المواد الخطرة فى «ميناء الأدبية» تسبب السرطان وخلل الجهاز العصبى والضعف الجنسى
عمال يحكمون إغلاق «شيكارة مبيد» قبل تخزينها فى «الأدبية»
على بعد 17 كيلومتراً من مدينة السويس، يقع ميناء الأدبية، الذى يضم أكبر موقع للمواد الخطرة فى مصر، يحتوى على كمية من «المبيدات المسرطنة»، تستعد الحكومة للتخلص منها حالياً بتمويل من مرفق البيئة العالمى، وبإشراف من البنك الدولى. فى رحلة «الوطن» إلى موقع «المبيدات» داخل الميناء، الذى توليه الدولة اهتماماً بالغاً لوجوده فى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، تجد أنه معزول عن أنشطة الميناء، إذ يوجد فى إحدى أبعد نقاط الميناء عن المناطق السكنية، إذ لا يقابله إلا سور الميناء الخارجى للحراسة، ومن خلفه جبال، وتجد أن الدخول للموقع محظور بشكل تام، إلا للعاملين به، أو الحاصلين على تصاريح رسمية من السلطات المعنية. وبالوصول إلى الموقع، تجده مُسيجاً بسورين، الأول كبير يُحيط بكامل منطقة المشروع، والثانى يفصلك عن أقرب المناطق لـ«الشحنة»، مع لافتات مدون عليها «لا تقترب.. احذر منطقة خطرة.. مواد مسممة».
«عبدالحميد»: سننقل الشحنة إلى «فرنسا» فى أبريل وننتظر موافقة الدول التى ستمر عليها.. و«يحيى»: 10 أيام ونعيد تعبئة «اللندين»
ولدخول موقع «العمل» لا سبيل إلا بالمرور عبر «خيمة»، أعدتها الشركة اليونانية القائمة على المشروع، يرتدى فيها الشخص ملابس واقية، وقناعاً، وحذاءً واقياً، وخوذة، ونظارات واقية، وقفازين، مع منع تام لاصطحاب أى أطعمة أو أغذية إلى موقع المشروع، ومنع تام للتدخين.
يستقبلك بالمشروع اثنان من اليونان كممثلين عن الشركة التى تتولى التخلص من المواد الخطرة، وخبير سودانى اختاره البنك الدولى للعمل كخبير بالمشروع، وعدد من المصريين.
ويُقسّم موقع العمل من الداخل إلى 3 دوائر، الأولى الدائرة الخضراء، وتبعد عن حاويات المواد العشر التى حملت «شحنة المبيدات» مسافة لا تزيد على 10 أمتار، ثم دائرة «صفراء» تُحيط بالحاويات حتى نحو 2 متر، ثم «الدائرة الحمراء» وهى أقرب النقاط للحاويات. وفور اقترابك من «المنطقة الخضراء»، تشعر برائحة لاذعة تستقبلك، ما تلبث أن تختفى فور ارتدائك «القناع الواقى»، فضلاً عن «حكة بالعين»، تذهب مع ارتداء «النظارات الواقية»، ثم تشاهد العاملين فى المشروع يقفون أمام الحاوية التى يعملون عليها، بعد وضع خيام لمنع تسرب أىّ مواد من مواقع المشروع، ومن ثم يعملون على إعادة تعبئة الشكائر المحتوية على «اللندين» فى أخرى جديدة مجهزة بشكل خاص، مع وضعها فى شكائر أكبر، إذ إن الشحنة كانت مقبلة فى شكائر ورقية، ومغطاة بطبقة من البلاستيك، ووُجدت كميات منها غير سليمة، ما يستوجب إعادة تعبئتها قبل التخلص من الشحنة. داخل موقع العمل، قال محمد جعفر، أحد العاملين بالمشروع وهو يرتدى الأطقم الواقية كاملة، لـ«الوطن»، إنهم بدأوا العمل منذ أول شهر فبراير، بإنشاء السور المحيط بالموقع، ثم جرى تقسيم المناطق فى حيز المشروع إلى حمراء، وصفراء، وخضراء. وقال المهندس أيمن يحيى، المسئول عن العمال فى المشروع، إن الشركة اليونانية المتولية للمشروع استعانت بشركته لسابق خبراتها فى مجال المخلفات الخطرة، وتم قياس مدى وجود غازات أو مواد مشعة من «الشحنة» من عدمه، وعقب التيقن من كون «الشحنة» آمنة بدأ العمل.
مدير «الأدبية»: المبيدات الموجودة مسرطنة شديدة السمية.. وعقبة فى طريق الاستثمار
وأضاف «يحيى»: «عمال المشروع حصلوا على دورات تنشيطية فى مجال الأمان، رغم أن عدداً منهم يمتلك خبرات طويلة فى العمل بمجال المخلفات الخطرة». وأشار إلى أنه تم إجراء الفحوصات وتحاليل الدم اللازمة للعاملين، وبوليصة تأمين ضد الوفاة، والعجز الجزئى أو الكلى، لمعرفة الحالة الصحية لكل عامل، وعقب الانتهاء من أعمالهم سيعاد فحصهم وإجراء التحاليل اللازمة وفى حال وقوع أى ضرر عليهم ستتكفل الشركة بعلاجهم. لافتاً إلى أنهم انتهوا من إعادة تعبئة الكميات الموجودة بـ6 حاويات فى 8 أيام، ويبقى أمامهم 10 أيام للانتهاء من إعادة تعبئة مواد المشروع.
وقال المهندس أحمد عبدالحميد، المسئول عن المشروع، إنه سيجرى تصدير الشحنة إلى فرنسا عبر البحر، وتم تحديد مسارين يمكن للسفينة الحاملة للشحنة السير فيهما، الأول عبر قناة السويس، والثانى عبر البحر المتوسط مباشرة، لافتاً إلى أن اتفاقية «بازل لتداول المواد الخطرة» تُجبر مصر على أخذ الموافقات اللازمة للدول التى ستعبر السفينة فى نطاق مياهها الإقليمية، وهو ما أُعد بشأنها ملف كامل، ويجرى التنسيق مع الجهات المعنية فى تلك الدول لأخذ موافقاتها.
وأضاف «عبدالحميد»: «اتفاقية بازل تلزم الدول بالرد على الإخطار فى حدود 60 يوماً من تاريخ الإخطار والموافقات ستأتى لمصر مارس المقبل، لتبحر الشحنة إلى الخارج بحلول أبريل».
وقال الربان أحمد جمال، مدير عام ميناء الأدبية، التابع لـ«اقتصادية القناة»، إن مادة «اللندين»، الموجودة فى الحاويات منذ قرابة الـ19 عاماً هى مبيدات مسرطنة شديدة السمية، وإن الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس تتعاون بشكل كامل مع وزارة البيئة، بالاتفاق مع «البنك الدولى» للتخلص من تلك المواد.
وعن عملية «إعادة تعبئة المبيدات»، قال «جمال» إن المبيدات وجدت طوال تلك الفترة فى 10 حاويات بكمية نحو 220 طناً، وأنه يجرى تعبئتها فى حاويات جديدة باتباع كل الإجراءات، والاشتراطات الدولية، بحيث تستطيع أن تسافر بها للخارج، لأنه سيتم التخلص منها فى فرنسا.
وأكد مدير «الأدبية» أن الشركة اليونانية القائمة على المشروع متخصصة فى هذا النوع من الأعمال، ولا خوف تماماً من عملية إعادة «التعبئة».
وعن مخاوف أهالى السويس من «الشحنة»، قال «جمال»: «أهل السويس ياما اشتكوا.. وطبيعى أن وجود حاويات بها مواد مسرطنة هتقلقك، لكن أطمنهم أنه مفيش خطورة خالص»، موضحاً أن الشحنة موجودة فى آخر الميناء، بحيث تكون معزولة عن باقى الأنشطة، ولا يتم السماح بالوجود فى موقع المشروع لغير المتخصصين.
وتابع: «شَغل تلك المواد لحيز فى الميناء منع استثمارات لتلك المساحة لفترة طويلة، ولكن بدأنا نسير فى إجراءات التخلص منها».