رئيس «الغرف التجارية»: الإجراءات البوليسية ستؤدى إلى كارثة
أحمد الوكيل
أرجع أحمد الوكيل، رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية، أزمة نقص بعض السلع الاستراتيجية كالسكر والأرز، إلى سوء الإدارة الحكومية، وقال إن الحكومة مصرة على اتخاذ قرارات عفا عليها الزمان بتكرار فرض رسوم حمائية على بعض السلع المستوردة، وإن مثل هذه القرارات سمحت للمنتج المحلى برفع أسعاره على حساب المستهلك، متسائلاً: «لصالح من تصدر تلك القرارات؟».
وهاجم «الوكيل»، فى حواره مع «الوطن»، ما سماه بـ«الإجراءات البوليسية» لضبط الأسواق، وقال إنها تضر بالمناخ العام للاستثمار، وتؤدى إلى نتائج عكسية، علاوةً على أن تلك الإجراءات لم تنجح فى وقف نشاط السوق السوداء للعملة.. وإلى نص الحوار...
■ كيف تفسر الارتفاع الكبير فى الأسعار فى معظم السلع؟
- ظاهرة ارتفاع الأسعار ليست مفتعلة، ولكنها ظهرت وتفاقمت نتيجة لعدة عوامل أهمها الارتفاع العالمى للأسعار فى الشهور الماضية، وتوجيه اللوم دائماً إلى القطاع الخاص وتصويره فى زى «المحتكر» ما أدى إلى تحجيم استثماراته واتساع رقعة التجارة العشوائية والاقتصاد السرى.
والقطاع الخاص يمثل 73% من إجمالى الناتج المحلى، وممارسة الضغوط القانونية والإعلامية عليه، واتخاذ إجراءات تحد من نشاطه، كل ذلك يؤدى إلى اختلال جسيم فى السوق، ومؤخراً جمَّد عدد كبير من التجار استثماراتهم خوفاً من ضياعها هى الأخرى، وأتساءل: كيف نحقق توجيهات الرئيس بخفض الأسعار ونطالب فى نفس الوقت برفع الرسوم الجمركية، وتقييد حرية الاقتصاد بقوانين وقرارات حمائية؟
«الوكيل»: سوء إدارة الحكومة سبب الأزمات.. والرسوم الحمائية «ضحَّكت العالم علينا»
■ ومن يقف فى تقديرك وراء أزمة نقص السكر والأرز على سبيل المثال؟
- لا يوجد نقص فى سلعتى السكر أو الأرز، والأزمة الحالية سببها سوء الإدارة والتوزيع، فالحكومة مصرة على اتخاذ قرارات عفا عليها الزمان بتكرار فرض رسوم حمائية على بعض السلع، ومثل هذه القرارات سمحت للمنتج المحلى برفع أسعاره على حساب المستهلك.
لقد ثبت فى العالم أجمع فشل هذه القرارات خاصة القرارات الحمائية سواء فى نمو الإنتاج المحلى، أو فى جذب الاستثمارات، الأمر الذى جعل دولاً لم يكن لديها، لا القاعدة الصناعية ولا الصناعات المغذية، تسبقنا للأسف فى هذا المضمار. لقد أضرتنا تلك القرارات نظراً لأن المنتج المتضرر هو الذى يقوم بالاستيراد، ولم نتعلم، وكررنا فى أبريل الماضى نفس القصة، ولكن للسكر الأبيض فقط، وثبت عدم وجود زيادة فى الواردات طبقاً لدراسات وزارة التجارة، وسدد المستهلك المصرى تلك الرسوم، التى ذهبت للمنتجين، وسترد للمستوردين. يأتى ذلك بعد أن ضحك العالم علينا عندما فرضنا رسوماً مؤقتة على السكر الخام والأبيض، فمن غير المنطقى أن تستورد تركيا 350 ألف طن سكر سنوياً، وأن تورد المغرب والجزائر 60% منها بالرغم من أن تكلفة الشحن من مصر أقل ولدينا اتفاقية تجارة حرة، إذاً المشكلة لدينا وليست فى الآخرين.
■ لكن هل هناك أسباب أخرى جوهرية وراء أزمة السكر؟
- المشكلة الأساسية هى تفتت الملكية الزراعية لمنتجى القصب والبنجر، مما يرفع تكلفة الإنتاج، والحل الذى سبقتنا إليه دول العالم هو خلق تعاونيات تجمع المزارعين لخفض التكلفة، مع عدم تفتيت ملكية الأراضى المستصلحة الجديدة لخلق كيانات اقتصادية. وهذا يجعلنا نتساءل: لصالح من تصدر تلك القرارات؟ هل هى لصالح 90 مليون مواطن مصرى؟ والإجابة بالطبع لا.
■ لماذا انتقدت الإجراءات الحكومية فى مواجهة الأزمة؟
- لأنها إجراءات بوليسية فى الأساس، تتمثل فى مداهمات محال التجار وشركات التوزيع وحصول الضبطية القضائية على أرصدة التجار بدعوى التخزين، ما أدى إلى نقص حاد فى السلع، حيث بدأت مصانع التعبئة فى رفض تعبئة السكر أو الأرز أو نقله أو حيازته، وبالمثل شركات النقل والبقالين والسوبر ماركت كلها رفضت تسلم السكر، حتى لا يتحملوا خسائر أو يتم اتهامهم باحتكار السلعة، كما توقفت أغلب مضارب الأرز عن العمل سواء لنفسها أو للغير حتى لا تتحمل خسائر أو تتهم فى قضايا تموينية أيضاً.
ارتفاعات الأسعار ليست مفتعلة.. ولا يوجد نقص فى «السكر والأرز» والأزمة سببها قرارات الحكومة.. وتصوير القطاع الخاص فى زى «المحتكر» قلص الاستثمار ووسع الاقتصاد السرى
كما ساهمت تلك الإجراءات فى توقف شركات الاستيراد التى قامت بإلغاء تعاقداتها حتى لا تدخل فى دوامة تلك المشكلات، علاوةً على ارتفاع الأسعار العالمية وانخفاض سعر الجنيه، إلى جانب بدء نقص إنتاج السلع الغذائية الأخرى نظراً لمصادرة مستلزمات إنتاجها، بخلاف تدمير ما تبقى من مناخ الاستثمار، الأمر الذى سيدفع العديد من العاملين بهذا المجال للخروج من السوق وتصفية أعمالهم بدلاً من التوسع، ويقضى على الاستثمار الذى ندعو إليه للحد من غول البطالة. وقد حذرت وحذر زملائى فى الاتحاد العام للغرف التجارية، من بعض المؤشرات للوضع الاقتصادى الراهن، والذى كنا قد نبهنا إليه فى فبراير الماضى. ففى ظل الوضع الراهن أرى أن الاستمرار فى تلك السياسات سيقود إلى كارثة اقتصادية.
سوء إدارة السياسات المالية انعكس سلباً على الاستثمار.. والإجراءات الأمنية لم تنجح فى وقف سوق العملة
■ برأيك، أين تقف السياسة النقدية من تلك المشكلات؟
- للأسف، سوء إدارة السياسات المالية والنقدية المتدنية يلقى ظلاله على قطاعات الأعمال وعزوف الاستثمار المحلى والأجنبى عن ضخ استثمارات جديدة وخروج البعض من السوق المصرية، يجب أن ننتبه إلى أن عدد المتعطلين عن العمل بلغ 3.6 مليون بمعدل بطالة 12.8% من إجمالى قوة العمل فى الربع الأخير من عام 2016، فى ظل زيادة معدلات الفقر إلى 27.8% من المصريين، وعدم السيطرة على الدين العام الداخلى الذى بلغ 2.49 تريليون جنيه بنهاية مارس 2016 والدين الداخلى 53.4 مليار دولار وفقاً لتقرير البنك المركزى الأخير، حتى أصبح الدين العام يفوق إجمالى الناتج المحلى.
وهناك فارق كبير بين سعر الدولار فى السوق الرسمية والسوق الموازية يصل لفروقات كبيرة، ولعلنا ندرك جيداً ما يحدث فى الأسواق حالياً من قفزات سريعة ومتلاحقة، وبرأيى أزمة الدولار الحالية ترجع إلى الموروثات الخاطئة للدولة، التى تنظر إلى سعر الصرف منذ 64 عاماً باعتباره الأمان، ولم تعتمد على قواعد العرض والطلب والمؤشرات العالمية حتى تخرج بسعر صرف حقيقى. ونعود مرة أخرى إلى الإجراءات البوليسية والأمنية التى لم تنجح فى حل أزمة الدولار فى السوق المحلية، فقانون البنك المركزى يجرم التعامل بالنقد الأجنبى خارج المصارف، وكمجتمع أعمال لم نعارض ذلك، لكن العيب فى هذا الفكر أن سعر العملة غير مقوم بحقيقته، ولا يترجم الطلب الحقيقى. الدولار متوافر ولكن سوء الإدارة من قبَل الحكومة فى هذا الشأن وراء الأزمة، وآليات العرض والطلب هى التى ستؤدى إلى ضبط سعره.