"الشعبوية" على طريقة "ترامب" تطول الديموقراطيات الغربية
ترامب
يصيح مارك "انتصرنا"، محتفيا بفوز دونالد ترامب بالرئاسة الأمريكية، وعلى الرغم من أنه فرنسي، لكنه مقتنع بأن بطله حقق مأثرة، وسيحدث يقظة عالمية.
ويبث هذا الطالب من شمال فرنسا، البالغ من العمر 24 عاما، منذ عام تأييده وحماسته لـ"منقذ العالم" على "فيس بوك" عبر مجموعته "الفرنسيون مع ترامب" الذي يعد نحو ألف عضو.
ويقول: "ثمة يقظة في كل أنحاء العالم، يقظة الأمم، يقظة لفكرة الوطن، وكون ذلك يحصل في الولايات المتحدة يشكل رغم كل شيء رمزا قويا".
وتشهد أوروبا الكثير من المواقف التي تتطابق مع خطاب ترامب، مواقف قومية معادية للأجانب وللنخب ومعارضة للعولمة، تعكس صعودا للتيارات الشعبوية في الديموقراطيات الغربية.
في فرنسا، تزداد شعبية حزب الجبهة الوطنية الذي يتموقع إلى أقصى يمين المشهد السياسي، وتتوقع استطلاعات الرأي ارتقاء رئيسته مارين لوبن إلى الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية في 7 مايو 2017، وهي كانت من أوائل الذين هنأوا الرئيس الأمريكي المنتخب.
وتساءلت صحيفة "20 مينوت" المجانية الفرنسية، اليوم، على صفحتها الأولى: "فرنسا على الطريقة الأمريكية؟".
في بريطانيا، تجاوب العديد من المواطنين مع دعوة حزب "يوكيب" المعادي لأوروبا إلى "استعادة بلادنا"، وصوتوا في يونيو، من أجل الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وفي ألمانيا، يحقق حزب "البديل لألمانيا" اليميني الشعبوي سلسلة من الانتصارات الانتخابية في الأشهر الأخيرة، مستغلا الاستياء الشعبي من تدفق المهاجرين إلى البلاد.
كما يسجل الوضع نفسه في دول مثل النمسا وهولندا وإسكندينافيا، حيث يتصاعد اليمين المتطرف، وكتب زعيم الحزب اليميني المتطرف في هولندا جيرت فيلدرز، على "تويتر" اليوم: "انتصار تاريخي لنا جميعا".
كذلك أعرب رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، والرئيس التشيكي ميلوس زيمان، اللذان يتعرضان للانتقاد بسبب خطابهما الشعبوي والمعادي للهجرة، عن تأييدهما للملياردير الأمريكي.
وقال مدير الأبحاث في "المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية"، جيريمي شابيرو، إنه تاريخ الخوف من التغيير، الخوف من الآخر، الخوف من العدوى الثقافية.
وتلتقي جميع هذه الأحزاب والحركات المصنفة في خانة الشعبوية بشأن العديد من النقاط: انتقاد "اللياقة السياسية"، وكره "النخب" السياسية والمالية، والعداء لعدو مشترك هو العولمة التي يرون فيها لعبة ابتكرها أثرياء العالم لخداع الشعوب.
ويرى مؤلف كتاب "الفورة الشعبوية" جون جوديس، أن الوضع الاقتصادي منذ الأزمة المالية العالمية كان تربة خصبة للانكفاء على الذات والانعزالية، وقال إن التباطؤ الاقتصادي المتزامن مع تزايد التباينات يولد الكثير من النقمة ضد الذين يحكمون.
وتقترن هذه النقمة بمخاوف لدى المواطنين حيال تدفق المهاجرين والخطر الإرهابي، ويقول شابيرو: "الهجرة هي العامل الأول، لا سيما بسبب المخاطر التي تشكلها على الأنظمة الصحية والتربوية".
إلا أن تزايد الانعزالية قد يهدد الأسس التي يقوم عليها الاتحاد الأوروبي وكذلك المؤسسات الدولية، وكان رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، أعرب عن قلقه حين حذر بأن قرار بريكست لن يؤدي إلى تدمير الاتحاد الأوروبي فحسب، إنما كذلك الحضارة السياسية الغربية.
وما يعزز هذه المخاوف أن ترامب استهدف بانتقاداته منذ حملته الانتخابية الحلف الأطلسي ومنظمة التجارة العالمية، في وقت انسحبت دول إفريقية عدة بدءا بجنوب إفريقيا من المحكمة الجنائية الدولية.
ويبقى السؤال مطروحا عن مدى التأثير الفعلي للشعبويين، سواء كانوا من أقصى اليمين أو من أقصى اليسار، ويقول جوديس بهذا الصدد إن الشعبوية هي بصورة عامة إنذار، معناه أن الأحزاب والمؤسسات تدرك أنه ينبغي القيام بشيء ما.
وفي فرنسا، شدد اليمين مواقفه بشأن الهجرة ومكافحة الجريمة ليتبنى خطابا أقرب إلى حزب الجبهة الوطنية، كما يحاول أقصى اليسار أيضا تبني خطاب معارض لهيئات السلطة.
لكن ذلك لا يهدئ مخاوف مارك، الطالب الفرنسي الذي يعتبر أن الطبقة السياسية تنكر الواقع، مضيفا: "تصورها للعالم ليس تصورنا نحن".