الخبير الصناعى: 90% من وقت المستثمر يتم إهداره فى مكاتب المسئولين لحل الأزمات
المهندس محمد حنفي الخبير الصناعي
قال المهندس محمد حنفى، الخبير الصناعى، إن كافة المؤشرات والأرقام الخاصة بالقطاع الصناعى تؤكد أن الصناعة فى مصر هى قاطرة الاقتصاد الحقيقية، وأكد أنه على الرغم من إدراك كافة المسئولين الحكوميين أهمية الصناعة ومساهمتها، إلا أن المشكلات والعراقيل القائمة أمامها تحول دون انطلاقها.
المهندس محمد حنفى لـ«الوطن»: التهريب ونقص الأراضى والتشريعات أكبر مشكلات الصناعة
وأوضح «حنفى» أن مشكلات الطاقة والأراضى ونقص العمالة بالإضافة إلى التهريب، تمثل فى مجملها أبرز العقبات أمام خروج الصناعة المحلية من كبواتها المتكررة.. وحدد الخبير الصناعى «روشتة» متكاملة لإعادة الروح للصناعة المصرية حددها فى إعادة هيكلة وزارة التجارة والصناعة، وإسناد مصانع القطاع العام إلى وزارة مستقلة، فضلاً عن تنقية التشريعات المنظمة للقطاع الصناعى فى مصر.. وإلى نص الحوار.
■ كيف تُقيّم وضع الصناعة فى الوقت الحالى؟
- أولاً وقبل كل شىء، لا بد من إلقاء نظرة سريعة على القطاع قبل الحديث عنه، فعلى سبيل المثال لا الحصر، ارتفعت حصة الصناعة من إجمالى الدخل القومى من 90 مليار جنيه عام 2005 إلى 263 ملياراً فى عام 2013، وأضيفت استثمارات صناعية بمقدار 13 مليار جنيه خلال عام 2005، وظلت تتزايد حتى بلغت 25 مليار جنيه عام 2013، الأمر كذلك بالنسبة للعمالة، فقد بلغ عدد العمال الصناعيين 2.6 مليون عامل، من إجمالى العاملين بالنشاط الصناعى (فنى وإدارى وخدمى) البالغ نحو 6٫5 مليون فرد، أضف إلى هؤلاء نحو 3 ملايين عامل بالنشاط الحر فى أعمال الصيانة والإصلاح والفك والتركيب، بما يعادل نسبة 40% من إجمالى القوة العاملة بمصر.
■ وماذا عن الصادرات الصناعية؟
- ليس أدل على أهمية الصناعة من أرقام الصادرات التى تعد أحد أهم مصادر العملة الصعبة، إذ بلغت قيمة الصادرات الصناعية غير البترولية 18 مليار دولار، وهى إيرادات تزيد على إيرادات كل من البترول أو السياحة أو الأنشطة الخدمية سواء النقل أو قناة السويس، ليس ذلك فحسب، حيث تشكل ضرائب الدخل عن النشاط الصناعى 20% من الإجمالى، وهى النسبة الأعلى بعد الضرائب على الموارد السيادية سواء القناة والبترول والخدمات والتى تمثل 46% تقريباً.
■ ما أبرز المشكلات التى واجهت الصناعة الفترة الماضية؟
- أولاً لا بد أن تأخذ فى الاعتبار أن المنطقة تعرضت للعديد من المشاكل السياسية والعسكرية، وهذه الأمور كان لها تأثيرها بالغ الضرر على قطاعات النشاط الاقتصادى الخدمى المختلفة من توقف للسياحة ونقص التدفقات من قناة السويس إلى انخفاض عائدات المصريين بالخارج والتباطؤ فى حركة النقل البرى والجوى، لكن الملاحظ أن القطاع الصناعى كان الأكثر استقراراً فى القطاعات الاقتصادية خلال السنوات القليلة الماضية.
■ هل يعنى هذا أن عدم الاستقرار كان المشكلة الوحيدة؟
- لا بالطبع، فالصناعة فى مصر تتعرض لموقف بالغ الغرابة، فعلى الرغم من قناعة المسئولين وتصريحاتهم بأن الصناعة هى المستقبل فى تحسين الموقف الاقتصادى، وأنها المصدر الذى لا ينضب ولا يتأثر بالأحداث السياسية والأمنية مثل السياحة أو القناة، وتأكيداتهم أيضاً أنها الأمل لحل مشاكل البطالة وتحقيق العدالة الاجتماعية وتقديم خدمات للمجتمع، إلا أن هناك كماً هائلاً من المشكلات يحيط بالصناعة، وأعتقد أن الأمر يتطلب تشكيل لجان من مجموعات من الخبراء والمستشارين لكل موضوع بالمشاركة مع الجهات المعنية لوضع حزمة من الحلول تنفذ بالتوازى للخروج من عنق الزجاجة، وإطلاق هذه القاطرة التى يمكنها جر المجتمع للأمام فى أقصر وقت.
■ هل الطاقة لا تزال من بين تلك المشكلات؟
- طبعاً، ففى جميع دول العالم ستجد أن أقل أسعار طاقة متوفرة تكون للصناعة، لأن استمرار عجلة الإنتاج فى الدوران أهم من إضاءة ألف منزل، نظراً لما تحققه الصناعة من قيمة مضافة للمجتمع، لكن فى مصر الصناعة تكون مستهدفة عند رفع أسعار الطاقة، وكذلك عند القيام بتخفيف الأحمال، ولك أن تتخيل مثلاً عندما يتم التعاقد على توصيل الطاقة للمصانع يطلب من صاحب المصنع سداد رسوم توليد لوزارة الكهرباء 3 ملايين جنيه لكل ميجاوات، ولا يخفض ذلك من أسعار شراء الطاقة (التى تشمل تكلفة استرداد الاستثمارات)، أى أن من سدد رسوم إنشاء كمن لم يسدد، وبالتالى يحدث خلل فى المنافسة بين المصانع القديمة والجديدة. يضاف لما سبق أن الغاز يباع بعدة أسعار من 3 إلى 8 دولارات طبقاً للاستخدام، وهذه الأسعار أعلى من الأسعار بالخارج وتفوق تكلفة إنتاج الوقود محلياً، ما يعنى دعم المستهلكين بعضهم لبعض مع خلق وضع بالغ التعقيد لمن يحاول توحيد السعر مستقبلاً.
■ هل تعتقد أن الأراضى تمثل مشكلة كبرى للصناعة؟
- رغم كل المساحات الشاسعة من الصحارى، ورغم توافر التمويل لدى المستثمرين الصناعيين للشراء بالتكلفة الفعلية للترفيق، إلا أن الأرض المرفقة غير متاحة والمتاح منها بأسعار أعلى من مثيلها فى العالم من حولنا، فمثلاً تركيا يصل سعر المتر 15 دولاراً، وفى الخليج والجزائر الأراضى شبه مجانية، وفى أمريكا 10 دولارات والصين 7 دولارات، بينما سعر متر الأرض فى منطقة لدينا مثل العاشر من رمضان قد يصل إلى 110 دولارات، بجانب البيروقراطية الخانقة فى تخصيص ما هو متاح.
■ العمالة المدربة أزمة مزمنة لدى القطاع الصناعى.. ما الحل فى رأيك لتلك الأزمة؟
- قناعة رجال الصناعة بأهمية العامل للعملية الإنتاجية أمر مؤكد، إلا أن الصناعة تشكو بالفعل عدم توفر العمالة الفنية وفقد الانضباط والمطالبات المستمرة بغير حق أحياناً بمميزات وهمية وزيادات أجور وأرباح، ومطالب بتثبيت العمالة المؤقتة، وهى المطالب التى ساندتها الحكومات المتعاقبة حتى وصل الأمر إلى أن تتحمل الدولة دفع أرباح لعاملين بشركات تحقق خسائر، وفى نفس الوقت لا تتوفر العمالة المؤهلة باعتبارها مخرجات لنظام تعليمى سيئ وحالة مجتمعية ترفض الالتزام وتجعل العمل كبائع متجول أو سائق توك توك أو توصيل الطلبات أفضل من عمل فنى أو عامل بالمصانع، رغم أن كل تلك الأعمال لا تصلح لإنشاء أسرة مستقرة ومجتمع آمن، وفى رأيى عجزت كافة المؤسسات المعنية بالتدريب والتشغيل فى التعامل مع تلك المشكلة وأصبحت أزمة عدم توفر عمالة للصناعة مستمرة، بينما البطالة المسجلة بين الشباب تصل إلى الملايين.
■ وماذا عن التشريعات؟
- المنظومة التشريعية بالغة التعقيد ومرتع خصب للبيروقراطية والفساد فقانون الصناعة يتم العمل به منذ 1958، رغم تغير أنظمة الدولة من اشتراكية اقتصاد السوق، هناك تداخل بين القوانين، كذلك قوانين العمل والتأمينات الاجتماعية ونظام الأجور كلها قوانين مليئة بالثغرات والمشاكل وتعدد الجهات التى تتعامل معها لاستخراج الموافقات على البناء والإنشاء، وتوصيل الخدمات والمرافق، ولك أن تعلم أن الموافقات اللازمة لاستخراج ترخيص صناعى للتشغيل بلغ عددها 27 جهة، تنتهى بشباك واحد لتقديم كل تلك الموافقات للحصول على الترخيص بالتشغيل، تقريباً أصبح هناك 90% من وقت المستثمر يقضيه بين مكاتب المسئولين والباقى لإدارة شركته وحل مشاكلها. وفى النهاية يفكر فى التطوير وزيادة الإنتاج والتسويق والتفكير ألف مرة فى ضخ مزيد من الاستثمارات الصناعية، لكن أعتقد أن قانون التراخيص الصناعية حال الموافقة عليه سيسهم فى حل تلك المشكلة بشكل كبير.