باحثة تنال الدكتوراه في تنمية التذوق الفني للقيم الجمالية للفنون الإسلامية بجامعة حلوان
الباحثة رحاب محبوب علي الجزار
تمثل مسألة تذوق الفنون الإسلامية إشكالية كبرى، في إطار ما يبث عبر الأقمار الصناعية من إنتاج إعلامي يمثل إفراز ثقافات أخرى متعددة تهدد الهوية، وخاصةً أن الوطن العربي يُعد سوقاً استهلاكية كبرى للمفردات الثقافية باختلافها.
ومع تزايد أهمية مشاهدة التليفزيون لدى الأغلب الأعم من الشعوب العربية بات من الضروري استثمار انجذاب المشاهدين المتلقين تجاه التليفزيون لإحداث تعديل قيمي وسلوكي لمفاهيمهم الفنية وكذا تدعيم الهوية الثقافية لديهم وتنمية قدرتهم على تذوق الفنون الإسلامية ومفردات ثقافتنا.
وقد جاءت نظرية التلقي من مجال الأدب، للتأكيد على أفق جديد في أمس الحاجة له وسارعت إلى توضيح الضفة الأخرى من النهر؛ التي طالما تم غض الطرف عنها؛ حيث يكون القارئ والمتلقي أساسا لإنتاج معنى جديد للنص الأدبي أو الفني، في الفن التشكيلي التلقي هو التفاعل، هو نهاية السلبية وأحادية الخطاب الذي ظل طويلا محصورا في دراسات ومقاربات منهجية أسقطت على الدوام تلك الضفة، وحكمت عليها بالسبات.
حول هذا الموضوع نالت الباحثة رحاب محبوب علي الجزار درجة الدكتوراه من قسم النقد والتذوق الفني، بكلية التربية الفنية، جامعة حلوان، في دراستها بعنوان "نظرية التلقي لتنمية التذوق الفني للقيم الجمالية للفنون الإسلامية كمدخل لإعداد برنامج تلفزيوني مقترح".
تناولت الدراسة بالتفصيل نظرية التلقي تلك النظرية التي انصبت علي وظيفة الإعلام الجديد في محاولة للاستجابة لعصر التطور والخروج من الأساليب التقليدية القديمة في التواصل بين الرسالة الاعلامية والمتلقيين لها إلي أساليب تواصل جديدة.
فنظرية التلقي تبحث في العلاقة بين النص والمتلقي هذا الأخير المستحضر في ذهن المبدع أثناء عمليات الابداع، وهي النظرية التي "تركز من جهة على التفاعل بين النص والمتلقي؛ ومن جهة ثانية تركز على إبداع المتلقي، حيث جعلت منه المصدر النهائي والأساس والفاعل الحقيقي في إنتاج الدلالات. والارتقاء به وتثبيته قطباً فاعلاً في أطراف العملية الابداعية والتمحور حوله واستبعاد قولبته تبعاً للمبدع.
واستعرضت الدراسة بالتحليل استراتيجية سيكولوجية للمشاهدين في الاعلام وأوضحت أن الإعلام أحكم قبضته على الجميع، وأصبح يمتلك النصيب الأكبر في التنشئة الاجتماعية، والتأثير والتوجيه، والتربية وتحديد الهوية والتحكم في التوجهات والميول والقناعات.
وما لم يكـن المتلقي انتقائي فإن التيـار جارف ويكتسح كـل مغيب، وإذا كان التلقي الأدبي يقوم على أساس تناول ثنائية النص والقارئ، فإنّ التلقي الإعلامي يقوم على أساس تناول ثنائية الرسالة الإعلامية والمشاهد المتلقي، لأنّ الرسالة الإعلامية ما هي إلاّ عملية تفاعلية تحدث نتيجة تعرّض المشاهد المتلقي للبرامج التلفزيونية في زمن معين.
أن جماهير وسائل الإعلام قد تبدو أسيرة أطرها المرجعية والتفسيرية فى فهمها للمواد التى تقدم إليها، ونحن مهمتنا في هذا البحث أن نطرح وسائل من شأنها استغلال المواد التلفزيونية لتحرير المتلقين من تلك الأطر المرجعية لمساعدتهم في تنمية التذوق الفني استنادا الى ركائز سيكولوجية مؤثرة في فاعلية الرسالة الإعلامية وكذلك في فاعلية التلقي.
وحول تنمية التذوق الفني للمشاهدين، أوضحت الباحثة أن التذوق الفني في أبسط مفاهيمه هو عملية اتصال، وعملية الاتصال، تقتضي وجود طرفين أحدهما هو المرسل والثاني هو المتلقي بينهما قناة للتوصيل، ورسالة محمولة على هذه القناة. أو هو القطب الموجب في العلاقة الجمالية الناشئة بين المتلقي والأثر الجمالي.
واستعانت الباحثة بالعوامل المُعينة على تنمية التذوق الفني وطرق التذوق الفني ومداخل التذوق الفني ومراحل التذوق الفني
وبررت الباحثة أسباب اختيارها للفنون الإسلامية تحديدا لتنمية التذوق بها في هذا البحث، مشيرة إلى أن الفنون الاسلامية بمثابة إثبات هوية، وإثبات انتماء، وسند امتلاك. ولا أهمية للتراث ما لم يكن له وجود فى وجدان الشعوب
كما ان هناك قيمة ثقافية وفكرية وقد تكون سياسية ايضا وهي اجتماع أفراد المجتمع على ملكية موحدة، وعلى وعى مشترك، وانتماء مشترك تقوى روابطهم الوطنية، ويتأسس حسهم الوطني.
وهذا بالتحديد ما نسعى له في هذا البحث هو مجابهة الغزو الثقافي ومحاولة التشبث بهويتنا الثقافية والفنية لإيجاد معايير ثابتة لتدعيم قيمة تراثنا والحفاظ عليه وإدراك اهميته وضرورته في المرحلة الراهنة.
ولهذا كان اختيار الفن الإسلامي تحديدا كأحد روافد تراثنا التي لا ولن تنضب طالما سعينا لتأصيل هويتنا من خلالها.
وتوصلت الدراسة إلى إمكانية تصميم برنامج مقترح لتنمية تذوق القيم الجمالية للفنون الإسلامية باستخدام فلسفة نظرية التلقي في برنامج تلفزيوني مقترح. كما يمكن قياس مستوى هذا التذوق لدى الجمهور بتصميم مقياس قبلي وبعدي، أي قبل تعرض المشاهدين عينة البحث وبعد تعرضهم للبرنامج التليفزيوني المقترح لتنمية الذوق والذي أثبتت الدراسة فاعليته في هذا المجال.
أشرف على هذه الدراسة الدكتورة حكمت محمد بركات، أستاذ ورئيس قسم النقد والتذوق الفني السابق بكلية التربية الفنية (سابقا)، والدكتور نبيل عبد السلام، الأستاذ المساعد بالقسم نفسه، وناقشها كل من الدكتور علي محمد علي المليجي، أستاذ علم نفس التربية الفنية وعميد كلية التربية النوعية جامعة القاهرة الأسبق، والدكتور إيناس عبد العدل، أستاذ النقد والتذوق الفني قسم النقد والتذوق الفني كلية التربية الفنية جامعة حلوان، وقد منحت الباحثة درجة الدكتوراه مع التوصية بطبع الرسالة على قرص مدمج ونشرها بالكتاب الالكتروني وتداولها بين الجامعات.