أسرة تجلس فى وسط النار، نار إلهية تأتيهم من أعلى حيث الشمس المسلطة على رؤسهم، ونار صنعوها بأيديهم حيث تعمل الأسرة في الحدادة، وتتكسب من النار المشتعلة أمامها يومياً طوال 10 ساعات من الثامنة صباحاً وحتى حلول الليل.
يجلس صبرى عبدالعال، على الأرض، وبجانبه ابنيه وزوجته، يشاهدونه وهو يعمل، وأمامه ماكينة يعمل عليها تسمى "كور": "المكنة دى بتطلع هوا، زى الكومبريسور بتاع الهوا كده، بحط هنا حديد عشان يسخن معايا، وبعدين أحطه فى النار، وأحرك الكور عليه".
يسكن "صبرى" فى شارع المنشية بفيصل، ويبلغ من العمر 24 عاماً، لكن الهم زاده بضعة أعوام ليبدو أكبر، العرق يتصبب منه، ويداه تؤلماه من تحريك الكور، والطرق على المسامير باستمرار: "بتعب، ده أنا حداد تحت شمس، يعنى أصعب حاجة فى الدنيا، نار وصهد وشمس، هعمل إيه ماليش مكان شغل غير الشارع، وخبط ومفيش راحة".
تعلم "صبرى" الحدادة من والده، وتعلم الصبر والتحمل من الزمن، ولكن يتساءل دائماً إلى متى سوف يتحمل ويردد: "نفسى أشتغل حاجة غير كده، تعبت من طرق المسامير وسنهم، تعبت من النار والشمس، والشغل ساعات يبقى كل فين وفين، وأنا عندى عيال وزوجة".
يخاف على أولاده من المستقبل، ينظر لهما وهما يأكلان بجانبه ويقول: "مستقبلهم هيكون إيه يعنى، أكيد صعب، وهيبقى زيي لو ماكنش أصعب، أنا مش بشقى وأتعب غير عشانهم".
بخلاف الحرارة المرتفعة، لا يتحمل "صبرى" الصهد الذى يخرج من النار والحديد، لكنه يؤكد أنه يتحمل غصبا عنه، وينتظر فصل الشتاء ويردد بعدها: "الشتاء شغله أحلى معايا، بس برضو بتمطر وتبهدلني وأنا في الشارع، طب أعمل إيه طيب؟".
تعليقات الفيسبوك