الاستثمارات الإيرانية فى مصر.. «اقتصاد سياسى» لا يدوم طويلاً
بعد قطعية دامت لأكثر من 30 سنة، خلال فترة حكم نظام «مبارك» للبلاد، تعود الاستثمارات الإيرانية إلى مصر مصحوبة بعلاقات جديدة بين البلدين، لكنها لا تخلو كالعادة من التوتر والفتور اللذين تتسم بهما دائما العلاقة بين أكبر دولة سنية ونظيرتها الشيعية فى الشرق الأوسط.
بدأت استثمارات الحكومة الإيرانية فى مصر خلال عهد الرئيس الراحل أنور السادات، فى إطار اتفاق التعاون الاقتصادى بين حكومتى القاهرة وطهران عام 1974، واتفقت الدولتان وقتها على اعتبار المشروعات المشتركة «شركات وطنية» فى كل منهما.
وفى عام 1975 تأسست شركة «مصر - إيران للغزل والنسيج» بالسويس، كانت النواة الاقتصادية لهذا الاتفاق، برأسمال بلغ 13٫3 مليون جنيه مناصفة بين الحكومتين المصرية والإيرانية، وزاد رأس المال على مدار السنوات الماضية حتى وصل عام 2011 إلى 187 مليون جنيه، يمتلك الجانب المصرى، ممثلا فى الشركة القابضة للغزل والنسيج وبنك الاستثمار القومى، 51% منها، بينما للجانب الإيرانى، ممثلا فى الشركة الإيرانية للاستثمارات الأجنبية، نسبة 49%.
يقول خالد الجيلانى، أحد القيادات العمالية بالشركة: إن الجانب الإيرانى عرض بعد الثورة شراء الحصة المصرية أو زيادة نسبته إلى 52%، لكن الجانب المصرى رفض العرض تماما، موضحا أن «مشكلة الشركة فى فساد الإدارة المتهمة بإهدار المال العام، وقد رصدت لجنة الحقائق المشكلة من مجلس الشورى التى صاحبتها أثناء زيارتها للمصنع فى شهر فبراير الماضى العديد من صور الفساد الإدارى والمالى، ومع ذلك لم يصدر تقريرها النهائى حتى الآن».
يأتى «بنك مصر - إيران» الذى تأسس فى منتصف مايو 1975 كشركة مساهمة مصرية، فى المرتبة الثانية ضمن الاستثمارات الحكومية الإيرانية فى مصر، باعتباره من أكبر الاستثمارات المشتركة بين البلدين برأسمال بلغ 20 مليون دولار، شهد بعد ذلك زيادات متتابعة حتى وصل حاليا إلى 300 مليون دولار، بينما بلغ رأس المال المدفوع 200 مليون دولار، وفقا للموقع الإلكترونى للبنك.[Image_2]
وتبلغ حصة الجانب الإيرانى فى رأسمال البنك نحو 40% تقريبا، بينما يمتلك الجانب المصرى 60% تقريبا، ويعمل البنك فى مجال أسواق النقد والمال وتمويل المشروعات وأنشطة التمويل التجارى قصير الأجل، ويتكون مجلس إدارة البنك من 9 شخصيات: 5 من مصر و4 من إيران.
ومن أبرز الاتفاقيات التى وقعتها مصر مع إيران فى الأشهر الأخيرة: إحياء بنك «مصر - إيران»، وإعادة ضخ الدماء مجددا فى عروقه بعد أعوام من تعثره، فى ظل تدهور العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين منذ اندلاع الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979 وإسقاط نظام الشاه الذى كانت تربطه علاقات وثيقة بالقاهرة، وهو ما تمسكت به طهران بشدة.
ويتوقع عدد من خبراء الاقتصاد أن تستخدم إيران هذه الاتفاقيات التى تبدو دعما إيرانيا للاقتصاد المصرى، كجزء من خطة إيرانية للتهرب من العقوبات الدولية المفروضة عليها، خاصة مع إصرار إيران على إحياء دور البنك الذى سبق اتهامه فى 2009 من قبل مجلة «ذا أتلانتك» الأمريكية، بمساعدة إيران فى التحايل على العقوبات الدولية المفروضة عليها.
وتضم الاستثمارات الإيرانية فى مصر أيضا العديد من التوكيلات الإيرانية لصالح لرجال أعمال مصريين، منها شركتا «الكحال» و«كازارونى»، والأخيرة تعتبر من أكبر مستورى السجاد الإيرانى فى مصر، بقيمة 10 ملايين جنيه سنوياً.
وأظهر تقرير لهيئة الاستثمار المصرية أن حجم الاستثمارات الإيرانية فى مصر وصل إلى 331 مليون دولار، خلال 12 شركة مسجلة فى الهيئة منذ عام 1974 حتى 2010.
وبعد ثورة 25 يناير، تبادل الرئيسان المصرى والإيرانى الزيارة، فى خطوة تزامنت مع تعزيز التعاون بين البلدين بعد عقود من القطيعة عقب الثورة الإيرانية نهاية السبعينات، وعرض «نجاد» خلال زيارته لمصر أن تمول طهران القاهرة بالقروض التى تريدها، وأن يبدأ المستثمرون ورجال الأعمال الإيرانيون فى تنفيذ مشاريع بمختلف المحافظات المصرية.[Image_3]
وزار على أكبر صالحى، وزير الخارجية الإيرانى، مصر بعد زيارة «نجاد»، على رأس وفد من 19 رجل أعمال إيرانيا تمكنوا من تسجيل 21 شركة جديدة فى هيئة الاستثمار، حسبما أعلنت وكالة «فارس» الإيرانية، وتنشط هذه الشركات فى عدة مجالات، منها: الصناعات النفطية والسيارات والمعدات الثقيلة والسجاد والسياحة والاستيراد والتصدير، كما تم تكوين شركات مشتركة دخلت البورصة المصرية بواجهات استثمارية، بينما لم ينف أو يؤكد الجانب المصرى هذه التطورات.