صُناع «الفن السابع»: دعم الدولة للسينما أساس نهضتها ومطالبنا «محاربة القرصنة وتسهيلات فى التصوير»
محمد العدل
اجتماع تلو الآخر وقرارات متتابعة تعد بالنظر فى الأمر والتعامل معه بجدية، ثم يعود الأمر كما كان، ورغم ذلك لم يمل السينمائيون من حضور اجتماعات ترفع شعار «دعم السينما» منذ عام 2011 وحتى اليوم، مروراً بحكومات عديدة تعاقب عليها 5 وزراء للثقافة، حتى أعلن مجلس الوزراء فى يوليو من العام الماضى مجموعة قرارات لدعم السينما، منها تخفيض قيمة الرسوم الخاصة بالتصوير فى حرم الأماكن الأثرية بنسبة 50%، وزيادة الدعم الموجه لصناعة السينما من 20 مليون جنيه إلى 50 مليون جنيه سنوياً، ما اعتبره البعض بارقة أمل لدعم السينما.
وترى الفنانة والمنتجة إلهام شاهين أن «السينما من أهم وسائل تنوير العقول وتغيير المفاهيم الخاطئة، لكن من الصعب أن تدخل الدولة فى الإنتاج السينمائى فى ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، وهذا الدور منوط به السينمائيون»، وأضافت: «لا تستطيع الدولة تقديم دعم مادى للسينما، لكن من الممكن أن تقدم خدمات تساوى مبالغ مالية كبيرة، سواء بخفض الجمارك على أجهزة الصوت أو الإضاءة وغيرها من الآلات التى تدخل فى عملية صناعة السينما، إضافة لخفض مبالغ التصوير فى الأماكن السياحية أو الأثرية التى يتكلف التصوير فيها مبالغ باهظة، وعند إلغاء تلك المصاريف ستقوم الدولة بدعم الصناعة إضافة إلى تحقيق دعاية جيدة للبلد»، وأضافت «إلهام»: «القرصنة كارثة تواجه صناعة السينما وبالتالى يجب على الدولة حسم تلك المسألة بشكل قوى، سواء من خلال تشريعات أو إجراءات حازمة وقوانين رادعة، خاصة أن غرفة صناعة السينما لم تستطع مواجهة تلك المشكلة، وتحتاج تدخل كافة أجهزة الدولة المعنية فيها، ومؤخراً دخل مجموعة من رجال الأعمال إلى الإنتاج الفنى منهم أحمد أبوهشيمة، ما ساهم فى دفع عجلة الإنتاج بشكل إيجابى».
«إلهام»: الأزمة الاقتصادية لا تسمح للدولة بالإنتاج وعليها تقديم تسهيلات للصناعة.. و«العدل»: القرصنة تحتاج إلى تشريع وتدخل حازم
وقال المخرج محمد ياسين إن «تغير المناخ المجتمعى يحول دون استنساخ تجربة قطاع السينما التى طُبقت فى الستينات حالياً، إضافة إلى اختلاف أهداف الدولة فى ذلك الوقت، لكن تظل الثقافة بشكل عام سلاحاً استراتيجياً للدولة»، وتابع: «ويبقى السؤال هل الدولة مستعدة لإطلاق ثورة تنوير حقيقية، تكون السينما إحدى مفرداتها؟ فالفن لا يستطيع أن ينمو ويقدم أفكاراً كبيرة إلا فى وجود مناخ مجتمعى يسمح بذلك»، ولفت «ياسين» إلى أن «الصناعة فى حاجة إلى بيئة ومناخ مناسب لنموها، بداية من تشجيع المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال على دخول الصناعة، وتقديم خطة حقيقية لبناء دور عرض فى المحافظات للعمل على نشر فن السينما، وخلق جيل مكون من عقول وكوادر حقيقية سينمائية بما يتفق مع التطور التكنولوجى ليعمل فى السوق بأفكار جديدة»، وأضاف: «المبدع فى حاجة لمناخ يجعله يصل بأفكاره إلى عنان السماء دون قيود وشروط، ويبقى الرهان على دور الدولة فى تفعيل دور المثقف وتتعامل مع الثقافة والفن باعتبارهما سلاحاً حقيقياً، ويظل هذا هو الهدف الأهم من الدعم المالى للسينما».
وأشار المنتج محمد العدل إلى أن «القرصنة هى القضية الأهم التى يجب أن تعمل الدولة على حلها، لأنها تعمل على تدمير صناعة بأكملها وتسبب خسائر فادحة»، وقال: «لا أعلم كيف تستطيع الدولة وضع آليات لمحاربة القرصنة بشكل جدى وسريع لأنها أثرت على التوزيع الخارجى للأفلام المصرية»، وأضاف: «الدولة وعدت صناع السينما بمجموعة كبيرة من التسهيلات سواء فى التصوير فى المطار الذى يتكلف مبالغ كبيرة، حيث ما زال لديهم انطباع أن السينما صناعة تبيض ذهباً، وبالتالى يحاول الجميع الاستفادة منها، بداية من هيئة سكك حديد مصر حتى التصوير فى الشارع، ما يزيد التكلفة على المنتج ولا يستطيع تعويضها، لذلك هرب أغلب منتجى السينما إلى الدراما التليفزيونية التى لم تفلت أيضاً من القرصنة»، وتابع: «تم تقرير الدعم المادى للسينما أكثر من مرة، فالدولة تعلن أنها داعمة للثقافة والفنون ولكن بداخلها لا تعترف بذلك، ويتم التعامل معها باعتبارها مجرد وردة فى عروة الجاكيت، والسينما فى حاجة إلى حماية وتسهيلات من الدولة، إضافة لشراء عروض الأفلام أثناء تصويرها من قبل أصحاب القنوات الفضائية، وهو الأمر المعمول به فى عدد من الدول الأجنبية من بينها فرنسا، ومن الضرورى بناء دور عرض ضمن خطة الدولة لدعم السينما».
«ياسين»: نحتاج تشجيع المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال على دخول الصناعة.. و«السماك»: محاربة الروتين أولى خطوات الإصلاح
وقال صبرى السماك، رئيس رابطة المنتجين الفنيين، إن «هناك مشاكل كثيرة ومعقدة تواجه الإنتاج السينمائى وصلت لوجود كراهية من جانب الدولة للسينما»، متابعاً: «الدولة لا تريد دعم السينما بدليل أن كل الأماكن الحكومية رفعت أسعار التصوير فى مواقعها بزيادة بلغت 10 أضعاف فى بعض الأماكن على مدار عامين»، وشدد «السماك» على الجانب المتعلق بالتشريعات الخاصة بالسينما وزيادة الجمارك والضرائب على المعدات الجديدة، فضلاً عن الروتين المتبع فى بعض الأماكن مثل جهاز الرقابة على المصنفات الفنية»، قائلاً: «كل تلك الجهات تعطل عمل السينما بطرق روتينية شديدة، خاصة فيما يتعلق بالتصاريح التى أحياناً تعانى من التداخل بين عدد من الجهات، فالصناعة تعانى من احتقار ودونية، والدولة لا تساعد على فتح سوق للفيلم فى مصر أو خارجها، كما نعانى من التضارب بين بعض الجهات، فضلاً عن الأرقام الجزافية فى تقدير التصوير داخل بعض الأماكن، فتكلفة التصوير فى جامعة القاهرة تحول من ألف إلى 50 ألف جنيه فى اليوم، أما أسعار التصوير فى السكة الحديد فوصلت إلى مليون جنيه أحياناً»، وأضاف: «نحن فى حاجة لمكتب موحد للتصاريح، إضافة لتقديم دعم حقيقى من قبل الدولة للسينما، من خلال تخفيض أسعار التصوير فى الأماكن المملوكة للدولة، ولا بد من فتح أسواق جديدة للفيلم المصرى خارج النطاق التقليدى له، لأن الاعتماد على إيرادات شباك التذاكر فى ظل الأوضاع الاقتصادية المتدنية يعد جريمة فى حق السينما، مما أدى إلى ابتعاد بعض المنتجين عن السينما خوفاً من المخاطرة»، وأشار المنتج صفى الدين محمود إلى ضرورة تخفيف رسوم التصوير الخارجى فى الأماكن الأثرية التى تثقل كاهل المنتجين بمصاريف إضافية باهظة، قائلاً: «عندما يعرض علىَّ سيناريو يوجد به مشهد فى محطة مصر أفكر أكثر من مرة قبل تقديمه بسبب ارتفاع تكلفة التصوير فى تلك الأماكن، لذلك يجب أن تدرك الدولة أن صناعة السينما مفيدة للبلد سواء بالنسبة لجذب السياحة أو الاستثمار، ومن الضرورى تخفيف المعوقات التى تواجه القائمين على الصناعة»، وتابع «محمود»: «صدر العام الماضى قرار من وزير الصحة بمنع التصوير فى المستشفيات الحكومية، ثم وجدنا بعد ذلك استثناءات للقرار فى بعض الأعمال التليفزيونية خلال سباق الدراما الرمضانية، ما يعكس معاداة الدولة للسينما التى تتعامل معها باعتبارها معدومة الأهمية، رغم أن السينما هى الباب الوحيد أمام عودة السياحة حالياً».
وقال المخرج مجدى أحمد على إن «ملف دعم الدولة للسينما سبق وتمت مناقشته فى لجنة السينما بالمجلس الأعلى للثقافة، وتم تقديم قائمة بالمطالب من الدولة وحتى الآن لم تحدث استجابة واضحة، لأن الموضوع معقد وطويل لكن يظل العنصر الأساسى له غياب الإرادة السياسية لاعتبار السينما موضوعاً استراتيجياً مهماً، والدولة ما زالت تنظر إلى السينما باعتبارها تسلية وملاهى، أو دعاية للنظام دون النظر لها باعتبارها صناعة مهمة تستطيع إدخال رأسمال كبير للدولة، والوقوف أمام الغزو الثقافى والتطرف الدينى».
وأضاف «على»: «لا تهتم الدولة بالسينما سواء باعتبارها قوة ناعمة أو صناعة مهمة، ويتم النظر لها بطريقة متدنية جداً على أنها رفاهية، والسينما فى حاجة لدعم الدولة لتجعلها صناعة قادرة على الاستقلال بذاتها، بداية من الاهتمام بدور العرض، فعدد كبير من المحافظات خال من السينمات، فضلاً عن تدنى دور العرض الموجودة بالقاهرة الكبرى، ونحن فى حاجة إلى ما لا يقل عن 10 آلاف دار عرض سينمائى لا يوجد منها سوى 500 فقط، وتستطيع الدولة فعل ذلك بمنتهى البساطة إذا وفرت أراضى معفاة وتشجع المستثمرين على إنشاء دور عرض»، وأكمل: «لا بد من إنشاء وزارة متخصصة فى السينما، وفك القيود الرقابية والضرائبية على الصناعة حتى تستطيع الانطلاق وتحقيق وضع جيد لصناعة السينما التى تعتبر من الأقدم فى المنطقة العربية والعالم».
وشدد سيد فتحى، مدير عام غرفة صناعة السينما على ضرورة تطوير التشريعات والقوانين التى تخص الصناعة، بالإضافة إلى التنسيق بين الجهات المختصة لتقوم بدورها الفعلى، قائلاً: «غرفة صناعة السينما مسئولة عن المنتجين والموزعين وأصحاب دور العرض والمعامل والاستديوهات، لكن التصاريح كلها تصدر عن وزارة الثقافة، وبالتالى لا تستطيع الغرفة القيام بدورها فى السيطرة على المنتج، لأنه يستخرج التصاريح من الرقابة والنقابة، حتى عروض الأفلام، ولذلك نحن فى حاجة إلى سلطة لممارسة عملنا، فالغرفة لا تستطيع معاقبة دار عرض قامت بعرض أفلام للكبار لأقل من 18 عاماً إلا بالتنسيق مع الوزارة، التى تختلف سياستها من وزير لآخر»، وتابع «فتحى»: «نحن فى حاجة إلى تفعيل دور المؤسسات المعنية بالسينما لتتابع عملها، إضافة إلى أن الدولة تتعامل مع دور العرض باعتبارها ملاهى ليلية فيما يتعلق بالضرائب وأسعار شرائح الكهرباء والمياه، ونحن فى حاجة لأن يتم التعامل معها معاملة المصانع، فضلاً عن المشاكل التى تتعلق بالحصول على تصاريح التصوير، فالسينما ليست فى حاجة إلى دعم مادى ولكن نحتاج إلى تلك التسهيلات والخدمات التى تساعدنا فى القيام بعملنا بصورة أفضل، لأنه مع زيادة تلك العقبات سيبدأ المنتجون فى الهرب من السينما».