«إبراهيم».. والده دفع الفدية والشرطة قبضت على الخاطفين.. لكن الطفل ما زال غائباً
يشد الطفل على يد والده قبل النوم وهو يُذكره: «ما تنساش تصحينى معاك يا بابا، هروح معاك الشغل». يستيقظ الطفل ذو الأربعة أعوام ويرتدى «لبس الخروج» ويقف أمام المرآة، يُسرح شعره الناعم ويقف والده على الباب مهددا: «أنا همشى وانت خليك قدام المراية». يهرول الطفل ناحية والدته، فيقبلها ويؤكد عليها: «مش هتأخر عليكى وهاجى وقت الغدا» ويبدأ مشواره اليومى بصحبة والده.
اعتاد الطفل الصغير الذهاب إلى «كافيتريا» يمتلكها والده على الطريق العام بمشتول السوق، محافظة الشرقية، تبعد عن منزله أمتارا بسيطة، حتى صار محبوبا من الزبائن وجيران الكافيتريا، لكن والده، الحاج صلاح، لم يتوقع يوما أنه سيخرج فى هذا اليوم ويعود دون ولده. إحساس غريب انتاب الأم جعلها قلقة على فلذة كبدها فى ذلك الوقت تحديدا، ودّعته إلى الباب ثم بعينها من خلال الشرفة، وما هى إلا ساعات وجاءها هاتف من زوجها تمنت لو لم تسمعه قط: «إبراهيم ضاع ومش لاقيينه».
تمر الدقائق على أسرة «إبراهيم» وكأنها ساعات، كيف يختفى الطفل بمجرد رغبته فى العودة إلى المنزل؟ وأسئلة كثيرة تزاحمت فى رؤوس أفراد الأسرة.. يذهب الأب إلى المستشفيات فلا يجده، يتحرك شقيقه بين البيوت المجاورة، يسألهم بصوت غلب عليه الصراخ: «ما حدش شاف إبراهيم النهارده؟»، وفجأة اتصل أحد الأشخاص بالحاج صلاح بعد عدة ساعات من اختفاء إبراهيم ليخبره أنه خطف ابنه ويحذره من إبلاغ الشرطة. وانتهت المكالمة ورقدت الأم فى غرفتها منذ تلك المكالمة بلا حركة فى حالة صدمة شديدة.
يحاول الأب الخمسينى التظاهر بالتماسك وهو يحكى مأساة نجله الذى أنجبه بعد طول انتظار «بمجرد ما اتصلوا بىّ ناس أول يوم وقالوا لى إحنا خطفنا ابنك ما حسيتش بنفسى، الدنيا لفت بىّ وما صدقتش اللى حصل، وبعدين اتصلوا بىّ تانى يوم، وقتها للمرة التانية قالولى إحنا خطفنا ابنك وإياك تبلغ الشرطة وإلا هنبعت لك راس ابنك ع البيت، بدأت آخد كلامهم بجد وخفت وفورا أقسمت لهم إنى مش هبلغ الشرطة ولا هجيب سيرة بس عايز ابنى سليم، قالولى جهز 150 ألف جنيه تاخد ابنك أول ما تسلمهم، بعدها قررت أنتظر المكالمة التالتة وطلبت منهم أسمع صوت ابنى وإلا لن أنفذ لهم طلبهم».
يفقد الحاج صلاح تماسكه ويتذكر الأيام الأربعة التى غاب فيها «إبراهيم» عن البيت، لم يسمعه فيها وهو يناديه «يا بابا أنا عايز حاجة حلوة»، أو يجد أحدا يجبره على ترك قناة الأطفال لأنه يحب سماع أغنياتها وبرامجها. ينهار فى بكائه وهو يتذكر المكالمة الرابعة التى سمع فيها صوت ولده بعد غياب أيام: «اتصل نفس الشخص لليوم الرابع، قلت له مش هنفذ حاجة إلا لما أسمع صوت إبراهيم، وقتها أعطوا الفرصة الأولى والأخيرة لى لأسمع صوته، لم يقل سوى: يا بابا يا بابا. ثم انقطعت المكالمة وعاد يتصل ليؤكد طلب الفدية 150 ألف جنيه قلت أنا جاهز بالفلوس بس حافظ ع الولد».
بخيبة أمل انتظر «صلاح» تحديد مكان وموعد تسلم الطفل وتسليم الفدية، فى ذلك الوقت كان أحد أقربائه قد أبلغ الشرطة لمتابعة الأمر دون أن يعلم، وبالفعل بدأوا فى مراقبة هاتفه، وقتها مرت عدة أيام دون اتصال من الخاطفين، ولا يعلم صلاح سبب ذلك حتى جاء اليوم الثامن ورن هاتفه وجاءته مكالمة، ليجد أحد الخاطفين يخبره بالتحرك إلى طريق الصالحية ومعه الفدية.
يكمل صلاح باكيا: «رحت الصالحية، بعدها قالوا اتحرك لطريق الإسماعيلية، وأخيرا لمكان فى منطقة شبه صحراوية وانتظرتهم فيها أكتر من 3 ساعات، وأخيرا اتصل وقالى سيب شنطة الفلوس عند عمود النور واتحرك هتلاقى ابنك فى أول محطة بنزين هتقابلك فى الطريق، نفذت كل كلمة، ومشيت زى المجنون بسيارة أحد أقاربى إلى محطة البنزين، وانتظرت حتى صباح اليوم التالى، ولم أجد ابنى، والخاطفين قفلوا التليفون وتمنيت وقتها ألا أعود للبيت».
ساعات قلائل وعلم صلاح أن الشرطة ألقت القبض على المجرمين من خلال تتبع مكالماته معهم، واكتشف وقتها أن أحد جيرانه صاحب «توك توك» كان من الخاطفين الخمسة: «اتصدمت لما شفت جارى ضمن الخاطفين رغم أنه كان بيسيب شغله ويبحث معانا عنه». فرح الأب بالقبض على الجناة، وانتظر اللحظة الحاسمة للمرة الثانية، أن يرى طفله، لكنه عاد لمنزله بـ«خفى حنين» للمرة الثانية. لم يظهر إبراهيم ولم تجده الشرطة، ليبدأ صلاح رحلة البحث عن ابنه مرة أخرى ويقول: «المجرمين لعبوا بينا كلنا، شوية يقولوا احنا قتلناه ورميناه فى ترعة الإسماعيلية، لم أكتفِ ببحث الشرطة فاستأجرت أفرادا للبحث عن ابنى حتى إن كان جثة».
أكثر من 8 أشهر مرت على صلاح وزوجته، لا يعرفان إن كان ابنهما على قيد الحياة بالفعل أم قتله الجناة، يتوسلان إلى المجرمين ليخبروهما بمكان ابنهما دون فائدة، يفرضون عليهما شروط البراءة وهو ما لم يعد فى يد أحدهم، رقدت الأم لا تقوى على التحرك من السرير، تصبر نفسها على فلذة كبدها «إن شاء الله هيكون عايش بس يارب ألحق أشوفه قبل ما أموت»، والأب يرفع يديه بالدعاء أن يلهمه الله وزوجته الصبر وينتظران اليوم الذى يدق أحد بابهما وفى يده إبراهيم أو يخبرهما بأى معلومة عنه.
أخبار متعلقة:
مافيا الخطف
حكايات الخطف: «عمر» اختفى أثناء اللعب مع أبناء الجيران.. ومنتقبة خدرت «نورا» ثم خطفتها
خبراء: الأطفال العائدون من الاختطاف معرضون للإصابة بـ«صدمة نفسية»
خبراءالأمن: الظاهرة وصلت لمرحلة "الفجر"..مرشحة للزيادة