موسم «كتابة المذكرات» ينتعش:تعددت الشهادات والتاريخ واحد
كما وضعت ثورة يناير نهاية لفساد نظام سياسى تربع على عرش السلطة لعقود طويلة، فإنها أيضاً فتحت الباب على مصراعيه، لكشف المزيد من الأسرار التى يمتلكها من كانوا على مقربة من القائمين على الحكم، أو من انتموا لتنظيمات سياسية معارضة، من هنا انتشرت «المذكرات الشخصية» بكثافة على الساحة، للتأريخ للمرحلة التى سبقت الثورة أو التى أعقبتها، كاشفة الكثير من المفاجآت والأسرار.
«سر المعبد» للقيادى السابق فى جماعة الإخوان المسلمين ثروت الخرباوى.. «شهادتى» لوزير الخارجية الأسبق أحمد أبوالغيط.. «الثورة التائهة» لرئيس تحرير صحيفة الأهرام الأسبق عبدالعظيم حماد.. «الأيام الأخيرة لنظام مبارك 18 يوم» لرئيس قطاع الأخبار فى التليفزيون المصرى سابقاً عبداللطيف المناوى، «أربعة شهور فى قفص الحكومة» للدكتور حازم الببلاوى.. «ماذا حدث للثورة المصرية» للدكتور جلال أمين.. هى أبرز المذكرات الشخصية، التى تم الكشف عنها منذ اندلاع الثورة، كشهادة للتاريخ عن أسرار وكواليس حقبة ما، عاشها شخص وينوى نقلها للرأى العام.
الحقيقة هى ضالة المصريين، فى رأى عبدالعظيم حماد، رئيس تحرير الأهرام الأسبق، حيث إن المصريين مغيبون عن حقائق الكثير من الأزمات التى تعرضت لها مصر، بدءا من حريق القاهرة، انتهاءً بأسرار عهد مبارك، مروراً بنكسة 67 وأحداث 77 وغيرها، الأمر الذى يتطلب نشر الكثير من المذكرات الشخصية، وكشف المزيد من الأسرار، خاصة فيما يتعلق بجماعة الإخوان المسلمين، التى يراها تحاول طمس وإخفاء العديد من الحقائق، وهو ما دفعه لإعداد كتاب جديد عن علاقة واشنطن بالإخوان المسلمين، سيكون فى الأسواق قريبا، وسيكشف من خلاله الكثير من الأسرار التى يغفلها قطاع كبير من الشعب.
الفترة التى تلت الثورة مباشرة اتسمت بالصمت، فلم تظهر المذكرات الشخصية بالصورة التى هى عليها الآن، وفقاً لرأى عبدالعظيم، وذلك لسببين، إما أملاً فى إنجاح التجربة الجديدة، وعدم الرغبة فى التشويش عليها، أو خوفاً من الجبهتين اللتين تربعتا على السلطة فى الفترة الانتقالية وهما المجلس العسكرى وجماعة الإخوان المسلمين، على اعتقاد أن التحالف القوى بينهما سيضر بمن يحاول نشر مذكراته من المسئولين السابقين، لكن مع صدور الإعلان الدستورى المكمل، تضاءل الأمل فى نجاح التجربة الجديدة، وسقطت هيبة التحالف بين الجيش والإخوان، واتسع التناقض بينهما، لذا قرر كثير ممن كانوا يترددون فى كتابة مذكراتهم، نشرها وكشف الأسرار التى يمتلكونها.
التلويح بكتابة المذكرات الشخصية، انتشر أيضاً بكثافة فى الفترة الأخيرة، ولا نعلم هل سترى النور أم لا، لكل من زكريا عزمى، رئيس ديوان رئيس الجمهورية السابق، عصام شرف رئيس الوزراء الأسبق والمستشار محمود مكى، النائب السابق لرئيس الجمهورية، كما أعلن الدكتور محمد حبيب، النائب السابق لمرشد جماعة الإخوان المسلمين، أن حرصه على الجماعة منعه من نشر مذكراته التى تحمل عنوان «الإخوان والحق المر»، الأمر الذى علق عليه الباحث السياسى الدكتور عمار على حسن، بأن هناك متهمين يحاولون أن يبرئوا ساحتهم اليوم من خلال المذكرات، وهناك حاملو أسرار آن الأوان أن يبوحوا بها أيضاً، إلى جانب أن هناك من يرى أن الإخوان يحاولون أن يزيفوا التاريخ، وينسبوا أمورا عدة لأنفسهم، لذا قرر البعض إحباط هذا المخطط بكتابة شهاداتهم للتاريخ، خاصة أن المؤرخين سوف يؤرخون للفترة غير العادية الحالية، ليس من خلال الصحف، إنما سيبحثون عن المصادر الأولية، ومن أبرزها مذكرات المسئولين.
الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، يرى أن مذكرات أى شخص يشغل منصبا حساسا فى الدولة فى أى فترة، أمر مهم للمؤرخين وللباحثين، المهم أن يكون دقيقاً وغير انتقائى، وفى جميع الأحوال ستكون المذكرات وثيقة قابلة للتشكيك والتمحيص، والمقارنة بما جاء فى وثائق أخرى.
أما إذا كان الهدف من تلك المذكرات إفشاء أسرار، تترتب عليها مساءلة قانونية لهذا الطرف أو ذاك، ففى هذه الحالة يأخذ القانون مجراه.