سر المركب «آدم»
«أواخر شهر فبراير الماضى.. الحادية عشرة مساء.. الإدارة العامة لمكافحة المخدرات بالعباسية».
رن جرس الهاتف فى مكتب بالطابق الثانى بمبنى الإدارة.. مبددا فراغ الصمت، فى أروقة المبنى، هناك كان يجلس اللواء طارق إسماعيل، مساعد الوزير، مدير الإدارة الذى بدا منهمكا فى مراجعة التقارير اليومية.. أمسك بسماعة الهاتف.. كانت ملامحه هادئة لكنها لم تدم طويلا كذلك، فسرعان ما اتسعت عيناه فى اهتمام وبدا عليه التركيز وهو يصغى للطرف الآخر ودوّن بضع كلمات فى قصاصة ورق أمامه كان منها «آدم، تونس، 20 طن، سوريين، إيطاليا». ألقى السماعة ودعا نوابه لاجتماع عاجل.
أبلغ اللواء طارق إسماعيل نوابه بالمعلومة التى وصلته، لم يكن فى حاجة لإبلاغهم بمدى سريتها، وطلب تحريات موثوقة حول المعلومة، التى تتحدث عن اعتزام تشكيل عصابى دولى إغراق مصر بما يقرب من 22 طنا من الحشيش المغربى، عبر البحر المتوسط، قيمته مليار جنيه، من خلال مصريين وسوريين، وقبيل انتهاء الاجتماع الذى ضم اللواء أحمد قمر مدير المراقبات واللواء مصطفى بدر وكيل الإدارة، والعميدين زكريا الغمرى مدير العمليات ومجدى السمرى مدير النشاط الخارجى، نبه اللواء إسماعيل على ضرورة التأنى فى تقصى تلك المعلومة، لأنها ستمس عدة دول أوربية، من بينها إسبانيا وفرنسا وإيطاليا، وعربية مثل تونس والمغرب.
بعد مرور شهر كامل على الاجتماع، توقفت سيارة اللواء أحمد قمر مدير المراقبات أمام مبنى الإدارة، لم ينتظر قدوم المصعد، كان يركض على سلالم الإدارة حتى وصل إلى مكتب اللواء طارق إسماعيل بالطابق الثانى، أبلغه بسرعة أنه بعد البحث والتحرى والتقصى من خلال عملاء سريين داخل وخارج مصر تبين أن المعلومة صحيحة، وأن أفراد التشكيل قاموا بالفعل بشحن الحشيش من المغرب على مركب الصيد «آدم» المملوك لمصرى ويرفع علم «جزر القمر» وتبلغ حمولته 1300 طن ويعمل عليه طاقم سورى، وأكد اللواء قمر أن المركب سيتوقف فى المياه الإقليمية، لإنزال حمولته وإدخالها مصر من خلال لنشات مطاطية، لأن كبر حجم المركب يستدعى تفريغه فى ميناء، وهو ما يعرض الصفقة للخطر.
استقل اللواء إسماعيل سيارته، وقابل اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية فى مكتبه، وأبلغه بما لديه من معلومات مؤكدة من أجل قرار سريع، يتطلب اتخاذه التنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية، من خلال مكتبها لمكافحة المخدرات فى مصر ومجلس الاتحاد الأوروبى ودول المغرب وتونس والجزائر، وبالفعل أجرى الوزير عدة اتصالات هاتفية، بعد التشاور مع اللواء أحمد حلمى مساعد الوزير للأمن العام واللواء خالد غرابة مساعد الوزير للأمن الاجتماعى.
دعا اللواء إسماعيل لاجتماع طارئ، بعد تلقيه إخطارا من مكتب مكافحة المخدرات الأمريكى فى مصر ومراسلات مع عدة دول أوروبية بالإعداد للمأمورية، حضر الاجتماع 30 ضابطا، منهم العميد زكريا الغمرى، مدير العمليات، واللواء أحمد قمر مدير المراقبات، واللواء ممدوح بياض مساعد المدير لمنطقة الإسكندرية، والعميد محمد عباس رئيس منطقة الإسكندرية، واللواء حسين والى مساعد المدير لشرق الدلتا والعميد عبدالقادر النورى رئيس المنطقة، والعقيد عبدالوهاب الراعى مفتش المنطقة.
ومن خلال استعراض الخرائط والاسترشاد بمعلومات المصادر السرية، تبين أن المركب لن يسير وفقا للخط الملاحى «المغرب/ الجزائر/ مالى» بسبب الحروب التى تشهدها مالى ورقابة فرنسا على الخطوط الملاحية، وسيسلك بدلا منه طريق «المغرب / إسبانيا / فرنسا / إيطاليا / اليونان» وسيتوقف فى المياه الدولية لإفراغ حمولته، ونظرا لكون المياه الدولية خارج اختصاص مصر، تم إبلاغ القوات الداخلية الإيطالية، بعد أن تم الاتفاق على ضبط المركب فى منطقة بحرية ضيقة بين تونس وإيطاليا.
فى صباح ذلك اليوم، قبل أسبوع تقريبا، وصل العميد زكريا الغمرى مدير العمليات إلى دار القضاء العالى، حاملا ملفا بما أسفرت عنه التحريات، وقدمه للمستشار حسن ياسين النائب العام المساعد والمستشار محمد حبيب بإدارة التعاون الدولى، وطلب إذنا من النائب العام بالقبض على المتهمين عمر صابر من مطروح وأحمد على من دمياط، واللذين كانا يستعدان لاستقبال المخرات، وفى دقائق معدودة حصل الغمرى على إذن النيابة العامة بالقبض عليهما.
فى عرض البحر المتوسط تحركت لنشات قوات حرس الحدود الإيطالية، مدعومة بمروحيات، وفى منطقة ضيقة فى المسافة بين إيطاليا وتونس تم رصد «آدم»، بينما كان يقوم بتفريغ حمولته فى سفن أصغر، تمت محاصرة المتهمين والقبض عليهم على متن المركب، وهم أحمد. أ، 44 سنة، قبطان السفينة، وعبدالله. أ، 24سنة، وعارف. ع، 34 سنة، وأحمد. ش، 41 سنة، وعلى. ش، 23سنة، ومحمد. ش، 24سنة، بينما كانت قيادات الإدارة العامة للمخدرات بمصر تتابع العملية لحظة بلحظة من خلال القمر الصناعى.
وفى نفس اليوم، داهم ضباط الإدارة العامة لمكافحة المخدرات «كافتريا» وتم ضبط المتهمين عمر صابر وأحمد على والأخير هو مالك المركب «آدم» وبحوزتهما 100 ألف دولار للإنفاق على طاقم السفينة.