هجوم «الطيب» على مؤتمر «الإفتاء» يكشف صراع الأزهر مع «المؤسسات الدينية»
مؤتمر الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم
أثارت كلمة شيخ الأزهر، خلال المؤتمر العالمى لدور الإفتاء فى العالم، التابعة لدار الإفتاء المصرية، الذى عقد، أمس الأول، تحت عنوان «التكوين العلمى والتأهيل الإفتائى لأئمة المساجد للأقليات المسلمة»، بمشاركة وفود من 80 دولة، تحت رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسى، غضباً عارماً بين مسئولى المؤتمر وقيادات دار الإفتاء، بعد أن انتقد «الطيب» ورود مصطلح «الأقليات المسلمة» فى عنوان المؤتمر، قائلاً إن «مصطلح الأقليات المسلمة وافد على ثقافتنا الإسلامية، وقد تحاشاه الأزهر فى خطاباته وفيما صدر عنه من وثائق وبيانات»، مطالباً دار الإفتاء المصرية بالاستفادة من جهود رابطة خريجى الأزهر فى مجال تدريب المفتين، حتى لا يبدأوا من فراغ.
غضب فى «دار الإفتاء».. و«شومان» يتضامن مع «علام» ضد «الإمام الأكبر».. ومصادر: المدير القانونى كتب كلمة «الطيب» التى أشعلت الفتنة
واعتبر كثيرون من منظّمى وحضور المؤتمر أن كلمة شيخ الأزهر نسفت فكرة المؤتمر من الأساس، وعرضتهم لحرج بالغ ومقصود، خاصة أن المؤتمر تحت رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسى، مشيرين إلى أنه تم عرض فكرة المؤتمر وعنوانه على شيخ الأزهر منذ شهور، ولم يعترض، ولو كانت لديه تحفظات كان من اللائق عرضها قبل بدء المؤتمر.
وقالت مصادر لـ«الوطن»: إن قيادات المشيخة، وعلى رأسها الشيخ عباس شومان، وكيل الأزهر، تضامن مع «علام» ولأول مرة ضد شيخ الأزهر بعد محاولته التخفيف من وطأة هجومه والاعتذار عن أى لبس قد حدث، ولكن قيادات «الإفتاء» رفضوا هذه التبريرات، الأمر الذى دعا «شومان» لإلقاء كلمة حول حسن اختيار عنوان المؤتمر ومحاوره، أشاد خلالها بالجهود التى تبذلها دار الإفتاء المصرية، واختيارها لموضوع مؤتمر التكوين العلمى والتأهيل الإفتائى لأئمة المساجد للأقليات الإسلامية، الذى جاء فى وقته لمواجهة أصحاب الفتاوى المتشددة التى أسهمت فى تشويه صورة الإسلام والمسلمين.
«منتصر»: الإمام الأكبر «يذبح القطة» لمن يحاول سرقة الأضواء منه.. و«حسن»: صراع المشيخة يشبه سلوك الموظفين الصغار.. و«أبوزيد»: «الشيخ» بات وحيداً فى مواجهة الجميع
وهنَّأ «شومان» الدار على نجاحها فى التنظيم، وتيسيرها على الحضور، فى تناقض صريح مع كلمة الشيخ الرئيسية الناقدة والرافضة لكل ما أشاد به «شومان»، وهو ما اعتبرته مصادر دليلاً على أن هناك أزمة داخل المشيخة بين الشيخ ووكيله، خاصة بعد خروج كلمة الشيخ التى ألقاها بالمؤتمر، أمس الأول، من مكتب محمد عبدالسلام، مدير الشئون القانونية بالمشيخة، بحسب المصادر، دونما إطلاع أحد آخر عليها، خلافاً للعادة، وهو ما أشعل الفتنة، وأكد النية المبيتة للإساءة لدار الإفتاء، وأوضح عمق الخلاف بين الشيخ ومدير الشئون القانونية من جهة، ووكيل الأزهر وعدد من القيادات والمفتى من جهة أخرى.
وفيما حاولت دار الإفتاء، فى بيان لها، أمس، تدارك ردود فعل الوفود الرسمية المشاركة فى المؤتمر بالتعليق على كلمة الشيخ، بـ«الإعلان عن اعتماد كلمة الإمام الأكبر التى ألقاها فى الجلسة الافتتاحية بالمؤتمر، ضمن خارطة الطريق الكلية للاسترشاد بها فى جميع أعمال الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم»، اعتبرت مصادر بدار الإفتاء أن بيان اعتماد الدار لكلمة شيخ الأزهر فى خارطة المؤتمر، هو بيان «دبلوماسى محض»، اضطرت إليه الدار حفاظاً على هيبة الشيخ، مشيرة إلى أن فكرة المؤتمر وعنوانه كانت لدى «الطيب» منذ فترة، وعلى علم كامل بها، ولم يبد أى نقد لها، متسائلة: لماذا جاء النقد الآن وفى الجلسة الافتتاحية والكلمة الرئيسية للمؤتمر؟ وهو ما أحدث حالة من الذهول أصابت القائمين على المؤتمر والحضور على حد سواء، وأدى لتوالى الاستفسارات عن أسباب كل هذا النقد والهجوم من الشيخ على المؤتمر.
وقالت مصادر بالأزهر لـ«الوطن»: إن الأزمة بين المشيخة والدار ليست جديدة وسبقتها خلافات بعد رفض دار الإفتاء لطلب المشيخة نقل مرصدى الفتاوى المتشددة والإسلاموفوبيا من الدار إلى المشيخة بدعوى أن رصد الفتاوى المتشددة عمل أصيل للمشيخة، وليس من شأن الدار، وكانت ثانية الأزمات بعد جولة قام بها الدكتور إبراهيم نجم، المستشار الإعلامى لمفتى الجمهورية، فى أمريكا، وحازت إعجاباً كبيراً إلى الدرجة التى صدر بيان إشادة عنها من وزارة الخارجية المصرية، وصف «نجم» بأنه كان خير ممثل للأزهر ومصر خلال جولته، الأمر الذى قابله الشيخ الطيب باستدعاء الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، وتعنيفه على مثل هذه الجولات، وأكد له أن تمثيل الأزهر يكون من المشيخة وليس دار الإفتاء، وطالبه بعدم تكرار مثل تلك الجولات من قِبل العاملين بالدار.
من جهته، قال الدكتور خالد منتصر، الكاتب والباحث: «من الناحية الشكلية، ألم يتم إرسال الدعوة لفضيلة شيخ الأزهر قبلها بشهور وعليها اسم المؤتمر وعنوانه؟ ولماذا لم يرفضها فى حينها أو يهاتف المفتى بالتليفون أو يستدعيه لمكتبه ويناقشه؟ أم أن الانتظار هذا كان مقصوداً لإحراج المفتى أمام هذا الجمع الدولى؟».
وأضاف: «هل الأمر حلقة فى سلسلة الصراع المكتوم بين الأزهر من ناحية والأوقاف والمفتى من ناحية أخرى؟ وهل هى حرب إثبات وجود وتكسير عظام؟ وهل يحاول الشيخ ذبح القطة لكل من تسول له نفسه أن يسرق الضوء ويسلب منه النجومية، ويأخذ من حصة المشيخة فى كعكة التحكم والسيطرة؟ كل هذه أسئلة تحتاج لإجابات محددة وواضحة، فهل نحن نسعى لدولة الملالى الإيرانية والإمامة الطالبانية أم نحن فى دولة مدنية حديثة؟». وتابع «منتصر»: أما ملاحظتى الموضوعية على كلام شيخ الأزهر فإن «لفظ الأقلية المسلمة» لم يثِر الفتنة، وإنما ما أثار الفتنة هو المنهج التكفيرى الرافض لكل مختلف والنافى والمقصى لكل مجدد، الذى وصل لهذه الأقليات عبر كتب ودعاة وخطباء للأسف كثير منهم خريجو الأزهر.
واعتبر الدكتور عمار على حسن، الكاتب والباحث، أن «الصراع بين المؤسسات الدينية يدعو للخجل ويجلب العار، فهؤلاء أولى بهم ضرب المثل فى الإيثار وإنكار الذات والعمل من أجل هدف واحد هو إيجاد خطاب دينى يليق ببلد به مؤسسة عريقة مثل الأزهر، ولكن للأسف لا نرى سوى صراع بين «الأوقاف» والأزهر ثم آخر بين المشيخة والإفتاء من أجل المصالح والنفوذ والاختصاصات، وهذا أشبه بسلوك الموظفين الصغار.
وأضاف: «المؤتمر جاء لمواجهة انتشار أفكار الجماعات المتطرفة بين الأقليات، وهو ليس مؤتمراً عن إصلاح الأزهر ولا التعليم الدينى فى مصر، وإذا كان الأزهر غاضباً لأخذ مؤسسات أخرى لزمام المبادرة فعليه أن يلوم نفسه أولاً، وسد الفراغ بدلاً من النقد والتعويق، وشيخ الأزهر عليه أن يراجع نفسه، فمقام الأزهر وصورة شيخه تفرض على من يتولى المنصب مراعاة تصرفاته، فهناك أشياء كثيرة تسقط منه، وخاصة من الدائرة المحيطة به، فالمستشار محمد عبدالسلام، مستشاره القانونى، مثلاً رجل تصدر تصرفات كثيرة منه ليست فى صالح الأزهر. وقال هيثم أبوزيد، الباحث فى شئون الجماعات الدينية، إن ما حدث كان سقطة كبيرة من شيخ الأزهر تشير لدخوله مرحلة الحرب المفتوحة بين الأزهر والمؤسسات الدينية الأخرى، بعد أن أصبح الأزهر وحيداً فى مواجهة كل المؤسسات التى يفترض أنها تابعة له.