الجمعيات الخيرية: الفقراء كثيرون.. والتبرعات تكاد تكون «منعدمة»
نشاط خيرى عبارة عن حفل فنى للأيتام
لم تنج الجمعيات الخيرية والعاملون فى مجال التطوع من الأزمة الاقتصادية، فالأنشطة الخيرية التى كانت تستهدف الفقراء ومحدودى الدخل لتعينهم على الحياة كادت تتوقف بسبب قلة التبرعات، بذلت الجمعيات قصارى جهدها فى محاولة لتوفير الدعم المادى والعينى، لكن باءت كل محاولاتها بالفشل أمام غول الأسعار الذى يلتهم ميزانية المصريين ويجعل بند التبرع غير وارد على الإطلاق فى قائمة المصروفات.
الجمعيات الخيرية فى المناطق الشعبية كانت الأكثر تضرراً بقلة النشاط الخيرى مؤخراً، بسبب قلة التبرعات بعد ارتفاع الأسعار، وهذا ما جعل جمعية شاركنا للخدمات والمساعدة لرعاية المرضى والأسر الفقيرة، والمشهرة بوزارة التضامن الاجتماعى برقم 10171، لعام 2016، بميدان السيدة زينب، تطالب المستشفيات بتقليل النفقات المادية للمرضى التابعين لها، نظراً لقلة التبرعات التى تحصل عليها والتى لا تكفى لمساعدة كل المرضى، وحسب تامر الخشان، رئيس مجلس إدارة الجمعية: «إحنا بنعمل تعاقدات مع مستشفيات وصيدليات لتخفيف العبء عن المرضى».
الشيخ عماد: ما باليد حيلة والناس ماشية فى حياتها بالعافية.. و«عبدالقادر»: نسحب من رصيدنا فى البنوك لنوفى بالتزاماتنا تجاه الحالات التى تستحق المساعدة
ترعى الجمعية 300 أسرة رعاية صحية، وأوضح «الخشان» أن الجمعية أصبحت لا تقوى على رعايتهم مادياً: «الجمعية قايمة على مجهود ذاتى من بعض الأشخاص اتعرفنا على الفيس بوك وبعدين عملنا الجمعية وبنساعد الناس بالهدوم القديمة، أو بالعلاج، وبنحاول دلوقتى نجيبلهم تعاقدات مجانية أو بفلوس قليلة عشان الجمعية مش بيدخلها تبرعات مادية خالص، إحنا مش هنطلع من جيبنا نديهم عايزين الناس تتبرع».
الأزمة الاقتصادية ألقت بظلالها السلبية على جمعية «الإمام حذيفة لكفالة الأيتام والرعاية الطبية»، والمشهرة برقم 6401 لعام 2006، فالتبرعات الواردة إلى الجمعية أصبحت قليلة مقارنة بالماضى، ويؤكد الشيخ عماد محمد المسئول عن الجمعية: «الأول كان كل اللى فى جيبه فلوس زايدة ييجى يحطها فى الجمعية وأهى تبقى صدقة وعمل صالح له.. الناس دلوقتى بقت ممشية حياتها بالعافية وماشية بمقولة اللى يعوزه البيت يحرم على الجامع»، مضيفاً: «التبرعات بعد ارتفاع الأسعار مابقتش زى الأول بس ربنا بيكرم والدنيا بتمشى واحدة واحدة.. وربنا يعينا نقدر نساعد الحالات اللى بنتكفل برعايتها»، موضحاً أن الأفراد الذين ترعاهم الجمعية مقدرون أن الأزمة الاقتصادية التى تمر بها البلاد هى سبب انقطاع الخير عنهم، لكن الجمعية تلتمس العذر للأرملة التى تعتمد فى تربية أطفالها الصغار وتعليمهم من خلال التبرعات التى تأتى إليها من الجمعية: «ما باليد حيلة بنحاول نساعدهم حتى لو بنديهم نص الفلوس اللى متعودين عليها»، ويعد يوم «الجمعة البركة» كما أسماه أشرف عبدالقادر، أمين عام صندوق جمعية الميمنة لكفالة الطفل اليتيم وبناء المقابر، والمشهرة برقم 5008 لعام 2002، إلا أنه أحياناً تأتى الرياح بعكس ما تشتهى السفن، فبعد أن كان يدخل للجمعية فى ذلك اليوم ما يقرب من 1000 جنيه وصلت التبرعات فى إحدى المرات إلى 200 جنيه: «دلوقتى اللى معاه فلوس بيخليها له ولعياله».
عم ناصر: كنت بجمع أدوية وأديها للعيانين.. دلوقتى بقيت أجيب لهم شريط علاج بالعافية.. و«الدمرداش»: بعلم الفقراء صناعة الإكسسوارات عشان يشتغلوا زى ما المثل بيقول «علمنى الصيد ولا تعطنى سمكة»
ترعى الجمعية 150 حالة ما بين فقراء ويتامى وتُخرج لهم 3000 جنيه شهرياً، ومع قلة التبرعات لجأت إلى الرصيد الخاص بها فى أحد البنوك لسد العجز لدى الأسر، حتى لا تشعر بالاحتياج: «إحنا بنصرفلهم هما 300 جنيه مش بيكفوا حد، مقدرش مديلهمش فلوس فبنسجب من البنك بس هييجى وقت والفلوس اللى فى البنك هتخلص». مشكلة كبيرة تواجهها جمعية «سلاسل النور» المشهرة برقم 7294 لعام 2008، فى إطعام الفقراء والمحتاجين، وحسب مصطفى عمر، مسئول الجمعية: «بنك الطعام كان بيدينا الكرتونة بـ26 جنيه دلوقتى بقى بيديهالنا بـ39.. التبرعات قلت ومابقتش زى الأول.. فبقينا نقلل من عدد الكراتين وده بيأثر على الناس اللى بتستنى الأكل». مضيفاً: «الناس بقت توفر عشان تمشى بيتها فمحدش بقى بيتبرع زى الأول، ممكن اللى بقى ييجى يحط 5 جنيه ويمشى ما هما كمان معذورين»، ارتفاع الأسعار لم يجعل نيرمين الدمرداش، مصممة إكسسوارات وحلى نحاسية، فى معزل عن المشاركة فى الأنشطة الخيرية، فلم تتبرع بشكل مادى وإنما اتخذت طريقاً آخر، بالتبرع بوقتها ومجهودها لتعليم المحتاجين والعاطلين عن العمل حرفة صناعة الإكسسوارات التى تعتمد على «السلك والخيوط»: «بما أن الناس معهاش فلوس تتبرع بيها، بدل ما نسيب الفقير كده نعلمه حاجة تخليه يقدر يشتغل ويكسب، وأنا عن طريق جمعية شاركنا للخدمات والمساعدات الخيرية، بعلم الناس يطلعوا يلاقوا شغل ليهم يقدروا يجيبوا منه فلوس».
عملها فى حرفة صناعة الإكسسوارات لمدة 18 عاماً، جعلها محترفة ولديها علم تريد أن تُزكى به، لذلك اتجهت للجمعيات الخيرية للمشاركة بوقتها بدلاً من الفلوس: «بعلم الناس إزاى يعملوا إكسسوارات بسيطة ومن السلك والخيط وممكن يبيعوها للمحلات.. ودى أسهل طريقة فى حرفة الإكسسوارات وأبسطها»، موضحة أن خيط الإكسسوارات بـ5 جنيهات يمكن من خلاله صنع من 30 إلى 50 قطعة.
«لو كل حد اتبرع بالعلم اللى عنده وعلمه لغيره مش هيبقى فيه بطالة ولا محتاجين وكلنا هنشتغل».. ذلك المبدأ الذى ترغب «الدمرداش» فى أن ينتشر بين المواطنين لتنمية المجتمع والقضاء على البطالة، ورفع مستوى المعيشة ولن يبقى أى محتاج، وفقاً لما أكدته.
«فين الدوا يا عمنا».. جملة اعتاد عبدالناصر أبوبكر، 49 عاماً، سماعها، فعمله الخيرى جعله مشهوراً فى منطقة عزبة النخل، يقوم «ناصر»، نجار، بتجميع الأدوية وتوزيعها على المرضى الفقراء غير القادرين على شرائها ولا يملكون بطاقة تأمين صحى، فبعد ارتفاع أسعار الأدوية أصبح شراء الأدوية صعباً على كثير من المرضى، بعد الأزمة الأخيرة وعجز البعض عن التبرع بالأدوية أو التبرع بأموال لشراء أدوية للمرضى، أصبح «ناصر النجار»، محدوداً: «الناس دلوقتى مابقتش تتبرع زى الأول، اللى عنده علاج مابقاش يفرط فيه، بيروح يستبدله من أى صيدلية ويجيب علاج لنفسه، وأنا عندى مرضى كتير عندهم أمراض مزمنة مش بيقدروا يشتروا العلاج»، مضيفاً: «العيانين كانوا بييجوا يسيبوا الروشتات بتاعتهم عندى ويستنوا فى بيوتهم أجيبلهم العلاج.. بس بعد الغلا ده الروشتات كترت ومش عارف أصرفها إزاى.. بقيت بضطر أجيب بالشريط أو عدد البرشامات عشان أمشى بيها المريض»، موضحاً أن المحتاج اعتاد على المساعدات ويخشى انقطاع الأدوية عنه، لذلك يحاول «ناصر» أن يحصل على أى قدر من العلاج لمساعدة المحتاجين.
مرضى «الحساسية، الفشل الكلوى، القلب، السكر، الضغط».. هؤلاء المستفيدون من نشاط «ناصر»، ولأنهم مرضى أمراضاً مزمنة فالأمر يحتاج توافر الأدوية بصفة مستمرة رغم الظروف الاقتصادية الصعبة: «الناس دى لازم تاخد علاجها فى وقته، أنا ممكن ألاقى الباب بيخبط الساعة 2 الفجر من أى مريض محتاج علاجه ساعتها بتصرف وبجيبله.. وساعات بلم من أهالى المنطقة وبجيب علاج وأوزعه».