أسامة عقيل يكشف تفاصيل خطته لحل أزمة المرور في القاهرة التي أقرتها الحكومة منذ عامين ولم تر النور
الدكتور أسامة عقيل
قال الدكتور أسامة عقيل، أستاذ الطرق والمرور والمطارات بكلية الهندسة جامعة عين شمس، أحد الخبراء العالميين المعدودين فى هذا المجال، إن القاهرة الكبرى أسوأ مدن العالم مرورياً، وإن الفوضى المرورية تكلف الدولة نحو 40 مليار جنيه سنوياً، فى ظل «ضعف» و«ترهل» هيئة النقل العام المثقلة بجيش من الموظفين وتخلف إدارة المرور تكنولوجياً.
وكشف «عقيل»، فى حوار لـ«الوطن»، عن أنه عرض تصوراً كاملاً مكوناً من 46 بنداً لحل أزمة المرور نهائياً على مجلس الوزراء عام 2014 ووافق عليه المجلس وقتها لكنه لم ير النور حتى الآن لأسباب لا يعرفها. وأوضح أن حجر الزاوية فى هذه الخطة هو اجتذاب الطبقة المتوسطة من مالكى السيارات الخاصة لاستخدام وسيلة نقل جماعى فعالة ومريحة ومتطورة بسعر معقول لا تتجاوز فيه التذكرة 8 جنيهات وهى الأوتوبيس المميز السريع «BRT»، الذى يشبه قطاراً أو مترو يسير فى مسارات خاصة بالشوارع، مع رفع تكلفة الاحتفاظ بالسيارة. وأكد أن الدراسة التى قدمها تشمل مصادر التمويل وعوائد الأرباح التى ستعود على الدولة من هذا المشروع.. وإلى نص الحوار.
أسامة عقيل: حل أزمة المرور فى 3 آلاف أوتوبيس «مميز» ويمكن تصنيعها فى شركات مصرية.. لكننا نحتاج إرادة سياسية قوية للتنفيذ
■ دعنا نبدأ باستعراض المشكلة؟
- باختصار شديد، القاهرة الكبرى، التى تضم القاهرة والجيزة وشبرا الخيمة، هى أسوأ مدن العالم مرورياً، ويمكن التدليل على ذلك بعدة مؤشرات أهمها أن متوسط سرعة وسائل النقل لا تتجاوز فى المتوسط 10 كم/ساعة. ومتوسط زمن رحلة العمل الواحدة 100 دقيقة وهو معدل مرتفع جداً، وهناك عجز فى توفير وسائل النقل وعجز فى توفير أماكن الانتظار التى تصل إلى 450 ألف مكان، أى ما يعادل 1000 جراج متعدد الطوابق، تكلفتها التقديرية تصل إلى 150 مليار جنيه إذا توافرت الأراضى وهى غير متوافرة.
ويضاعف من حجم الأزمة تضخم حجم إقليم القاهرة الكبرى وزيادة أطوال الرحلات، خصوصاً بعد أن يضاف إليه العاصمة الإدارية الجديدة وضعف إدارة المرور وتخلفها تكنولوجياً كل ذلك تصاحبه معدلات رهيبة فى تلوث البيئة واستهلاك زائد للوقود، ومعظمه مدعم، ما يفاقم عجز الموازنة الذى ينتج عنه بالضرورة ارتفاع فى معدلات التضخم أى ارتفاع الأسعار، والخسائر الناجمة على هذه الفوضى المرورية تبلغ نحو 40 مليار جنيه سنوياً.
■ وكيف وصلنا إلى هذه الحالة الكارثية؟
- عبر سنوات من الإهمال وسوء التخطيط. يكفى أن تعرف أن تعداد القاهرة الكبرى فى الستينات كان نحو 5 ملايين نسمة يخدمها 4700 أوتوبيس عام ومفصلى وشبكة ترام وشبكة تروللى باص ومترو مصر الجديدة. الآن تعداد القاهرة يصل إلى نحو 20 مليوناً، يخدمهم أسطول مكون من 2000 أوتوبيس عام فقط وخطان مترو أنفاق وجزء محدود من الخط الثالث، ونقل عشوائى ممثل فى شبكة ميكروباص وتوك توك.
المهندس «محلب» سأل الوزراء: «من مستعد للتخلى عن سيارته واستخدام أوتوبيس مميز؟» فرفع معظمهم يده.. ثم اختفت الدراسة
■ ولماذا انخفض أسطول هيئة النقل العام رغم المخصصات المالية الكبيرة لها فى موازنة الدولة؟
- هيئة النقل التى تحصل على مليار جنيه دعماً من الدولة سنوياً ضعيفة ومترهلة ومثقلة بجيش من الموظفين، فمثلاً الـ2000 أوتوبيس التى تعمل فى الهيئة منها 500 أوتوبيس معطل، أى إن العدد الفعلى 1500 فقط، وهناك 30 موظفاً لكل أوتوبيس بدلاً من 4، ومتوسط دورات العمل اليومية لكل أوتوبيس من 2 إلى 3، بدلاً من 6 دورات، وطبعاً لا توجد خدمة ليلية من الساعة 12 ليلاً إلى 6 صباحاً. وبصفة عامة تكلفة تشغيل الهيئة وفقاً للمعايير العلمية، وهى راكب لكل كيلومتر، كما أن تكلفة نقل الراكب لمسافة كيلومتر أعلى من مترو الأنفاق، وهو الأغلى بين كل وسائل النقل الجماعى.
■ دعنا نشخص المشكلة مرة أخرى بالأرقام قبل أن نسألك عن الحلول.
- عناصر المشكلة معروفة؛ أولها تضخم إقليم القاهرة بعد إضافة مساحات كبيرة مثل العبور الجديدة والعاشر من رمضان والامتداد على طريق الإسكندرية الصحراوى، وسيزداد ضخامة بعد الانتهاء من مشروع العاصمة الإدارية، وتبلغ المسافة بين العاصمة الجديدة ومدينة 6 أكتوبر نحو 150 كيلومتراً، ما يزيد أعداد الرحلات وأطوالها ويفاقم من حجم المشكلة المرورية.
ثانياً، تركز كل الخدمات والمصالح فى القاهرة، ما يجعلها قبلة يومية للمواطنين من كل المحافظات، فهى تضم 22% من إجمالى السكان فى مصر، و55% من أماكن التعليم العالى، و43% من إجمالى الوظائف بالقطاع العام، و40% من إجمالى الوظائف بالقطاع الخاص، و48% من أعداد أسرة المستشفيات، و50% من أعداد السيارات الخاصة، و95% من البعثات الدبلوماسية، و90% من دواوين الحكومة، ولذلك يدخلها يومياً فى المتوسط 2.5 مليون رحلة. وبلغ عدد الرحلات اليومية حالياً 24 مليون رحلة فرد فى اليوم، 50% منهم بغرض الذهاب للعمل، وجميعها تقريباً يتم فى ساعات الذروة، ولأن كثيراً من هؤلاء يذهبون إلى أعمالهم بسياراتهم الخاصة وليس بوسائل نقل جماعية، فإن هذه السيارات تخنق شوارع القاهرة وتقاطعاتها وتتسبب فى تعطيل الحركة المرورية، كما أن تكدسها فى الانتظار على جانبى الطرق لنحو 8 ساعات يومياً يزيد المشكلة.
مشروع «الأوتوبيس المميز» لن يرى النور إلا إذا تدخل الرئيس شخصياً.. وعدد من الوزراء تحمسوا للاستفادة من عوائده
■ معنى ذلك أن السيارات الصغيرة (الملاكى والتاكسى) هى أحد أكبر أسباب المشكلة.
- صحيح لأنهما يمثلان معاً 85% من المركبات فى الشوارع والتقاطعات، نصيب الملاكى 70%، ويمثلان 100% من الانتظار فى الشوارع والتقاطعات ولا يمكن الحديث عن حل لاختناقات المرور دون تخفيض أعداد هذه السيارات الصغيرة لصالح النقل الجماعى، وهو ما يحدث فى كل المدن الكبرى فى العالم التى تتجه لتعزيز النقل الجماعى على حساب السيارات الخاصة، وهذا هو عصب الحل الذى قدمته فى دراسة متكاملة للحكومة.
■ وما الخطوط الرئيسية لخطتك؟
- الخطة تتكون من 46 نقطة كفيلة بحل مشكلة الاختناق المرورى نهائياً، وحتى إذا لم تطبق كامة فتنفيذ أكبر قدر ممكن من بنودها سيساهم فى حلها بشكل سريع ويحقق عوائد مالية ضخمة للدولة تقدر بنحو 28 مليار جنيه سنوياً، فمثلاً تطبيق نظام إجارة الانتظار يحقق 400 مليون جنيه سنوياً، و480 مليوناً أخرى من فرض ضرائب ورسوم إضافية على التراخيص، و500 مليون أخرى غرامات على من يرفض فتح الأماكن المخصصة للجراجات، ويوفر 20 مليار جنيه خسائر ناتجة عن الاختناقات المرورية وفقاً لتقدير البنك الدولى، و2 مليار و300 مليون أرباح شركة النقل الجماعى «الأوتوبيس المميز»، خلافاً لتوفير القروض التى كانت ستتراكم على الدولة حال الاستمرار فى تنفيذ مترو الأنفاق الذى يجب تأجيله وقد لا نحتاج إليه مطلقاً.
■ لدينا بالفعل وسائل متعددة للنقل الجماعى، فما الجديد؟
- صحيح، لكن هذه الوسائل التى تشير إليها إما أنها محدودة الأثر أو مكلفة جداً، والأهم أنها تخاطب بالأساس الفئات محدودة الدخل ولم تنجح فى إقناع أصحاب السيارات من الطبقة المتوسطة باستخدامها. والنتيجة أنهم توسعوا فى امتلاك السيارات الصغيرة التى باتت تملأ الشوارع وتخنقها أثناء سيرها وأثناء انتظارها، وبديهى أن هذه السيارات لا تحمل إلا أصحابها. والحل المثالى أن نوفر وسيلة نقل مريحة وبسعر معقول تناسب هذه الفئة من الناس، بعيداً عن محدودى الدخل الذين يستخدمون النقل العام أو مترو الأنفاق وبعيداً عن الأثرياء الذين سيتمسك معظمهم بسياراتهم الفارهة أياً كانت تكلفة الاحتفاظ بها. وهذه الوسيلة هى الأوتوبيس المميز السريع «BRT» على أن يصاحب إدخال هذه الوسيلة إجراءات أخرى من شأنها رفع تكلفة استخدام السيارة الخاصة فى الذهاب إلى العمل، أى إننا سنسير على محورين لتشجيعهم على النقل الجماعى وصرفهم عن السيارة الخاصة. وبذلك تقل أعداد السيارات الصغيرة فى الشوارع، وبالتالى تقل الاختناقات المرورية، وعندئذ تصبح أزمنة الرحلات للأوتوبيسات مناسبة، وتزيد الإنتاجية (طاقة نقل الركاب)، وكلما زاد عدد الأوتوبيسات المميزة تقل أعداد السيارات الصغيرة وتقل الاختناقات المرورية ويقل الطلب على الانتظار الذى كانت السيارات الصغيرة تحتاجه، وبالتالى تزيد كفاءة وطاقة النقل للأوتوبيسات ولجميع وسائل النقل وتنتهى المشكلة، والأوتوبيس السريع المميز الـ«بى آر تى» انتشر فى كل المدن الكبرى فى العالم وأصبح البديل الأمثل لكل وسائل النقل الجماعى وبالمناسبة هذا الأوتوبيس كان موجوداً فى القاهرة فى الخمسينات والستينات.
لا حل للاختناقات المرورية دون تخفيض «الملاكى والتاكسى».. ويجب تشجيع النقل الجماعى بمستوى خدمة عالٍ.. و أدعو الحكومة لوقف تنفيذ شبكة «المترو» لضعف قدراتها المالية ووجود بدائل أفضل وأرخص
■ هل الأوتوبيس المميز السريع منتج أم مجرد فكرة؟
- هو ببساطة أوتوبيس ذو خدمة مميزة وسعة ركاب كبيرة وقابلة للزيادة بضم أوتوبيسين أو ثلاثة «الأوتوبيس المفصلى» أو استخدامه أوتوبيساً ذا طابقين أو ضم أكثر من أوتوبيس ذى طابقين فيما يشبه القطار لكن فى الشارع، وقادر على حمل عدد كبير جداً من الركاب مقارنة بأى وسيلة أخرى ولأنه يسير فى مسارات خاصة فهو سريع وفعال وغير مكلف مقارنة بمترو الأنفاق. ومعنى ذلك أن أى شركة يمكن أن تصنعه حسب الطلب ويمكن لشركات مصرية أن تقوم بتصميمه ولا مشكلة فى ذلك.
■ وكم أوتوبيساً تحتاجها القاهرة حتى يؤثر إيجاباً فى الحل؟
- وفقاً لخطتى نحتاج 3000 أوتوبيس بتكلفة إجمالية تبلغ نحو 4.7 مليار جنيه على 4 مراحل «4 سنوات»؛ الأولى 900 أوتوبيس ما بين مفصلى وطابقين، وسعة الأوتوبيس نحو 100 راكب جلوس، وستغطى المرحلة الأولى 30 مساراً رئيسياً تكّون شبكة متكاملة (محطات تبادلية).
■ لكن كيف لك أن توفر هذه المسارات فى شوارعنا المكتظة؟
- وفقاً للدراسة نحتاج إلى 50 مساراً لتغطية كل القاهرة الكبرى، هناك 30 مساراً جاهزاً للتشغيل بالفعل منها على سبيل المثال مسارات الترام والمترو القديم كما فى مصر الجديدة. أما المسارات المتبقية فيمكن أن نلجأ إلى حلول أخرى منها أن الوضع المثالى لعمل هذه الأوتوبيسات أن تكون معزولة تماماً فى مسارات منفصلة فى الشارع، لكن يمكن أيضاً أن تكون معزولة جزئياً ويمكن أن تسير مع باقى وسائل المواصلات إذا تعذر العزل وفى هذه الحالة سوف تقتصر الفائدة على كونها تحمل عدداً كبيراً من المواطنين بطريقة آدمية ومريحة تغرى أصحاب السيارات أيضاً باستخدامها.
■ هذه المسارات تخدم الطرق الرئيسية فقط، فكيف سيصل الناس إلى أعمالهم البعيدة عن هذه المسارات؟
- يرتبط هذا المشروع بمشروع آخر من سيارات الميكروباص الصغيرة التى نسميها «feeders» تقوم بنقل الركاب من المحطات الرئيسية للأوتوبيس المميز إلى الشوارع الأصغر وليكن من التحرير إلى ماسبيرو مثلاً وقد تحمس رجل أعمال كبير للاستثمار فى المشروع الثانى، مؤكداً أنه يحب ألا يشارك الحكومة فى مشروع الأوتوبيسات لكنه يفضل الاستثمار فى السيارات المغذية.
■ وهل ستخدم هذه الأوتوبيسات فى ربط القاهرة بالعاصمة الجديدة؟
- طبعاً يجب ربط العاصمة الإدارية الجديدة بـBRT مع باقى القاهرة الكبرى ضمن شبكة متكاملة وإذا لم يحدث ذلك ستكون معزولة ولن تنجح، وربطها بالقطار المكهرب لا يكفى، فضلاً عن تكلفته العالية جداً.
■ وفقاً لخطتك من أين ستأتى الحكومة بتكلفة مشروع الأوتوبيس السريع المميز؟
- تكلفة الأوتوبيس الواحد نحو 1.5 مليون جنيه بإجمالى تكلفة استثمارية فى حدود 4700 مليون جنيه. ونسبة هامش الربح فى المتوسط فى حدود 30% ويبلغ معدل العائد الداخلى فى حدود 40%. المرحلة الأولى تتطلب 800 مليون جنيه يمكن أن يوفرها بنك الاستثمار القومى، والأرباح المتولدة من تشغيل الأوتوبيسات قادرة على تمويل المراحل التالية. وعموماً لم يكن التمويل مشكلة لأن البنك الأوروبى للإعمار والتنمية عرض على اللجنة التى شكلها مجلس الوزراء لتنفيذ المشروع تمويله بالكامل وقدم دراسة فى أغسطس من عام 2014، لإنشاء شركة للأوتوبيس السريع المميز، فضلاً عن المعاونة فى كل أوجه المشروع.
حل أزمة «السرفيس» تكمن فى وقف ترخيص المركبات الجديدة ومنعها من العمل بالقاهرة دون رخصة.. واقتراح إنشاء خطوط «ترام سريع» غير مناسب فى المرحلة الحالية
■ معنى ذلك أنه سيتم تأسيس شركة خاصة لإدارة هذه المشروع؟
- طبعاً، فدور الحكومة سيقتصر على الملكية، أما الإدارة فستكون لشركة متخصصة تتمتع بكفاءات فى الإدارة.
■ وما دورك أنت فى هذا المشروع؟
- لا دور لى، أنا فقط متطوع بالمشورة الفنية وينتهى دورى عند ذلك الحد، وهذا ما سبق وفعلته فى أكثر من مشروع قدمته للحكومة، لا أريد جزاء ولا شكوراً.
■ وماذا عن ثمن التذكرة؟
- ثمن التذكرة 6 جنيهات (أول 30 كيلومتراً) و8 جنيهات (أكثر من 30 كيلومتراً)، وهناك الاشتراك 3 جنيهات، على أن يقتصر هذا الاشتراك على الطلاب والعاملين فى المؤسسات والهيئات والجهات العامة والخاصة. وما يميز هذا الأوتوبيس أمران أولهما أن له مساراً خاصاً مثل الترام، والأمر الثانى أن تذكرته مرتفعة نسبياً مقابل خدمة أفضل؛ حتى ينجح فى اجتذاب أصحاب السيارات من الطبقة المتوسطة.
■ من الواضح أنك غير متحمس لمترو الأنفاق، ما السبب؟
- العالم كله تخلى عن مترو الأنفاق وهناك 160 مدينة كبيرة فى العالم طبقت نظام الأوتوبيس المميز BRT بديلاً للمترو، ومنها العاصمة الأردنية عمان التى لا يزيد سكانها على 5 ملايين نسمة، فتكلفة 7 كيلومترات من مترو الأنفاق تعادل تنفيذ 425 كم من الـBRT. وفى نفس الوقت الـ7 كيلومترات من المترو تنقل نصف مليون راكب فيما تنقل الـ425 كم من الأوتوبيس المميز 15 مليون راكب أى لا وجه للمقارنة، وشوارع القاهرة هى الأنسب لتطبيق الأوتوبيس وتم تحديد 50 مساراً بالفعل تغطى كامل القاهرة الكبرى. ومترو الأنفاق يحمل حالياً 10% من الرحلات وهو وسيلة نقل جماعى مهمة لأنه ينقل أكبر عدد من الرحلات بسرعة عالية وزمن رحلة محدود، لكنه يحتاج إلى تكلفة مالية ضخمة وسنوات ممتدة للتنفيذ، ما يجعله حلاً مناسباً على المدى الطويل جداً ولا يمكن الاعتماد عليه فى المستقبل القريب أو المتوسط. كما يعيب خط مترو الأنفاق أنه يؤثر بصفة أساسية على الشريحة التى يمر وسطها خط المترو، ولا يؤثر على باقى المدينة التى ليس بها خطوط مترو، لذلك سوف تظل بها الاختناقات المرورية، وأرى أن تتوقف الحكومة عن تنفيذ شبكة المترو لضعف القدرة المالية المتاحة للدولة ولوجود بدائل أفضل وأرخص منه، خصوصاً بعد انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار وارتفاع الدين الخارجى، ما يعنى أن الاستمرار فى مشروع المترو يستنزف الاقتصاد دون مبرر. ومن يدافع عن المترو يدافع عن مصالح ومنافع شخصية.
الحكومات المتعاقبة فشلت على مدى 30 سنة فى حل المشاكل المرورية فى القاهرة الكبرى رغم الإنفاق الضخم.. وخطط الحكومة عبارة عن إجراءات لا جدوى منها
■ وماذا عن أوتوبيسات هيئة النقل العام وقطارات الضواحى؟
- حالياً تتحمل أوتوبيسات الهيئة نحو 18% من الرحلات، ولكن مرفق النقل العام بجميع عناصره (أوتوبيسات ومحطات وورش وتشغيل وصيانة وعاملين وإدارة) فى حالة متردية ويدار بعشوائية وبدائية، ويستخدمه غير القادرين ومحدودو الدخل حتى إذا تم إحلال وتجديد كل الأسطول فإنه سوف يظل لخدمة محدودى الدخل، ولن يستخدمه مطلقاً أصحاب السيارة الخاصة، لهذا فإنه حتى لو تم إضافة أسطول أوتوبيسات جديدة لن يقلل شيئاً من الاختناقات المرورية لأنه لن يقلل من أعداد الرحلات التى تستخدم السيارات الصغيرة التى لا يرغب أصحابها فى استخدامها. لاحظ أن المسئولين فى مصر يتعاملون مع النقل الجماعى دون مراعاة للمستويات الاجتماعية. وهذه النظرة أثبتت فشلها، فالنقل مثل السكن له مستويات.
■ وماذا عن قطار الضواحى؟
- بوضعه الحالى يعتبر ذا قدرة محدودة جداً لنقل الركاب داخل القاهرة، إذ ينقل 140 ألف رحلة فرد يومياً فقط من إجمالى 26 مليون رحلة فرد يومياً فى القاهرة الكبرى، ما يعنى أنه غير مؤثر نهائياً، ويحتاج تفعيله لزيادة قدراته على نقل الرحلات إلى إنشاء خطوط ضواحٍ جديدة، وربطها بمحطات مترو الأنفاق والمحطات النهائية للأوتوبيسات ووسائل النقل الجماعى، ولذلك فإنه يساعد فقط فى المدى الطويل ولا يصلح الاعتماد عليه فى المدى القريب والمتوسط.
■ وما عيوب النقل النهرى؟
- غير مؤثر ولا جدوى مرورية منه حيث إن حجم الطلب على الرحلات النهرية قليل جداً، ولا يشكل نسبة تذكر من إجمالى الطلب على النقل (26 مليون رحلة يومياً)، ويصلح للرحلات التى تبدأ من على الكورنيش وتنتهى على الكورنيش. وإذا أضفنا إلى ذلك ارتفاع تكلفة النقل النهرى نسبياً عليه يصبح دون جدوى مرورية أو اقتصادية، ولا يصلح إلا للسياحة والترفيه فقط، لذلك يجب ألا تساهم الحكومة فى ذلك من المال العام وموازنة الدولة وتترك هذا كلية للقطاع الخاص.
■ يتبقى مقترح الترام السريع؟
- الاقتراح الخاص بإنشاء خطوط ترام سريع، الذى قدمته هيئة التخطيط العمرانى يلزم مراجعته لأنه غير مناسب فى المرحلة الحالية، فمشكلة وسائل النقل التى تستخدم داخل المدن تتركز فى مدى قدرتها على تحقيق زمن رحلة أقل ما يمكن، ولا يتحقق ذلك إلا إذا كان المسار معزولاً تماماً مثل مترو الأنفاق (تحت الأرض) أو (فوق الأرض معزولاً) أو معلقاً على مسار علوى معزول. ولتحقيق العزل الكامل يلزم زيادة التكلفة بدرجة ضخمة تؤثر سلباً على جدوى المشروع مقارنة بالاستفادة فى حجم النقل الممكن منه ومقارنة بمترو الأنفاق (تحت الأرض).
■ قلت إنك عرضت المشروع على مجلس الوزراء ووافق عليه قبل عامين، فلماذا لم يفعّل؟
- وافق المجلس آنذاك، وأذكر أن رئيس الحكومة وقتها إبراهيم محلب وجه سؤالاً للوزراء قائلاً: «من منكم مستعد أن يتخلى عن سيارته ويستخدم هذا الأوتوبيس المميز؟» فرفع 80% من الجالسين أيديهم، ومنطقهم فى ذلك أن استخدام السيارة الخاصة أصبح مجهداً جداً.
■ إذاً لماذا لم ير النور؟
- بالنسبة لمشروع الأوتوبيس المميز، تحمس عدد من الوزراء ليس فقط لتطبيقه بل والاستفادة من عوائده بالمشاركة فى تمويله من خلال شركات تابعة لهذه الوزارات مثل شركة مصر للسياحة. لكن تبين أنه وفقاً للقانون فإن صاحب القرار فى هذا الأمر هى الجمعيات العمومية لهذه الشركات. وعُرض الأمر بالفعل على الجمعيات العمومية فوافق بعضها ورفض بعضها. لاحظ أن بعض هذه الجمعيات لا يجتمع إلا مرة واحدة فى السنة، وبعضهم طلب دراسات جدوى من وزارة الاستثمار فأكدت ما جاء فى دراستى. ولا أعلم حتى الآن شيئاً عن مصير الفكرة. أما الدراسة ككل فقد قلت لك إن مجلس الوزراء أحالها إلى لجنة. ولا أعلم أيضاً شيئاً عما آلت إليه هذه اللجنة، لكن ما أثق فيه 100% أن مشروعاً بهذا الحجم لن يرى النور إلا برعاية رئيس الدولة شخصياً.
■ ولماذا؟
- أولاً لأن حل مشكلة معقدة بحجم مرور القاهرة يتطلب إرادة سياسية على أعلى مستوى، ويحتاج إلى تكليفات لوزارات متعددة مثل الداخلية والنقل والحكم المحلى والمالية والاستثمار والإسكان، فضلاً عن محافظى القاهرة والجيزة والقليوبية.
ثانياً ومن خلال خبراتى الكثيرة فى التعامل مع الوزارات، فإن أى مشروع يعرض من خارج دواوين الوزارات، فإن الحماس له يكون محدوداً، لأن قبوله قد يعنى أنهم فشلوا فى ابتكار الحل.
■ وأين دور الحكومات المتعاقبة؟
- فشلت لعدة أسباب؛ منها الجهل بالموضوع اعتقاداً أن هذه المشكلة لا حل لها أصلاً، وبعض الوزراء لا يتحمس لمشروعات طويلة الأجل قد يبدأها هو ويفتتحها غيره.
■ هذا كلام خطير؟
- هذه هى الحقيقة، ولذلك لا بد أن يدعم المشروع رئيس الجمهورية. لاحظ أن هناك عوامل أخرى أدت لفشل الحكومات المتعددة السابقة على مدى 30 سنة فى حل المشاكل المرورية فى القاهرة الكبرى رغم الإنفاق الضخم، وذلك للعشوائية وسوء التخطيط، وإسناد الأمر لغير المختصين الحقيقيين.
وللأسف ما يجرى حتى الآن وما تم إعلانه أخيراً من خطط من الحكومة عبارة عن إجراءات لا جدوى منها ولن تؤثر مطلقاً فى تخفيف المشكلة المرورية فى القاهرة الكبرى، وستفشل تماماً لأنها غير مدروسة وغير علمية، كما لا يزال هناك ضمن خطة الحكومة اتجاه لإنشاء طرق جديدة وكبارى وأنفاق وبتكاليف ضخمة، ويجب إيقاف ذلك المنهاج، لأنه ثبت عدم جدواه فى حل مشكلة الاختناقات المرورية فى القاهرة الكبرى طوال السنوات السابقة. والعلاج العلمى السليم المتبع فى جميع المدن الكبرى والعواصم فى العالم يجب أن يعتمد على الخطوات الآتية بالترتيب:
• التحكم فى الطلب على النقل وتقليله، مع رفع كفاءة وسائل النقل، ثم إذا تبقت بعد كل ذلك بعض الاختناقات نلجأ فى علاجها إلى الخطوة الثانية وهى:
• إضافة سعات جديدة بإنشاء طرق وكبارى وأنفاق وتوسعة طرق.
■ معنى ذلك أن الحكومات السابقة كلها أهدرت مليارات الجنيهات فى الخطوة الثانية دون أن تلتفت للخطوة الأولى؟
- صحيح، بالإضافة إلى أن جميع الحكومات كانت تشخص المشكلة المرورية بصورة غير سليمة ولم تفهم خلاصة الدراسات التى قامت بها مؤسسة الجايكا اليابانية والبنك الدولى للحكومة. والدليل على ذلك أن جميع الحكومات فشلت فى الحل حتى الآن، ولم يحاسبهم أحد، لهذا لا يهتم أى مسئول باتباع الأسلوب السليم لأنه يعلم أنه لو ترك المشكلة دون حل لن يحاسبه أحد وإذا لجأ لأساليب غير سليمة فى الحل فلن يحاسبه أيضاً أحد على النتائج.
■ وهل يمكن أن يساهم قانون المرور الجديد فى التخفيف من حدة الأزمة؟
- للأسف القانون الذى تم إعداده مؤخراً سيكون مثل سابقيه ولن يصلح شيئاً وهدفه الأساسى تحصيل أموال من المواطنين دون أن يساهم فى حل المشكلة والسبب فى ذلك أن من أعده هو نفس الذى أعد سابقيه.