الدقهلية.. «205 آلاف للمتر»: الجنون وصل إلى المناطق الزراعية.. ومسئول: الزيادة السكانية التهمت الأراضى
قفزات متتالية فى أسعار الشقق والأراضى المخصصة للبناء شهدتها الدقهلية خلال السنوات الخمس الأخيرة
«استمرار الزيادة السكانية» و«غياب الظهير الصحراوى»، اثنان من الأسباب الرئيسية التى أرجع المسئولون فى محافظة الدقهلية الزيادة الجنونية فى أسعار العقارات إليها، حيث شهدت المحافظة عدة قفزات متتالية فى أسعار الشقق السكنية والأراضى المخصصة للبناء خلال الـ5 سنوات الأخيرة، إلى أن بلغ سعر المتر المربع فى قطعة أرض بمدينة المنصورة، عرضتها هيئة الأوقاف للبيع فى مزاد مؤخراً، 205 آلاف جنيه، لتحطم كل التوقعات، وتطلق العنان لأسعار الأراضى لمزيد من الارتفاعات.
مستثمر: الدولة منعت بناء الأبراج فوق 6 أدوار فزاد المتر من 700 إلى 7 آلاف جنيه فى سنتين
«الدقهلية لا يوجد بها أراض أملاك دولة أو إصلاح زراعى، ولا يوجد لها ظهير صحراوى، ومحاطة بالأراضى الزراعية»، هكذا بررت المهندسة زينب صالح، مساعد محافظ الدقهلية ومدير الإدارة العامة للتخطيط العمرانى، الارتفاعات المتتالية فى أسعار العقارات بالمحافظة، وأضافت أن الحيز العمرانى لقرى ومدن الدقهلية «ثابت ولن يتغير حتى حلول عام 2027 والأسعار هتزيد أكتر»، متوقعة ذلك بسبب «الارتفاع الكبير فى عدد السكان». وأضافت «صالح» لـ«الوطن»، أن «الأراضى أصبحت تمثل استثماراً سهلاً، وطريقة سهلة لغسيل الأموال»، وهو ما تسبب فى الارتفاع الجنونى لسعر متر الأرض بالمناطق الجديدة، وأشارت إلى أن هذه الزيادات ملحوظة بعد ثورة يناير 2011، ولفتت إلى أن بعض المواطنين قاموا بشراء أراض داخل الأحيزة العمرانية الجديدة بأسعار قليلة وبمساحات كبيرة جداً، ثم قاموا بتقسيمها وبيعها بـ«أسعار خرافية»، وأضافت أنه لا أحد يدرى عن هؤلاء شيئاً، ووصفتهم بأنهم «يشكلون مافيا حقيقية للسيطرة على سوق العقارات»، وضربت مساعد محافظ الدقهلية بعض الأمثلة فى بعض المناطق بمدينة المنصورة، حيث كان سعر متر الأرض فيها لا يتعدى 2000 جنيه خلال ثورة يناير، وحالياً يتراوح السعر بين 8 و10 آلاف جنيه، مما حقق مكاسب لا حصر لها لهؤلاء المافيا».
من جانبه، قال محسن على، أحد المستثمرين، إن الدولة فرضت، خلال الفترة الماضية، قيوداً على الارتفاع فى الشوارع الرئيسية بالمنصورة، ومنعت بناء الأبراج التى يصل ارتفاعها إلى 12 دوراً، وقيدتها بعدد 6 أدوار فقط، ما خلق نوعاً من الجنون نحو تحول المستثمرين إلى الشوارع الضيقة، والأحيزة الجديدة»، على حد تعبيره، ما أدى إلى ارتفاع سعر الأراضى التى كان يتم بيع المتر فيها بنحو 700 جنيه قبل سنتين، إلى 7 آلاف جنيه، وأضاف أن محافظ الدقهلية، حسام الدين إمام، تدخل بنفسه لحل أزمة قيود الارتفاع فى بعض الشوارع الرئيسية لعدد من المستثمرين، ولكن «بعد فوات الأوان».
«عبداللطيف»: «الفلاحين الفقرا بقوا مليونيرات نتيجة بيع فدان الأرض الزراعية بـ3 ملايين جنيه»
وبينما أشار «على» إلى أن العديد من المقاولين والمستثمرين أحجموا عن بدء أى مشروعات جديدة، فى ظل حالة «الجنون» التى تسيطر على سوق العقارات، فقد أكد حازم عيسوى، الذى يعمل بإحدى شركات المقاولات والاستثمار العقارى، أن «دخول مقاولى بئر السلم سوق العقارات، أدى إلى خلق سوق موازية»، مشيراً إلى أن هؤلاء المقاولين يقومون بشراء الأراضى الزراعية على أطراف المدن، ثم يقومون بتقسيمها عشوائياً، وتسعيرها بصورة مبالغ فيها، دون الالتزام بالكثافة البنائية، أو بقيود الارتفاع، واصفاً ذلك القطاع بأنه «الاقتصاد الأسود»، وأضاف أن ظاهرة «البناء العشوائى» انتشرت بقوة بعد ثورة يناير. وأضاف «عيسوى» أن هروب المدخرات إلى سوق العقارات، كـ«ملاذ آمن»، فى ظل انهيار سعر الجنيه، وارتفاع سعر صرف الدولار فى السوق السوداء، أدى إلى توجيه مدخرات كثير من المصريين نحو «المضاربة على أسعار العقارات»، للحفاظ على القيمة السوقية لتلك المدخرات، وأوضح أن المواطنين يقومون بشراء عملات أجنبية، أو مصوغات ذهبية، أو عقارات بأى قيمة، واستدل على ذلك بقوله إنه فور فتح باب الحجز بالمشروعات العقارية الجديدة، تنتهى عملية بيع الشقق بسرعة كبيرة، واعتبر أن الدولة دخلت كمنافس للقطاع الخاص، من خلال طرح الأراضى والعقارات بأسعار مغالى فيها، رغم ملكيتها للأرض، لافتاً إلى أن وزارة الإسكان أعلنت عن إنشاء وحدات سكنية لمتوسطى الدخل، يتراوح سعر المتر فيها من 2500 إلى 4250 جنيهاً، مما أدى إلى اشتعال الأسعار، حتى وصل سعر متر الأرض الفضاء إلى أرقام خيالية، تجاوز 7000 جنيه فى بعض المدن، مشيراً أيضاً إلى الزيادة المضطردة فى سعر الدولار، وتكلفة النقل، التى تسببت فى ارتفاع أسعار مواد البناء، وأهمها الحديد والأسمنت والسيراميك والألمونيوم، وهو ما انعكس بالسلب على سعر تكلفة الوحدات العقارية. وأكد «م. أ».، صاحب شركة مقاولات، رفض نشر اسمه، أنه «منذ نحو 15 سنة، كانت النقود فى أيدينا أفضل من أى عقار، وكنا نبحث عن البيع بأى صورة، والآن سعر العقار يزيد يوماً بعد يوم، فأصبحنا نتمسك بالعقار عن النقود، وهذا جعل البيع قليلاً، وكلما تمسكنا بالعقار زاد سعره، وهذا فى الأراضى والعقارات سواء»، وأضاف أن «السوق يطرد الضعيف حالياً، ويجذب رؤوس أموال لا نعرف لها أصلاً، فالعميل فى الماضى كان معروفاً، وغالباً ما يكون شاباً سافر إلى الخارج عدة سنوات، وعاد ليشترى أرضاً أو شقة من مدخراته فى الغربة، أما الآن فنجد أشخاصاً أمضوا حياتهم فى مصر، ولم يسافروا للخارج، ويعرضون مبالغ هائلة فى بيع وشراء العقارات».
أما عبداللطيف السيد، أحد المواطنين، فقال إن حالة «الجنون» هذه لا تقتصر فقط على الأراضى داخل الأحيزة العمرانية، بل وصلت إلى الأراضى الزراعية، خاصةً الملاصقة للعمران، مشيراً إلى أن سعر الفدان وصل فى بعض الأماكن إلى 3 ملايين جنيه، وأضاف قائلاً إن «الفقير أصبح لا وجود له فى هذه المنافسة»، مشيراً إلى أنه فى نفس الوقت، يتحول بعض الفلاحين الفقراء إلى مليونيرات فى وقت بسيط، بعد بيع جزء من أرضه، خاصةً الذين تقع أراضيهم ضمن الأحيزة العمرانية الجديدة.
وأشار «السيد» إلى أن استخراج تراخيص البناء حالياً أصبح عملية مكلفة للغاية، فى ظل وجود «تبرعات إجبارية» على أصحاب العقارات، معتبراً أن «السوق العقارية تشهد حالة غير مسبوقة من التشوهات»، وأضاف أنه رغم زيادة المعروض من العقارات، فإن هناك حالة من «الركود النسبى» تخيم على السوق، نتيجة الارتفاع المطرد فى الأسعار، مقابل ثبات الدخول، وانهيار قيمة الجنيه فى مواجهة الدولار، وطالب بضرورة الإسراع فى إنشاء مدينة «المنصورة الجديدة»، التى تقع على مساحة 7606 أفدنة، مؤكداً أنها ستكون «المتنفس الوحيد» لجميع أهالى الدقهلية، كما طالب باعتماد «الظهير الصحراوى»، الذى صدر قرار من رئيس الجمهورية بتخصيصه للمدينة، والذى لم يتم أى إجراء بشأنه حتى الآن، معرباً عن خشيته من الوقوع «فريسة» بين أيدى مافيا الأراضى، ومافيا الاستيلاء على المال العام.