سمير مرقص: يجب حل «الخصومة المصطنعة» بين 25 يناير و30 يونيو.. و«السيسى» يحتاج معاونة لأن «الشيلة كبيرة»
د. سمير مرقص
طالب الدكتور سمير مرقص، الكاتب والمفكر السياسى، بضرورة حل الخصومة المصطنعة حول «25 يناير» و«30 يونيو»، خاصة أننا نعيش حالة ملخصها أننا أمام «قديم ينازع وجديد يصارع»، مضيفاً أن أسس الدولة المصرية الحديثة هى الجيش والجهاز البيروقراطى والمؤسسات الثقافية والعلمية، وأن عمود هذه الركائز والأسس الثلاث هو الطبقة الوسطى، إلا أن قرار الانفتاح فى 1974 قلب كل شىء رأساً على عقب، وبسببه تركتها ملقاة فى «عرض الطريق»، موضحاً أن الاستثمارات فى مجتمعاتنا ما هى إلا «شبكة امتيازات مغلقة»، وتتكون من عناصر معينة، إما من الحكم أو الشركات الأجنبية، وهى مغلقة بإحكام، ومن الصعب النفاذ إليها، وأهم شروطها الولاء التام. وأضاف «مرقص»، فى حوار لـ«الوطن»، أن «25 يناير» ليست ثورة بالمعنى العلمى، وإنما هى الموجة الأولى من الحراك الشبابى الشعبى، وأفضل تعريف لها أن ما حدث «حراك الطبقة الوسطى» ضد الاستبداد السياسى فى 25 يناير، وتمرد وطنى ضد الاستبداد الدينى فى 30 يونيو، مؤكداً أن الإخوان ضيّعوا على أنفسهم وعلى مصر فرصة تاريخية، والسبب أنهم لم يفهموا المصريين، وأن الإعلان الدستورى كان نقطة فارقة بالنسبة له، موضحاً أنه أحد المشاركين فى «30 يونيو». وإلى نص الحوار:
سمير مرقص: يجب حل «الخصومة المصطنعة» بين 25 يناير و30 يونيو.. و«السيسى» يحتاج معاونة لأن «الشيلة كبيرة»
■ كيف ترى الوضع فى مصر حالياً؟
- يجب حل الخصومة المصطنعة حول «25 يناير» و«30 يونيو»، فالدراسة العلمية والقراءة لكل الملابسات لما قبل 25 يناير، كانت تقول إننا فى طريقنا إليها، والسبب الرئيسى أن الطبقة الوسطى تحديداً، التى تعتبر العمود الفقرى للدولة المصرية الحديثة منذ محمد على، كانت محل احتضان ورعاية، فلقد أقام محمد على الدولة الحديثة على 3 محاور وركائز رئيسية، الأولى: الجيش، والثانية: الجهاز البيروقراطى، والثالثة: المؤسسات الثقافية والعلمية، وتكوّنت عناصرها من الطبقة الوسطى، التى بدأت تنخرط فى هذه المؤسسات، وتملكت الأراضى الزراعية، وظلت مُحتضنة من قبل الدولة، وأنجزت ذروة إنجازها فى الخمسينية الذهبية من تاريخ الدولة الحديثة المصرية، خلال الفترة من 1919 إلى 1969، فى الجانب السياسى والمدنى من 1919 إلى 1952، والاقتصادى والاجتماعى من 1952 إلى 1969، ثم كانت نقطة التحول الكبيرة مع قرار الانفتاح فى 1974، لأنها لحظة أعتبرها مضادة لما سبق، وانقلبت على كل شىء، رأساً على عقب، ومن ضمن ما انقلبت عليه، الطبقة الوسطى، حيث تركتها ملقاة فى عرض الطريق.
■ ولماذا أصبحت الطبقة الوسطى ملقاة مع الانفتاح؟ وما كان رد فعلها على عدم التأقلم؟
- من خلال تحولات اقتصادية أدت إلى تمركز الثروة فى أيدى المحتكرين والمقاولين والسماسرة والمستوردين، أى ما أُطلق عليه «شبكة الامتيازات المغلقة»، وهو تحول نوعى ما، أدى إلى موجة الخروج الكبرى للطبقة الوسطى، خروج الهجرة التامة، والغربة المؤقتة إلى النفط، والعزلة المترقبة فى الداخل، وأصبحت الأخيرة تحديداً، غير قادرة على العيش، ومن ثم الطبقات التى دونها، ومن ضمنها الطبقة العاملة التى أجبرت على المعاش المبكر، فلقد كان يمكن للموظف الذى يتكفل بأسرة مكونة من 4 أفراد، أن يجد تأميناً تعليمياً جيداً، وامتلاك سيارة متوسطة، والذهاب إلى المصيف دون صعوبات، أما مع الانفتاح فقد جرى تحول كبير فى بنية الجسم المصرى، وكل القرارات الاقتصادية، فى العقود التالية، سارت فى هذا الطريق، وهذه المسألة فى غاية الأهمية.
«الانفتاح» انقلب على «الطبقة الوسطى» وغيّر مسارها.. وأخرجها من «حضن» الدولة وألقاها فى الطريق
■ لماذا؟
- لأن الطبقة الوسطى لم تعد تستفيد من التعليم كقيمة وكاستثمار لها، مثلما كان فى الماضى، وبالتالى أصبح حلم هذه الطبقة هو الخروج إلى دول النفط أو المهجر، ومن بقى هنا منها تدهورت أحواله.
■ ولماذا لم تستفد الطبقة الوسطى من موجة التحول ودخول مجال الاستثمارات؟
- لأن الاستثمارات فى مجتمعاتنا ما هى إلا شبكة امتيازات مغلقة، وهى شبكة عناصرها معروفة ومترابطة، وتتكون من عناصر من الحكم وشركات أجنبية، وهى شبكة مغلقة من الصعب النفاذ إليها، وشرط النفاذ إليها هو الولاء التام لها، بالإضافة إلى عناصر أخرى تختلف عن عناصر الكفاءة، كما أن عضوية الشبكة تُورث.
■ وما تأثير ذلك على الحالة الاقتصادية.. وكيف وصلنا إلى ثورة 25 يناير؟
- الذى حدث فى تصورى أن الشرائح الاجتماعية التى تضررت من قرار الانفتاح، وخرجت إلى دول النفط أو المهجر، عادت وبات لديها فائض مالى، كما أن الأجيال الجديدة فى هذه الأسر، التى أطلق عليها «الأجيال الرقمية» أصبحت شغوفة لأن تجد مساحات تعبير حرة، أى أصبحت لديهم رغبة فى «الشراكة فى السياسة والثروة»، إلا أنهم وجدوا «انسداداً سياسياً واقتصادياً»، وكانت نقطة الذروة فى انتخابات مجلس الشعب 2010، وبالتالى كانت هناك ضرورة للاحتجاج على ما هو قائم، وهو ما تبلور فى حراك 25، وقد كتبت عن ذلك مبكراً فى كتابى «المواطنة والتغيير» (2006)، وفى مقالات تالية.
■ حراك 25 يناير.. ألا ترى أنه ثورة؟
- لا بالطبع، «25 يناير» ليست ثورة بالمعنى العلمى، والشباب يغضب منى عندما أقول هذا، لكننى أرى أنها الموجة الأولى من الحراك الشبابى الشعبى، لكن الثورة تعنى تغييراً جذرياً لما هو قائم، وما حدث هو تغيير لرؤوس الأبنية القائمة فقط، وهى لا تزال قائمة، لكنها ليست بالطبع بنفس الكفاءة الاستبدادية الأولى، فقد حدث تغيير حقيقى فى مصر مهما حاول البعض، فالسلطة الأبوية سقطت، فما حدث هو «حراك أطلقته الطبقة الوسطى وبات شعبياً»، ضد «الاستبداد السياسى فى 25 يناير»، و«تمرد وطنى» ضد «الاستبداد الدينى فى 30 يونيو»، وهذه كانت رسالة كل من الكتل الشبابية الجديدة، والمجتمعية المتنوعة، لكن الأبنية القديمة كانت مصالحها متشابكة وتربيطاتها من القوة والمتانة التى جعلتها تبقى، وملخص المشهد أننا أمام «قديم ينازع وجديد يصارع»، فالقديم لم يترك الساحة بالكامل وما زالت لديه القدرة على أن يستمر، والجديد لا يستطيع أن يحل محل القديم كلية، والقديم غير قادر على أن يتجدد بما يتناسب مع المتغيرات، بل يريد العودة إلى الوراء، بحجة أن «25 يناير» كانت فوضى ومؤامرة، وبالامتيازات نفسها، والجديد حتى الآن غير قادر على أن ينظم نفسه أو يقدم نفسه بالطريقة التى تمكنه من حمل راية المستقبل، ونحن فى هذا «المأزق المركب».
■ ولماذا لم يستوعب نظام «مبارك» الوضع، خصوصاً أن الاحتجاج بدأ قبل سقوطه بـ7 سنوات على الأقل؟
- بدأت دورات الاحتجاج، وهى ثلاث، فى مطلع الألفية الجديدة، بدأت منفصلة، ثم تشابكت معاً، الدورة الأولى المدنية مثل حركة كفاية والجمعية الوطنية للتغيير، والثانية عمالية ذات طبيعة فئوية، مثل التى حدثت فى 6 أبريل، والثالثة ذات طابع مطالبى وحقوقى وتدخل هنا حقوق الأقباط والمرأة، وعند مراجعة كل هذه الحركات نجد أن سقف مطالبها كان إصلاحياً وليس ثورياً، وكثّفوا مطالبهم فى 25 يناير، وعندما تجمّعوا فى الميدان تبين أن الواقع المجتمعى أكثر سوءاً مما نتخيل، ومن ثم تم رفع سقف المطالب، بدأ الحراك من قِبَل «الطليعة الرقمية الشبابية»، ولحقت به شرائح اجتماعية دُنيا، لأن ثمار النمو، التى كانت تحقق 7.5%، لم يكن يتم توزيعه على الجسم الاجتماعى، بل كانت تُحتجز فى مكان ما فى القمة الهرمية، وما كنا نعيشه هو «انتعاش مالى» ناتج عن حركة السياحة والتحويلات من الخارج، ومن يحيل ما نحن عليه اليوم من أزمة اقتصادية إلى «25 يناير»، يكون غير أمين.
■ لكن الكثير يلقى باللوم على «25 يناير»، وأنها السبب فى أزمة الاقتصاد.
- غير صحيح.. والأزمة بدأت قبل ذلك بسنوات، وأحب أن أشير إلى أننى عندما توليت موقع نائب محافظ القاهرة للمنطقة الشمالية فى أغسطس 2011 ولمدة عام، وجدت المرافق فى حالة يُرثى لها، ولم يتم العناية بها أو الصرف عليها منذ مطلع الألفية، وترهّلت للدرجة التى أصبحت ماكينة العمل تسير فيها بحكم العادة، مثل صاحب المحل الذى يفتح محله ولا يبيع ولا يشترى، ويجلس يرش الماء، لكنه لا يعمل إلا لصالح من يملك فى الأغلب، وأنا كنت فى منطقة تضم 7 أحياء تقطن فيها كتلة سكانية تقترب من الـ10 ملايين نسمة من الطبقة الوسطى المدنية القديمة، وهى: «شبرا، حدائق القبة، الزيتون»، (ما عدا الزاوية الحمراء التى تمثل الطبقة الوسطى الجديدة)، وكانت تجربة غاية فى الأهمية بالنسبة لى.
عبارات «مصر شبه دولة» و«أننا فقراء جداً» حقيقية.. والحوادث ضد الأقباط تستهدف ضرب علاقتهم القوية بالرئيس
■ وما كواليس اختيارك لموقع نائب محافظ القاهرة عقب «25 يناير»؟
- كانت هناك مشكلة، فى تشكيل المحافظين الذى سبق التشكيل الذى شملنى، حيث منع السلفيون محافظ قنا القبطى أن يصل إلى المحافظة، وعند إعادة التشكيل الثانى، كانت هناك رغبة لدى السلطة فى أن تتجاوز هذه المشكلة، خصوصاً أمام الرأى العام فى الداخل والخارج الذى يتوقع عالماً جديداً فى مصر يناير، حيث ظهر أن البعض يريد أن يقر أمراً واقعاً بحرمان المصريين المسيحيين من المناصب العامة، وهو أمر غير مقبول ولا يتفق مع مصر جديدة نحلم بها جميعاً، كثيرون اعتذروا، وعندما عُرض الأمر علىّ قبلت أولاً ثم اعتذرت بعدها بيوم، ورشحت اسمين آخرين، لكن مع توالى الاعتذارات، أصبحت هناك ضرورة لتحمّل المسئولية، خصوصاً مع تدعيم الكثيرين من أصحاب الخبرة لأهمية هذا الأمر، كذلك ما وجدته من رغبة حقيقية من السلطة فى البلاد آنذاك، لوجود قبطى فى تشكيل المحافظين.
■ عند دخولك أول مرة للجهاز الإدارى للدولة.. صف لنا المشهد وكيف يتم التعامل مع الموظفين، وما أكثر شىء تعجّبت منه؟
- لدىّ خبرة فى المؤسسات الدولية التنموية، وعملت فى تنمية القرى وتقييم المشروعات التنموية لعشرين عاماً، لكن لم أعمل فى جهاز الدولة، ولكن لأننى أُتقن التعلم والتأمل ومارست التقييم، كان هدفى الأول هو الاستيعاب السريع لحال المحليات، وأنا لم أهتم بالإدلاء بأى تصريحات سريعة مثلما يفعل كثير من المسئولين الجدد عند توليهم مناصبهم، وكان همى فهم الظاهرة من داخلها، وأن أسلك بروح الباحث للإلمام بكل أبعادها، لذلك ظللت لمدة شهرين لا أُصرح حتى أفهم ما يدور، وأزعم أننى فهمت الكثير والكثير، والآن أنا أكتب كتاباً أسميه «الشفرة السرية للبيروقراطية المصرية»، (نشرت بعض حلقاته منذ عام).
■ وهل تعلمت طريقة فك الشفرة السرية للبيروقراطية؟
- أظن أننى استطعت فك الشفرة، وقد حاولت العمل فى حدود المتاح، معطياً أولوية لـ«مطالب الغلابة»، واكتشفت أن الحالة بائسة خصوصاً فى المحليات، فإننا متعسرون تقنياً، ولم تزل هناك أماكن تستخدم الآلة الكاتبة العتيقة ذات الشريط الحبر، ولا يوجد شىء اسمه إيميلات، هذا بالإضافة إلى نمط إدارى يتم السير فيه يمكن أن ترجعه إلى العشرينات، ومن يقرأ توفيق الحكيم فى «يوميات نائب فى الأرياف»، أو يحيى حقى، سوف يرى أن هناك مشاهد حالية لا تختلف كثيراً عما عبرا عنه، وغيرهما فى الماضى، عن واقع البيروقراطية المصرية.
■ فى مرحلة وضع الدستور عقب «25 يناير»، كنت طرفاً فى هذه الفترة، ما الذى تم فيها؟
- من إيجابيات «25 يناير»، أننى انخرطت بفاعلية فى كل الفعاليات التى اعتقدت أنها يمكن أن تبنى مصرنا الجديدة، بداية شاركت فى لجنة الحكماء، وعضوية مجلس حقوق الإنسان فى أبريل 2011، ورئاسة إحدى لجان مؤتمر الوفاق القومى الذى تولى رئاسته الراحل الدكتور يحيى الجمل، وأنجزنا ما يقرب من 40 بحثاً دستورياً كأساس لنصوص الدستور، مما خلق حالة من الحراك الدستورى غير مسبوقة تاريخياً، لم نُدرك قيمتها، خصوصاً عندما يتحرّش به البعض الآن.
«25 يناير» ليست «ثورة» بالمعنى العلمى وتمثل موجة أولى لـ«الحراك الشبابى الشعبى» القادم من «الطبقة الوسطى»
■ لكن الجهد المبذول فى الدستور توقف، ولم يؤخذ به ورأينا مشهداً آخر تماماً.. ما السبب فى ذلك؟
- إذا كنت تقصد لجنة المائة، أوافقك الرأى، وبالمناسبة فلقد كنت عضواً بها، لكننى اعتذرت عنها منذ اليوم الأول، منتصف يونيو 2012، واسمح لى بالتأكيد على التواريخ، حيث إنها تعد مهمة، وكتبت نصاً يعبر عنى وعن ثلاثة آخرين، عاد اثنان منهم إلى عضوية اللجنة لاحقاً فى سبتمبر التالى، مما يشير إلى أن تشكيل اللجنة بهذه الكيفية يؤدى إلى ما أطلقت عليه «دستور الغلبة»، وهو المصطلح الذى راج بعد ذلك، والدساتير لا تُكتب بهذا الشكل، فلجنة المائة تم تشكيلها لتكون الأغلبية فيها من تيار معين، ولا يوجد دستور يُكتب بطريقة الغلبة، فليس معنى الفوز بالانتخابات أن يكون نصيبك فى اللجنة أكبر من باقى الشركاء، لأن التصويت فى اللجنة وفق أغلبية من لون معين يؤدى إلى ما أطلقت عليه «شرعية الإكراه»، لأن الدستور ليس لتيار معين، بل للجميع، ويجب أن يكون دستوراً توافقياً، لذا رأينا النص الذى كاد يخرج، والذى تنبه البعض إلى خطورته فى اللحظة الأخيرة. ورأيى أن الجماعة تتحمل جزءاً كبيراً من المسئولية وكذلك من سايرهم، ويبدو لى أنهم لم يدركوا الدلالة الرمزية للانتخابات الرئاسية التى جاءت بهم.
■ ألا ترى أن منطق المشاركة من قبطى مع الإخوان كان أمراً يبدو غريباً؟
- أنا مواطن مصرى شارك بجدية فى الحيوية السياسية التى شهدتها مصر (ولا يزال)، لا أسلك أو أتحرك فى المجال العام من منطلق دينى وإلا يتناقض ذلك مع ما ناضلنا من أجله كتابة أو ممارسة فى تحقيق دولة المواطنة، التى هى جوهر الدولة الحديثة فى مصر، ومن منطلق الشراكة الوطنية التى كانت تمثل شرعية حراك 25 يناير، كان لدىّ يقين بأن الجميع من حقهم أن يمثلوا فى إدارة شئون البلاد، وأن يكون حاضراً فعلياً، فهى ليست منة، فإن ما يحركنا فى ذلك هو المصلحة العامة، ومدى ما يمكن أن ننجز فى هذا الإطار أو ذاك، لذا اعتذرنا عن اللجنة الدستورية فى يونيو 2012، ووافقنا على الانخراط فى الفريق الرئاسى كأول مصرى مسيحى يصبح مساعداً لرئيس الجمهورية بغض النظر عن هويته، لذا قلت آنذاك، إن رئيس مصر المنتخب لا بد أن يكون رئيساً لكل المصريين وفق شرعية الشراكة الوطنية، وإن زمن الرئيس الأب انتهى ولا بد من تأسيس زمن الرئيس البرنامج ومعه فريق، وهو يقين لدىّ ذكرته مبكراً فى كتابى المواطنة والتغيير فى 2006، إلا أنهم لم يدركوا عمق اللحظة ومدى تعقيدها.
■ وما كان شعورك عند تولى الإخوان الحكم؟
- كان عندى أمل أن الحالة الشراكية الجماعية تستمر، وأن يكون هناك تداول للسلطة، وأن يأتى آخر بلون جديد، وهكذا.
■ وكيف تم اختيارك مساعداً لرئيس الجمهورية آنذاك محمد مرسى؟
- تمت انطلاقاً من الشراكة الوطنية، وضرورة أن يكون هناك فريق رئاسى، وهو ما كان متفقاً عليه ضمنياً من قبل كل المرشحين وكانوا سيلتزمون به، حيث تحمل فكرة الفريق أننا ننتقل من مرحلة الرئيس الأب الفرد إلى الرئيس الفريق والبرنامج، فريق من ألوان طيف مختلفة، نظراً لأننا لم نزل فى مرحلة انتقال، كذلك تجسيد شرعية 25 يناير، وبالمناسبة كنت بعيداً عن أية اتفاقات، ولكن ربما لأننى كنت عضواً فى مناقشة المرشحين للرئاسة فى برنامج كان يقدمه الـ«cbc»، ما مهد الأمر فى هذا الاتجاه، كذلك علاقتى الوثيقة بكل القوى الوطنية، وأيضاً خبرتى التاريخية فى مجال الحوار الوطنى والإسلامى ما مهد الأمر لقبولى الموقع طالما لدىّ القدرة على الاعتذار إذا ما رأيت انحرافاً عن الشراكة الوطنية وشرعية 25 يناير، وهو ما حدث بالفعل، وقد حاولت أن أوظف موقعى كمساعد لرئيس الجمهورية لملف التحول الديمقراطى لصالح مستقبل مصر، حيث عملت فى هذا الملف جيداً من خلال بروتوكول مع إسبانيا، والإعداد لبروتوكول مماثل مع بولندا وألمانيا للتعلم والاستفادة من تجارب التحول الديمقراطى فى هذه الدول، وقد وثقت هذه التجارب فى ملفات أتمنى نشرها قريباً.
■ وهل كان هناك تواصل بينك وبين «مرسى»؟
- بدأ التواصل نشطاً ولكنه فتر، والاجتماعات كانت موجودة فى البداية ثم خفتت، ولكنى حاولت أن أنجز ما كُلفت به كما أوضحت، وكنت أقول إننى مندوب القوى الوطنية فى الرئاسة، ونظمنا آنذاك ندوة مهمة مع أهم باحث فى التحول الديمقراطى «فيليب شميتر» فى وجود كوكبة من رموز القوى الوطنية، وكانت لدىّ طموحات كثيرة وفق ما عرفته عن ملف التحول الديمقراطى، الذى اهتمت بعض الدول أن تساعدنا فى التعرف عليه، إلى أن أُعلن الإعلان الدستورى فانسحبنا، وانتقلنا إلى خندق محاولة استرداد 25 يناير.
أنا من المشاركين فى «30 يونيو» وسأروى ما حدث فى الوقت المناسب.. والمشهد الحالى: «قديم ينازع وجديد يصارع».. الاستثمارات فى مجتمعاتنا «شبكة امتيازات مغلقة» وعناصرها معروفة ومترابطة ومن الصعب النفاذ إليها وأهم شروطها الولاء التام
■ إذاً الإعلان الدستورى كان نقطة فارقة بالنسبة لك؟
- بالطبع كان نقطة فارقة، وأنا أسميته الإعلان الدستورى الاستبدادى، فهو يعلن رفضه الشراكة، والانحراف عن شرعية 25 يناير، و«يعطى كتف» لكل مؤسسات الدولة الجيش والشرطة والقضاء، فقلت بكل بساطة وفوراً ودون تفكير وبعد ساعة من إعلانه لن أستطيع أن أتحمل معك المسئولية.
■ هل شعرت وقتها أن الإخوان فى طريقهم للنهاية؟
- بالتأكيد.. لأنهم ضيعوا على أنفسهم وعلى مصر فرصة تاريخية، فإن الإخوان لم يفهموا المصريين، ويبدو لى أنهم تصوروا بتوقيعهم «كضامن» وهو التوقيع الأول الرسمى المصرى منذ «كامب ديفيد» على الهدنة بين إسرائيل وحماس قبل يومين من الإعلان الدستورى برعاية هيلارى كلينتون أنهم باتوا مطلقى اليد فى الداخل المصرى، إلا أنهم لم يتوقعوا رد فعل الشارع، ولا استجابة الجيش المصرى للفعل الشعبى، الذى انطلق من مدن القناة، بما يحمل ذلك من دلالة رمزية، الذى شعر أنه لا يستطيع أن يكمل معهم، وبدأ التحضير لـ30 يونيو.
■ ما الذى حدث فى هذه الفترة؟ وما كان دورك فى التحضير لـ30 يونيو؟
- أنا من المشاركين فى 30 يونيو، بأكثر مما تتخيل، وهى تجربة عمر أخرى ثرية، وسوف يأتى الوقت الذى نروى فيه تفاصيل ربما لم يحن موعدها الآن، وقد شاركنا فيها مع آخرين، فبعد تجربة الإخوان خشيت على مصر، ورغم أننى مؤمن بفكرة الشراكة الوطنية، إلا أن استئثار الإخوان بالحكم، وتهديدهم عبر وسطاء إما اللحاق بنا أو أن الدم سيكون للركب، فى اجتماع ضم عدداً من الرموز السياسية فى ديسمبر 2012 قد أسرع بتنامى ما أطلقت عليه «حظر التغول»، ولم تمض أيام حتى تبلورت جبهة الإنقاذ ثم حركة تمرد لرفض الاستبداد الدينى، وما إن توحدت السلطة مع رموز العنف الدينى التاريخى بدأت الانطلاقة الشعبية الوطنية فى تأكيد رفضها للاستبداد الدينى، والأهم تغيير هوية مصر الحضارية التى لم تكن يوماً فى خصومة مع الدين، وبدأت إرهاصات حركة تمرد فى مارس أو أبريل 2013، وكانت الذروة للأزمة عندما حدث توحد بين الإخوان ورموز العنف المصرى، وهذا أخطر ما فى الأمر، والمشهد الخاص بالاستاد فى مايو 2013، وكان يجلس رموز العنف التاريخى فى مصر.
■ وكيف ترى أداء الرئيس السيسى داخلياً؟
- أحياناً ما تخرج من الرئيس السيسى عبارات دالة جداً مثل «أن مصر شبه دولة» و«أننا فقراء جداً » فهذه العبارات رغم قسوتها أظنها حقيقية، وبالتالى يحتاج إلى معاونة، نظراً إلى أن «الشيلة كبيرة جداً»، وبالتالى من الضرورى توسيع فكرة الشراكة الوطنية، وتفعيل المجالس الاستشارية وعدم اقتصارها على ما أُطلق عليه «الخبير الموظف» وإنما تتسع العضوية لما يمكن أن نطلق عليه «الخبير المثقف»، لأن مشاكل مصر كثيرة ومركبة، ومن ثم تحتاج بالإضافة إلى العين المهنية والحرفية إلى العين السياسية والثقافية جنباً إلى جنب، ونتيجة لتراكمات وتسويفات لعقود، من وقت مبارك حدث تجميد للكثير من الملفات والموضوعات، وبات قدرنا أن نتعاطى معها فى وقت واحد.
■ وكيف ترى الإجراءات الاقتصادية الأخيرة وما تأثيرها على الطبقة الوسطى؟
- إنها مشكلة حقيقية، فالقاعدة الاجتماعية للرئيس السيسى هى الطبقة الوسطى، والدليل على ذلك عندما تمت دعوة المصريين للاكتتاب فى مشروع قناة السويس، استجاب المصريون بشكل مذهل، وتم تجميع 60 مليار جنيه فى 6 أيام، وأظنها أموال المصريين من الطبقة الوسطى، التى تمثل عموم المصريين، وطبقاً لإحصاء رسمى أعلنه اللواء أبوبكر الجندى فى جهد متميز، أن الطبقة المتوسطة فى مصر تبلغ 42% من إجمالى السكان، وعليه لا بد من النظر إلى هذه الطبقة ومراعاتها، وألا تكون الإجراءات الاقتصادية على حسابها، لأنها القاعدة الاجتماعية لتمرد 30 يونيو وحراك 25 يناير، وبالتالى من الأهمية احتضانها ورعايتها والاطمئنان عليها، خاصة أن الإجراءات الاقتصادية قاسية، بالإضافة إلى ملاحظات كثيرة تتعلق بالغموض حول النموذج التنموى الذى ننتهجه، وأظنه ملفاً يحتاج إلى نقاش معمق فى ضوء خبرات الآخرين بدون اختيار مسبق أو استعارة عمياء، كذلك فى ضوء المراجعات الجدية النقدية لليبرالية الجديدة التى تتم فى هذا الموضوع، إنهما مهمتان ضروريتان تاريخيتان، ربما التركيز على الحرب على الإرهاب، شغلنا عن ذلك، كما شغلنا عن استكمال التحول الديمقراطى.
■ لكننا رأينا تركيزاً فى الفترة الأخيرة على الأقباط سواء فى «البطرسية» أو «العريش»؟
- ما حدث فى البطرسية، وما تم فى الأيام الماضية، وإعلان «داعش» استهدافها للأقباط، يمثل ضغطاً فى اتجاه التراجع عن كل المبادرات التى قُدمت من قبل الرئاسة للأقباط وتعد غير مسبوقة، مثل ذهاب الرئيس بنفسه لمعايدة المصريين من المسيحيين، ويهنئهم رسمياً ليس باعتبارهم طائفة، وإنما هم مواطنون، والاعتذار لسيدة الكرم، ويبدو أن البيروقراطية لم تزل دون الاستجابة لما سبق، فقانون بناء الكنائس ورد فيه تعبير طائفة بالرغم من قانون الطوائف قد ألغى فى سنة 1890.
«الأجيال الرقمية» سبب وصولنا إلى أحداث 25 يناير لاصطدامهم بحالة الانسداد السياسى والاقتصادى بعد محاولتهم الشراكة فى السياسة والثروة
■ هل يمكن أن يكون هدف هذه الحوادث ضرب العلاقة القوية بين الأقباط والرئيس؟
- هو أحد المستويات بلا شك، ودائماً لا يوجد تفسير وحيد لمثل هذه الحوادث، حيث يمكن إضافة تفسيرات أخرى منها، لأنهم عجزوا عن مواجهة الجيش، ثم أن التنويع فى الاستهداف ينتج عنه ربكة وحالة ارتباك لا شك، وربما أيضاً لإفساد زيارة الرئيس لأمريكا.