ساعة «قاعة القداس» توقفت عند التاسعة و56 دقيقة ونقل ما بقى من أيقونات لـ«العذراء والمسيح» خارج الكنيسة
صليب ودماء ما تبقى من الضحايا
توافد الأقباط فى الصباح على كنيستهم البطرسية التى تمثل قطعة فنية، ومقصداً ليس دينياً فقط وإنما تاريخياً وأثرياً، مستبشرين ومتأهبين لقداس الأحد، داخلوا فى صلاتهم يسبحون ويترنمون حتى إذا ما انتصف «القداس» توقفت عقارب الساعة فى القاعة الرئيسية للكنيسة البطرسية، عند التاسعة و56 دقيقة، على وقع انفجار مُروع، يستهدف الآمنين والمتعبدين والمصلين، ليعلن به الإرهاب عن وجهه القبيح وبشاعته التى لا تحفظ للإنسان حقاً، ولا تعرف حلالاً ولا حراماً.
كاهن القداس فقد وعيه وابنته بين المصابين.. والأطفال والنساء أكثر الضحايا.. والكنائس تتمسك بالوحدة الوطنية ومواجهة الإرهاب
توقفت «ساعة القداس» وتوقفت معها قلوب بريئة تصلى لأطفال وسيدات، بعد أن سالت دماؤهم وتناثرت أشلاؤهم ومتعلقات أصحابها فى الركن الخلفى الأيمن من قاعة الصلاة، المخصص للسيدات، كان معظم الشهداء والمصابين من الأطفال والنساء، وفقاً لأحد شهود العيان من كهنة الكنيسة البطرسية، طلب عدم ذكر اسمه.
وقال الكاهن لـ«الوطن»: «التفجير وقع فى منتصف قداس الأحد فى المنطقة الخلفية التى توجد فيها السيدات، ما جعل العدد الأكبر من الضحايا والمصابين سيدات وأطفالاً، كما أدى التفجير لتحطم العديد من الأيقونات والأثاثات الأثرية للكنيسة بشكل كامل، وما بقى من أيقونات للعذراء والسيد المسيح تم نقلها إلى مكان آمن خارج الكنيسة».
«أندريه»: الإرهاب لا دين له.. و«موسى»: ما ذنب الأبرياء الذين جاءوا للصلاة؟! والمجرمون ليسوا بشراً وينتظرهم عقاب الله
وأشار الكاهن إلى أن البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، قرر فى أعقاب الانفجار، قطع زيارته الحالية إلى اليونان، والعودة إلى القاهرة على وجه السرعة، لمتابعة آثار الحادث، لافتاً إلى أن البابا يتابع بشكل دقيق وعن كثب حادث التفجير.
وكان الراعى يقود الصلاة فى الكنيسة البطرسية، متماهياً مع الترانيم والدعوات، دون أن يدرى أن ابنته التى تقف خلفه فى صفوف المصلين ستصاب بعد لحظات، فيما سيفقد هو الوعى على أثر الانفجار، ويتحول مشهد الصلاة والخشوع إلى حالة من الهرج والمرج، وكأنها ساحة للحرب والدماء.
أثار التفجير غضبَ الأقباط، وتجمع مئات الشباب أمام الكنيسة، فيما حضر إليها الأنبا بولا، أسقف طنطا، والأنبا دانيال أسقف كنائس المعادى ونائب البابا بالكاتدرائية والبساتين ودار السلام وتوابعها، والأنبا أرميا الأسقف العام ورئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى، لمتابعة آثار الحادث.
واشتبك عدد من الشباب القبطى الغاضبين مع أحد أفراد الأمن، ما دفع القيادات الأمنية لسحبه منعاً لاشتعال الموقف.
وتجمهر الشباب داخل الكنيسة وخارجها، ورددوا هتافات «هنصلى.. هنصلى» و«يا رب.. يا رب»، و«هنجيب حقهم يا نموت زيهم»، وسط اتهامات للأمن بالتقصير، وسادت حالة من الغضب والحزن بين الموجودين وذوى الضحايا والمصابين، فيما انتشرت الدماء ومتعلقات الضحايا داخل المكان، وحاول الشباب الغاضبون الذين وُجدوا داخل الكنيسة البطرسية منع اللواء مجدى عبدالغفار، وزير الداخلية، من الوصول إلى موقع الحادث.
وقال شهود عيان، إن التفجير وقع خلال القداس الثانى فى الجزء الأيمن الخلفى للكنيسة الذى توجد فيه السيدات، وإن عدد الضحايا كان كبيراً وأشلاؤهم انتشرت فى المكان، وقال شاهد آخر، إنهم شاهدوا أمراً غريباً قبل أسبوع حيث تم تقليم الأشجار خارج أسوار الكنيسة بشكل مفاجئ، وإن التفجير يشبه حادث كنيسة القديسين، فهو مُدبر بعناية، ولم يكن مجرد حادث عشوائى.
من جانبها، رفضت القيادات الكنسية، التى وُجدت فى موقع الحادث التعليق على التفجير، واكتفوا بإبداء حزنهم، فيما قالت الكنيسة القبطية، فى بيان لها، إن الكنيسة البطرسية بالعباسية بالقاهرة تعرضت إلى حادث جبان وخسيس أسفر عن سقوط عدد من الضحايا والمصابين، مضيفة: «الكنيسة إذ تأسف لهذا العنف والإرهاب الذى يعتدى على مصلين آمنين، فإنها تصلى من أجل الشهداء والمصابين، وتؤكد تمسكها بالوحدة الوطنية التى تجمع كل المصريين على أرض الوطن المبارك، وتُصلى أيضاً لأجل المعتديين لكى يرجعوا إلى ضمائرهم، حيث ينتظرهم حكم الديان العادل».
وقال الأنبا موسى، أسقف الشباب، إنه من المؤسف أن يقع الانفجار المروع داخل الكنيسة البطرسية، وأن يسقط شهداء ومصابون، متسائلاً: «ما ذنب أبرياء جاءوا للصلاة أن ينالهم هذا الإرهاب الأسود الذى لا دين له ولا وطن؟ فهو يضرب فى كل مكان وكل إنسان، ولا يُفرق بين رجل وامرأة وطفل».
وتابع: «هؤلاء المجرمون ليسوا من البشر فمعروف فى الأديان (لا تقتل) وأن (مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً) والسماء ترى وتطالب، والله يراقب ويحاسب، وإن أفلت أحد من عقاب الأرض ينتظره عقاب الله».
واستنكر الدكتور القس أندريه زكى، رئيس الطائفة الإنجيلية فى مصر، الحادث الإرهابى الخسيس، مؤكداً أن الإرهاب لا دين له ولا وطن.
وأضاف، فى بيان له صدر عن المكتب الإعلامى للطائفة، أن مثل هذه الأعمال الإرهابية لن تثنى أبناء الوطن عن الوقوف صفاً واحداً فى مواجهة الإرهاب الذى يستهدف زعزعة أمن واستقرار الوطن، إلا أنه سيزيدهم قوة وإصراراً على مواجهة جميع التنظيمات والجماعات الإرهابية فى كل مكان.
وقدم رئيس الطائفة فى ختام بيانه التعازى لأسر الشهداء وللبابا تواضروس الثانى، والشعب عامة، متابعاً: «نُصلى من أجل شفاء المصابين».