الوقت الضائع: بلد «المتأخرين دائماً».. من زحام المواصلات والطرق إلى «طوابير» المصالح الحكومية
أشرف شاهين
تقول الحكمة العربية القديمة «الوقت كالسيف، إن لم تقطعه قطعك»، لكن فى شوارع القاهرة تبدو تلك الحكمة لا محل لها من الإعراب، فالوقت متصالح جداً مع أهلها لا يقطعونه ولا يقطعهم، التأخير هو الأصل داخل كل مصلحة حكومية يقصدها مواطن لقضاء خدمة، وعبر كل وسائل المواصلات العامة أو الخاصة التى يستقلها الناس للتنقل من نقطة إلى أخرى. «ستة.. ستة ونص يعنى» إيفيه ساخر يسترجعه عادل عبدالمنعم، الذى يعمل محاسباً بأحد مكاتب الاستشارات القانونية والمحاسبية بعد تخرجه فى كلية تجارة جامعة القاهرة قبل 4 أعوام، فهو يعانى من مشكلة تأخره شبه المستمر عن الموعد المحدد للحضور فى عمله: «ميعادنا 7.30 صباحاً، بخرج من البيت الساعة 6 مع طلوع النهار، وأكتر من ساعة ونص فى الطريق وبرضه بروح متأخر فى أيام كتير».
خبير تنمية بشرية: «أمر كارثى» يتسبب فى تأخر البلد.. وعدم احترام قيمة الوقت يعيق التقدم
المسافة بين مسكنه فى حى المعادى وعمله فى مدينة 6 أكتوبر يمكن أن يقطعها فى 30 دقيقة فقط، لكن أكثر من ساعة ونصف لا تكفيه يومياً للحضور فى موعده المحدد، وهو يضيف: «أنا بنزل بدرى علشان أبقى عامل حساب أى تأخير فى الطريق، لكن اللى بيحصل فى أيام كتير إن التأخير بيبقى فوق الحد، وممكن الساعة ونص تبقى ساعتين، وآخد خصم». خصومات مالية كبيرة عاناها «عادل» على مدار فترة عمله فى المكتب الذى التحق به، «ربع المرتب بيروح فى الخصم، بسبب حادثة على الطريق، أو إشارة مرور واقفة، دايماً مناطق معينة بتبقى زحمة ومقفولة وأقف بالعربية بالربع والنص ساعة كأنى فى جراج، خاصة بداية المحور وطريق الأوتوستراد»، ويتساءل الشاب الثلاثينى محاولاً أن يجد حلاً: «يعنى المفروض أخرج من البيت الساعة كام، الفجر مثلاً؟ إزاى طريق ياخد من 30 لـ40 دقيقة أقطعه فى أغلب الأيام فى أكتر من ساعة ونص؟»، إهدار الوقت بصورة مبالغ فيها لا يقتصر على الطرق والكبارى وحدها، العذاب نفسه يشتكى منه مواطنون فى أماكن عدة، لا سيما الجهات الحكومية الخدمية مثل الإدارة العامة للمرور ومصلحة الجوازات والهجرة ومكاتب السجل المدنى وأفرع الهيئة العامة للتأمين الصحى.
«3 أيام ورا بعض أروح وآجى علشان أخلص الشهادة النهائية من الجامعة، الموظفين فى شئون الطلبة كأنهم مصرين يأخرونا ويضيعوا وقتنا، يوم يقولوا خلصنا والساعة لسه 1 الضهر، ويوم تانى أقف فى طابور طويل لأن موظف لوحده اللى شغال وبعد ساعة يقولى ناقص دمغات وورق»، هذه «حالة» يصفها محمود عبدالله، خريج كلية الآداب جامعة حلوان، بأنها «عذاب» فى ظل عدم تقدير للوقت، الأمر الذى يصفه الدكتور أشرف شاهين، خبير التنمية البشرية، بأنه «كارثى» يتسبب فى إعاقة الشعوب وتأخرها، مؤكداً أن احترام الوقت فى المجتمعات الخطوة الأولى لنجاحها وتقدمها، والمجتمع الذى يعجز عن تقدير الوقت يكون من الصعب أن يتقدم ويتطور فى أى من مجالات التنمية سواء الاقتصادية أو العلمية أو التعليمية.