعاون والتنسيق المشترك فى المنطقة، فهناك على سبيل المثال علاقات مصر مع الدول الأوروبية، فرغم الخلاف حول مسار القضية السورية لا توجد أزمة بينهما فى ملفات التعاون المشترك، لأن هذه رؤية دولة، وليست سياسة مشتركة يتم التعاون بشأنها».