وزير الصناعة الأسبق: لدينا مزايا فى «الأسمدة الفوسفاتية» و«الخامات التعدينية» وتطبيق «التخصص الصناعى» يحول مصر إلى دولة رائدة مثل كوريا وألمانيا والهند
المهندس حاتم صالح وزير التجارة والصناعة الأسبق
قال المهندس حاتم صالح، وزير التجارة والصناعة الأسبق، إن الصناعة فى مصر تواجه تحديات بالغة، فى مقدمتها تذبذب سعر الصرف، واعتبر أن مصر لديها إمكانات صناعية تؤهلها بالفعل للوصول إلى معدلات نمو مرتفعة خلال فترة وجيزة، مضيفاً فى حوار لـ«الوطن» أن قرار إسناد ولاية الأراضى الصناعية إلى هيئة التنمية الصناعية قرار فى الاتجاه الصحيح، لكنه يحتاج إلى إجراءات تنفيذية.
حاتم صالح لـ«الوطن»: إسناد ولاية الأراضى لـ«التنمية الصناعية» قرار فى الاتجاه الصحيح.. ونحتاج 50 مليون متر أرض مرفقة سنوياً
وأشار «صالح» إلى أن مصر لديها مزايا فى صناعات مهمة مثل الأسمدة الفوسفاتية، والصناعات القائمة على الخامات التعدينية، لافتاً إلى أن هناك إمكانية لتطبيق فكرة «التخصص الصناعى» التى من الممكن أن تحول مصر دولة رائدة فى صناعات معينة، مثل كوريا والهند وألمانيا وغيرها من الدول.. وإلى نص الحوار.
■ كيف ترى وضع الصناعة المصرية فى الوقت الحالى؟
- لا شك أن الصناعة المصرية حالياً تواجه تحديات كبيرة ومصيرية، وأن هذه التحديات منها ما هو اقتصادى وقد عبر عن ذلك ترتيبنا المنخفض الصادر عن منتدى دافوس ٢.١٧، فى الجزء الخاص بالاستثمار وبيئة الأعمال ومنها ما هو مرتبط بالوضع السياسى، الذى عبر عنه تقرير البنك الدولى الصادر فى يوليو ٢٠١٦ عن معوقات الاستثمار، فالوضع السياسى والاقتصادى هما وجهان لعملة واحدة ولا يمكن فصلهما عند الحديث عن وضع الصناعة فى مصر، وقد انعكس ذلك فى السنوات الماضية على تراجع معدلات التصدير بشكل كبير، وصل إلى أكثر من ٣٠٪ فى العامين الماضيين فقط حتى وصل إلى ١٨ مليار دولار فى ٢.١٥/٢.١٦، بعد أن كنا وصلنا إلى ٢٧ مليار دولار فى ٢.١٢/٢.١٣، وإن كنت أتوقع أن ترتفع هذا العام بعد التعويم الذى حدث إلى ٢٠-٢١ مليار دولار.
■ ما أبرز المشكلات التى تواجه القطاع الصناعى؟
- فى رأيى أن هناك العديد من المشكلات تواجه القطاع الصناعى حالياً، ومنها ما هو قديم ومنها ما ظهر مؤخراً، فالمشكلات القديمة المعروفة وهى صعوبة التراخيص والحصول على الأراضى وفساد المحليات وغيرها، لكن ما بدأ فى الظهور مؤخراً بشكل لافت هى المشاكل الناتجة عن التذبذب الكبير الذى حدث فى سعر الصرف وارتفاع أسعار الطاقة والمياه بشكل كبير، والانخفاض الكبير فى القدرة الشرائية.
الصناعة تعانى من عمليات التشويه.. ويجب ربط المُنتج المصرى بكبرياء المواطن.. و30% فقط من المصانع تحمل ترخيصاً.. و«مصنعك جاهز بتراخيصه» فكرة جيدة تستحق التعميم
■ إلى أى مدى أسهم فى رأيك قرار إسناد ولاية الأراضى الصناعية كاملة لهيئة التنمية الصناعية فى حل أزمة نقص الأراضى؟
- هو قرار فى الاتجاه الصحيح، ولكن يحتاج إلى إجراءات تنفيذية كثيرة تليه، خاصة مع جهات الولاية الأخرى، لكى نضمن تحقيق الفائدة المرجوة ولكى لا يصبح إجراء شكلياً ويكون التنفيذ مختلفاً على أرض الواقع، وأعتقد أن تحقيق التعامل الإلكترونى الكامل مع المستثمر يجب أن يكون هدفاً واضحاً لوزارة الصناعة والاستثمار والاتصالات والمحليات حتى نتخلص من كابوس الفساد الذى ما زال يطاردنا ويسىء لسمعتنا فى الداخل والخارج، فالتعامل الإلكترونى يقطع دائرة الفساد من المنبع وهو المطلوب وأفضل كثيراً من أن نكافحه بعد حدوثه، كما أنه يسرع خطوات المستثمر ويعطيه الإحساس بالاطمئنان لشفافية الإجراءات.
■ رغم تزايد طروحات الأراضى الصناعية إلا أن الشكوى من نقص الأراضى لا تزال قائمة.. كيف يمكن حل تلك الأزمة جذرياً؟
- أولاً يجب أن يكون العرض أكبر كثيراً مما هو حادث الآن، وفى تصورى أن دولة بحجم مصر تحتاج إلى إتاحة ٤٠ -٥٠ مليون متر مربع من الأراضى الصناعية المرفقة سنوياً، ثانياً يجب أن تكون هناك جدية فى سحب الأراضى التى لم تستغل فى المهلة المحددة والتى يثبت عدم جدية حائزيها، أو قيام حائزيها بتسقيعها والمتاجرة فيها، لأن ذلك يتنافى مع الغرض من التخصيص ويهدر الدعم الحكومى ويضيع الفرصة على المستثمرين الجادين.
■ نقص الطاقة وتباين الأسعار من بين أهم المشكلات التى تواجه القطاع الصناعى.. ما المعادلة الأفضل لحل تلك المعضلة؟
- سعر الطاقة يعتبر واحداً من أهم العوامل التى يتخذ على أساسها القرار الاستثمارى فى أى دولة، ولكى نكون دولة جاذبة للاستثمار يجب أن يكون لدينا سعر طاقة منافس وفى إطار استراتيچية تسعير واضحة ومعروفة مسبقاً للمستثمر وتتمتع بمرونة وتحتفظ بتنافسيتها مع أى تغير لسعر الطاقة العالمى، وتوجد دراسات عديدة فى هذا الموضوع وقد اطلعت عليها بنفسى، هى فقط تحتاج للتنسيق والاتفاق بين وزارتى الصناعة والبترول واتحاد الصناعات.
■ كيف ترى تأثير قرار تحرير سعر الصرف على الصناعة المصرية؟
- قرار تحرير سعر الصرف كان شراً لا بد منه، وفى تقديرى أنه تأخر كثيراً، وهذا التأخير ساهم فى ارتفاع كلفته وشدة حدته، وللعلم هو لم يؤثر فقط على المواطن بالسلب ولكنه أثر أيضاً على تزايد المصروفات فى الموازنة الحكومية، ولكنه ضرورى لتقريب السعرين الرسمى والموازى، وهذا أساس لجذب أى استثمار، ولا شك أن الارتفاع الحاد كان بمثابة الصدمة المزلزلة للأسواق التى لم تتوقع كل هذا الارتفاع الكبير، كما أن الأسواق توقعت أيضاً أن يكون تعويماً مداراً كسابقيه، بمعنى تثبيت السعر عند رقم معين ودفاع البنك المركزى عن هذا السعر الجديد، وهو ما لم يحدث، حيث إن الطريقة التى حدث بها التعويم هى أقرب للتعويم الحر الذى يعتمد بشكل كبير على العرض والطلب بدون أى تدخل من البنك المركزى، وهو ما لم تعتد عليه السوق وأدى إلى حالة من الارتباك والترقب التى ما زالت قائمة، المشكلة الآن أننا أمام معدلات تضخم قياسية تجاوزت الـ٢٠٪ وركود فى الأسواق نتيجة انخفاض القيمة الشرائية للدخول والمدخرات وازدياد حالة عدم اليقين، وفى رأيى أن هذه الثنائية من الركود والتضخم هى من أكبر التحديات التى يمكن أن تواجه أى اقتصاد، ولكسر هذه الحالة فلا بد من معدلات استثمار مرتفعة تضخ دماءً جديدة، وهذه المعدلات تحتاج إلى مناخ سياسى جيد وسياسات اقتصادية مختلفة جذرياً، كما أرى أنه يجب أن تتضافر جهود الحكومة والبنك المركزى لوضع مستهدف سعر الصرف فى حدود ١٤-١٥ جنيهاً، لأن ذلك ما سيعيد توازن القوى الشرائية مرة أخرى، والفشل فى ذلك أو بمعنى آخر استمرار ارتفاع سعر الدولار فى الفترة المقبلة بدون ضابط وكسره لحاجز الـ٢٠ جنيهاً ستكون له تأثيرات سلبية كبيرة قد يمتد أثرها لفترة طويلة وقد يصعب علاج هذه الآثار فى المدى القصير.
التصنيع يحتاج إلى ما هو أكثر من القوانين ولا يوجد شىء مستحيل.. وعلى الدولة التدخل من خلال مركز تحديث الصناعة.. وتحرير سعر الصرف «شر كان لا بد منه».. وتأخره ساهم فى ارتفاع كلفته على المواطن والموازنة الحكومية
■ وزارة الصناعة أعلنت مؤخراً عن طرح مشروع باسم «مصنعك جاهز بالتراخيص».. كيف تقيم فكرة المشروع؟
- فكرة جيدة تحتاج لنشرها أكثر على مستوى واسع لتكون قريبة من كل التجمعات الصناعية والسكانية، كما تحتاج لتوسيعها لتشمل كافة النشاطات الصناعية، حيث إنها اقتصرت حتى الآن على بعض الأنشطة دون غيرها، كما يجب فتح المجال للمشروعات القائمة بالفعل لتوفيق أوضاعها ووضعها على رادار وزارة الصناعة، حيث إن ٣٠٪ فقط من المشروعات الصناعية مرخص، كما أن نسبة كبيرة من المشروعات المرخصة تعانى من صعوبات كبيرة فى تجديد التراخيص.
■ الوزارة أيضاً أعدت استراتيجية للصناعة تستهدف من خلالها تحقيق 8% نمواً صناعياً سنوياً.. هل الأمر قابل للتحقيق؟
- لا يوجد شىء مستحيل، ومصر لديها قدرات كامنة كبيرة ولكنى أرى أن الأهم لمصر حالياً من المستهدفات والاستراتيجيات التى تمتلأ بها الأدراج، هو الخطط التنفيذية لهذه الاستراتيجيات والمستهدفات، ويجب أن تكون هذه الخطط معلنة ومحددة المدد الزمنية، ويوضح فيها المسئول كل خطوة حتى تتيح للرأى العام المتابعة والمراقبة والمحاسبة، كما يجب إزالة العوائق السياسية والاقتصادية حتى تصبح المستهدفات واقعية وقابلة للتحقيق.
■ ملف المصانع المتعثرة من أبرز الملفات العالقة حتى الآن.. ما الروشتة التى يمكن من خلالها إعادة تلك المصانع إلى التشغيل مرة أخرى؟
- لا أعتقد أنه يجب أن نشغل أنفسنا بأعداد هذه المصانع المتعثرة، الأهم من الأعداد هو آليات التعويم لهذه المصانع أياً كان عددها، أكثر من ٨٠٪ من مشاكل هذه المصانع هى مشاكل مالية، وفى رأيى أن البداية تكون بمساهمة الدولة من خلال مركز تحديث الصناعة فى إعداد دراسات جدوى محترفة ومستحدثة تساهم الدولة فى الجزء الأكبر من كلفتها، للوقوف على الجدوى الحقيقية لاستمرار هذه المصانع، على أن تشمل هذه الدراسات إمكانية تغيير النشاط أو تطويره فى حالة عدم وجود جدوى للنشاط الحالى، بعد ذلك تأتى الخطوات التالية فى إعداد حزم مالية مدعمة من خلال البنوك لتعويم هذه المصانع بناءً على هذه الدراسات.
■ هل يمكن تطبيق فكرة التخصص الصناعى فى مصر؟
- هذا سؤال مهم ولكى أرد عليه، يجب أن نسأل أنفسنا أولاً، ما الميزات النسبية لمصر فى أى صناعة؟ وهل نستغل هذه الميزات النسبية أم لا؟ المشكلة أنه ربما نكون قد أنشأنا صناعات ليس لدينا فيها ميزات نسبية ثم أغلقت أو تعثرت بعد فترة، وعلى الجانب الآخر أهملنا صناعات لدينا فيها ميزات نسبية كبيرة وما زلنا نهملها حتى الآن لأسباب مختلفة، دعنى أضرب لك أمثلة: مصر مثلاً غنية بخام الفوسفات وبدرجة نقاء عالية، نحن نصدره إما خاماً بدون أى قيمة مضافة أو نصنع منه الأسمدة الفوسفاتية وهى خطوة تصنيع جيدة ولكنها ما زالت بدائية جداً فى عالم القيمة المُضافة لهذه الخامة التى يمكن أن تنتج مثلاً العديد من المواد الوسيطة التى تستخدم فى تصنيع المنظفات والبويات والسيراميك، والتى نستورد منها بكميات كبيرة لهذه الصناعات، هذا المثال ينطبق على مواد مثل الكوارتز التى نصدرها كرمال خام ثم نعيد استيرادها بأضعاف أضعاف ما صدرناه كخلايا شمسية أو الجلود التى نصدرها كـ wet blue أو crust بدولار أو دولارين للقدم فى حين أننا لو صدرناها كاملة التشطيب يمكن أن تصل إلى ١٠ دولارات للقدم، ولو صدرناها كمنتجات جلدية يمكن أن يصل سعر القدم إلى ٣٠-٤٠ دولاراً، أو المنجنيز أو الفلسبار أو الأقطان الخام أو البتروكيماويات، والأمثلة كثيرة جداً، والفرص كثيرة جداً، ولكن الأمر يحتاج إلى مناخ جاذب وسياسات مستقرة وتشجيع حكومى حقيقى للقيمة المُضافة، وكذلك تشجيع لمراكز البحث والتطوير، كما يجب أن نسعى نحن لجذب الشركات الكبرى ونوجد لها الحوافز، خاصة التى يمكن أن تصدر بكميات كبيرة أو أن تنتج بدائل لمنتجات مستوردة ونعرفها بما لدينا من ميزات نسبية، وقد كانت لنا تجربة جيدة كمثال فى ٢٠١٣ فى جذب شركة كبرى للمنتجات الإلكترونية لإقامة مصنع فى صعيد مصر من أكبر مصانعها خارج كوريا، الذى يصدر الآن بما يقارب المليار دولار سنوياً وهو رقم ضخم جداً بالنسبة لمصنع واحد.