وزير التخطيط الأسبق لـ«الوطن»: تخفيض الجنيه وترشيد الدعم «شر لا بد منه»
الدكتور عثمان محمد عثمان، وزير التخطيط والتنمية الاقتصادية الأسبق
قال الدكتور عثمان محمد عثمان، وزير التخطيط والتنمية الاقتصادية الأسبق، إنه حالياً لا يوجد بديل لحل أزمة الصرف إلا باللجوء إلى تعويم الجنيه المدار كما فعلنا فى عام 2003، يوتم تحرير سعر عادل بالاتفاق مع صندوق النقد الدولى، يتولى بعدها البنك المركزى إدارة سوق الصرف بآليات فاعلة، هذا ببساطة هو ما يجب أن يحدث حالياً، مضيفا لـ"الوطن"، أنه يجب أن نفهم أن سعر الجنيه فى تدهور ببساطة لأن معدل التضخم فى مصر أعلى من معدل التضخم لدى أهم شركائنا التجاريين، فالتضخم فى مصر حالياً نحو 16% وهو أعلى من نظيره لدى شركائنا مثل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبى والصين وغيرهم، والسؤال لماذا ارتفع التضخم؟، والإجابة ببساطة فى ارتفاع عجز الموازنة الذى زاد نظراً لمحدودية قدرتنا على تحقيق إيرادات مع ارتفاع مصروفاتنا مثل الأجور التى بلغت 228 مليار جنيه فى العام المالى الحالى، مقارنة بنحو 60 مليار جنيه قبل 8 سنوات تقريباً.وأكد عثمان، أن الحل معروف، «مخصصات الدعم لازم تنزل للنصف، ولا حل غير ذلك»، وأقصد هنا كل أوجه الدعم بمختلف أنواعه باستثناء الخبز، على أن يتم ذلك خلال عامين على الأكثر. وبالمناسبة، الأسعار ستظل ترتفع، سواء اتخذت الحكومة قرارات صعبة أم أبقت الأوضاع كما هى، ولا حل جذرياً لذلك سوى العمل على خفض العجز فى الموازنة.وقال عثمان: "لو ولعت الحكومة صوابعها شمع لن تحظى بالثقة التى تتحدث عنها.. ولا أعلم السبب، ربما أسباب تاريخية. لكن ما أنا على يقين منه أن الاتجاه العام أن الأزمة الاقتصادية هى مشكلة الحكومة وليست مشكلة الشعب وعليها أن تتصرف. والغالبية من شرائح المجتمع تتصرف كما لو كنا فى دولة غنية وبترولية، وهذا غير صحيح، نظراً لأن مصادر دخلنا تتراجع وليس العكس، ومنها السياحة والصناعة والاستثمار، والأسعار ترتفع نظراً لأنماط استهلاكية خاطئة. لا بد أن ندرك حقيقة ما نحياه من أزمات".وأضاف: "للأسف المجتمع غير مدرك حقيقة أن الوضع الاقتصادى صعب للغاية، وأن الحل ليس فى يد الحكومة وحدها. المفروض أن الناس تتفهم أن الإجراءات الصعبة التى تتخذها الحكومة ضرورية للغاية. أرى أن المجتمع المصرى فى وضع خطير جداً، والاقتصاد يعنى ببساطة «لقمة العيش»، ولا بد من مواجهة الموقف الحالى بتفهم وإدراك لحقيقة الوضع وبمزيد من الصبر، والمسألة ليست مؤامرة، رغم وجود أطراف كثيرة تسعى لهز ثقة المجتمع المصرى فى نفسه، تدفعه دفعاً لينقسم طائفياً أو اجتماعياً.. لست متشائماً ولكن أرى أن مظاهرات 1977 بشعارات ظاهرها «الخبز» دفعت الرئيس الراحل محمد أنور السادات للذهاب للقدس، والمسئول هنا قد يضطر لاتخاذ إجراءات استراتيجية خطيرة، لأن المجتمع ليس متوافقاً أو متضامناً عن حق أو عن غير حق، فتعالوا إلى كلمة سواء، وهذا شىء مهم للغاية، لا بد من تشجيع بعضنا البعض، لا بد أن يتحمل بعضنا الآخر، فالوضع أخطر بكثير من مجرد ارتفاع سعر سلعة بعينها.. ظروفنا صعبة، ولك أن تقارن بين مصر وتونس، باعتبار أن الربيع العربى شمل البلدين، ستدرك حينها أين تونس وأين مصر اليوم، ولا أحد ينكر أن مشاكلنا الاقتصادية صعبة جداً، والتحديات الأمنية والإقليمية لها دور فاعل فى ذلك".وأكد عثمان، أن «مشكلة الضرائب فى مصر إن مفيش حد بيدفع»، فالقاعدة الضريبية محدودة للغاية. نظرياً أكثر من يقوم بسداد الضرائب فى أى بلد هم المنتجون خاصة الصناعيين منهم، لكن أكثر من 95% من هؤلاء أصحاب مشروعات صغيرة ليس لها دفاتر ضريبية، و«الكبار عندهم محاسبين شاطرين بيظبطوا لهم الأمور». أما عن الضريبة التصاعدية فلنا تجربة سابقة، ولكى نشجع العدد المحدود من الممولين قمنا بتخفيض الضريبة لا العكس، فزادت الإيرادات، أى إن الحل ليس فى فرض ضريبة تصاعدية أو فرض ضرائب جديدة، فالمجتمع الضريبى يبقى محدوداً، ومخاطرة التهرب من الضريبة أقل من الضريبة المفروضة. كنت أرى أن الوضع غير مناسب لضريبة القيمة المضافة، لكن القانون تم تمريره والموافقة عليه ودخل حيز التطبيق، لكن ما يدهشنى هو الاستثناءات التى يطالب بها بعض المهنيين، فكما أقول «المجتمع غير مدرك لصعوبة الوضع الاقتصادى حالياً».وحوال المشروعات القومية ورؤية البعض عدم تناسبها مع الوضع الحالى، أكد عثمان، أنه لنا تجربة سابقة تؤكد أهمية وجدوى المشروعات القومية التى تعمل الحكومة على تنفيذها، فحينما تعرض العالم لأزمة مالية عالمية فى عام 2008، اقترحت على الحكومة آنذاك كوزير للتخطيط، أن نعمل على ضخ استثمارات فى البنية التحتية لمواجهة آثار التباطؤ الاقتصادى، وهذا المقترح شابهه مقترح مماثل للبنك الدولى جاء متأخراً نسبياً عن مقترحى، المهم عمدنا إلى ضخ استثمارات فى قطاعات مهمة وعلى رأسها قطاعات التشييد والبناء، وكل ذلك استهدف توصيل رسالة لمستثمر الخارج بأن الأوضاع مستقرة فى مصر، وفى الوقت الراهن أرى أن مشروعات قومية عملاقة كالعاصمة الإدارية الجديدة أو مشروع المليون ونصف المليون فدان، ومحور قناة السويس وشرق بورسعيد وغيرها من المشروعات ضرورة لإنعاش الاقتصاد، فى ظل تراجع النشاط الاقتصادى، وعدم تحمس المستثمرين واهتزاز الثقة بالمناخ الاستثمارى، وأؤكد أن الوقت الراهن بحاجة ماسة إلى تلك المشروعات، إلا أن ما أخشاه عند تنفيذ هذه المشروعات هو عدم وجود التمويل المناسب.وأشار إلى أنه قبل حرب 1967 كانت قناة السويس تحقق إيرادات سنوية تقدر بنحو 50 مليون دولار، وفى عام 1978 كانت «القناه» تحقق إيرادات تصل إلى 500 مليون دولار، أما اليوم فهى تحقق تقريباً 5.5 مليار دولار، هذه الزيادة فى الإيرادات تؤكد أن مشروع تعميق وتوسيع القناه مهم للغاية، فقناة السويس ليست ممراً مائياً بحسب وإنما محور لوجيستى عالمى، كما أن بناة الأهرام قبل 7000 سنة أدرّوا على مصر عائدات اليوم، ومدينة نصر كانت فى عهد الرئيس جمال عبدالناصر بمثابة ضرب من الخيال، ولم نكن نسمع عن مدينة القاهرة الجديدة، وبالتالى فإن المشروعات القومية مطلوبة للغاية