الفرعون يغادر ليلاً: «الوطن» ترافق تمثال الـ«9 أطنان» فى رحلته من سوق الخميس بالمطرية إلى المتحف المصرى بالتحرير
عمليات شحن القطع الأثرية أعلى مقطورة لنقلها إلى المتحف المصرى
12 ساعة.. هى الفترة الزمنية التى استغرقتها عمليات إعداد وتجهيز القطع الأثرية التى تم استخراجها من منطقة سوق الخميس بالمطرية، والمكونة من خمس قطع، اثنتان منها قالت عنهما وزارة الآثار إنهما تعودان للملك رمسيس الثانى، وهما القطعتان اللتان رجحت مصادر أنهما تعودان للملك سونسرت الأول، فيما تعود القطعة الثالثة للملك سيتى الثانى، أما الرابعة والخامسة فهما قطع أثرية لمعبد الملك رمسيس الثانى.
«الوطن» عايشت عملية إعداد ونقل القطع الأثرية، بداية من عملية تحميلها، انتهاء بوصولها إلى المتحف المصرى بميدان التحرير.
الفرعون يغادر ليلاً
فى الرابعة عصراً بدأت القوات المسلحة فى إرسال سيارة نقل، «مقطورة»، و«ونش» تصل سعة تحميله إلى 70 طناً، ليتولى ضباط وجنود الجيش بدء تحميل جسد التمثال، المرجح نسبته للملك رمسيس الثانى، وذلك بالتعاون مع أفراد البعثة المصرية وعمال الحفائر العاملين مع البعثة الألمانية، لتستغرق عمليات تحميل جسد التمثال، الذى يصل وزنه قرابة تسعة أطنان، ساعة ونصف الساعة، بعد تدعيمه بألواح خشبية وتثبيته على طبقات مصنوعة من «الإسفنج» لامتصاص الصدمات.
عملية تحميل القطع الأثرية شهدت حضوراً كثيفاً لأطفال المدارس وأهالى المنطقة، رجالاً ونساءً.. تقول فاطمة محمد، طالبة بمدرسة «المسلة الإعدادية بنات»، والتى حضرت بزيّها المدرسى إلى موقع الكشف الأثرى: «خلصنا يوم الدراسة بدرى عشان الامتحانات قلنا نيجى نتفرج على نقل التمثال»، لكنها غادرت المكان فى الرابعة والنصف حتى لا تعاقبها أمها على التأخير.
شائعات إخلاء المنطقة المجاورة لموقع كشف التمثال ترعب الأهالى.. والسكان: «إحنا فقرا وعايزين الحكومة تطمنّا»
النجاح فى تثبيت القطعة الأكبر لجسد التمثال لاقى تصفيقاً حاداً من الأهالى، تزامن معه إشعال الألعاب النارية وقيام البعض بتخطى الحاجز الحديدى الذى وضعته قوات الأمن من قطاعات الآثار والسياحة والأمن العام، ما اضطر قوات التأمين إلى وضع حواجز حديدية على مداخل ومخارج الشوارع الضيقة المطلة على موقع الكشف الأثرى. وأمام أحد المنازل جلست سيدة فى منتصف العقد السادس، على وجهها قلق، تتأمل نظرات السائرين لعل أحدهم يُدخل الطمأنينة على قلبها بعد ترديد أهالى المنطقة أقاويل عن احتمالية إخلاء المنازل الملاصقة للكشف الأثرى من سكانها استكمالاً لعمليات الحفائر فى المنطقة.
تقول «أم محمد» إن أغلب سكان المنطقة لديهم خوف من أن يكون اكتشاف التمثال بداية لعمليات إخلائهم من مساكنهم، لافتة إلى أن أكثرية أهالى المنطقة يعيشون على الكفاف ولا يستطيعون ترك منازلهم والسكن بمنازل بديلة، ورغم تأكيدات البعثة المصرية الألمانية عدم نيتهم المساس بالمبانى السكنية، وأنهم يضعون سلامة تلك المبانى على قائمة أولوياتهم، فإن الأهالى ما زالوا فى انتظار «الحكومة تطمّنهم». «ديتروش رو»، رئيس البعثة الألمانية، والذى جاء فى العاشرة من مساء أمس الأول لمتابعة عمليات تثبيت القطع الأثرية التى انتهت منها القوات المسلحة فى السادسة مساءً، تابع آخر التطورات فى موقع الكشف الأثرى، وكشف أن البعثة الألمانية واجهت مشكلات كبيرة فى عمليات استخراج جسد التمثال، كان على رأسها تدفق المياه الجوفية بكثرة بعد عمليات سحبها بخمسة مواتير، وتم بعدها التوقف عن سحب المياه حتى لا تحدث خلخلة فى المبانى المجاورة، خشية سقوطها.
«رو»، الذى عمل فى الموقع الأثرى منذ 2012، استخرج خلالها قرابة 50 قطعة، أبدى إعجابه الشديد بردّ فعل أهالى المطرية أثناء استخراج جسد التمثال، الاثنين الماضى، خاصة فيما يتعلق بهتاف «المطرية أرض الحضارة»، والزغاريد التى أطلقتها النساء فى أرجاء الموقع، كاشفاً أنه كان يستعين بأهالى المطرية فى تأمين عمل البعثة الألمانية، وأنه كان يطلب من أصحاب البيوت المجاورة للموقع دعمه فى عمله، مؤكداً أنهم لم يتأخروا فى المساعدة.
وعن استمرار الحفائر بالموقع، قال الباحث الألمانى، إن أعمال البعثة ستستمر حتى نهاية مارس الحالى، وستقوم البعثة المصرية باستكمال أعمال الحفر فى الجزء المتبقى من الموقع.
الأثرى الألمانى، الذى يعمل فى مصر منذ عام 1988، أبدى استياءه من الهجوم الشديد الذى لقيه عمال الحفائر أثناء استخراج رأس التمثال، قائلاً: «اشتغلت معاهم طول فترة عملى فى مصر ورئيس العمال كنت أعرفه عندما كان عمره 14 سنة، حيث عملت مع والده وجدّه، وهم يتميزون بمهارة عالية فى عملهم ويعرفون كيف يتعاملون مع الأثر بشكل جيد وبخبرات هائلة».
لم تمر لحظات على إشادة «رو» بعمال الحفائر حتى التقت «الوطن» بعامل الحفائر الذى انتشرت صورته على مواقع التواصل الاجتماعى، وهو يقوم بغسل رأس الأثر مستخدماً «دلواً» ممتلئا بالمياه الجوفية، والتى لاقت هجوماً كبيراً لا يجد له الرجل سبباً، فهو أدرى بمهنته التى تعلمها من والده وجده، حسب قوله. خالد عبدالفتاح، عمره 32 عاماً، يعمل فى مجال الحفائر منذ أن أتم عامه الـ18، أى إنه قضى نصف عمره يتعامل مع الآثار، يراها أكثر مما يرى عائلته، يقول «خالد» إنه بعد نزول الصور على الإنترنت انهالت عليه المكالمات التليفونية، ليهنئه المقربون على الشهرة، فأقاربه وأهل بلده يعلمون جيداً أن ما فعله «خالد» شىء معتاد، ورد خالد على مهاجمته والسخرية منه عبر «فيس بوك» بقوله: «مش هقدر أقول غير الله يسامحهم لأنهم مش فاهمين شغلى ومش عارفين طريقة التعامل مع الأثر وتنظيفه، شغل الآثار صعب، لكن الناس اللى اتريقت عليا مش مقدّرة شغلى». ينتهى حديث «خالد» على صوت قدوم ثلاثة أوناش تابعة لإدارة مرور القاهرة، تبعها العديد من السيارات الضخمة المحملة بحواجز حديدية، «صدادات»، لغلق المدخل الرئيسى للموقع الأثرى، وخروج السيارات وتنظيم حركة المرور لجعلها أكثر انسياباً أمام حركة سيارة نقل التمثال والقطع الأثرية، وداخل الطريق الرئيسى المؤدى إلى الموقع الأثرى اصطف عساكر الأمن المركزى لتأمين المسار بطول الطريق. فى الساعة التاسعة مساءً، حضر مدير أمن القاهرة، اللواء خالد عبدالعال، يرافقه مدير الإدارة العامة لمرور القاهرة، اللواء علاء متولى، لتفقد الحالة الأمنية والمرورية فى موقع الكشف الأثرى ومراجعة خط سير تحرك موكب التمثال إلى المتحف المصرى بميدان التحرير.
رئيس البعثة الألمانية، «ديتروش رو»، فجّر مفاجأة عن هوية التمثال، قبل ساعة من تحرك موكبه باتجاه ميدان التحرير، وقال إن الصفة التشريحية لجسد التمثال تفيد بأنه لا يخص الملك رمسيس الثانى، لافتاً إلى أنه ربما يعود إلى ملك آخر جاء بعد رمسيس الثانى وقام بوضع تمثاله فى مقدمة معبد الملك رمسيس الثانى، لافتاً إلى أنه جارٍ كشف هوية الملك صاحب التمثال المكتشف.
وأوضح «رو» أن معبد الملك رمسيس الثانى تعرض للهدم على مدار العصور التاريخية، فالرومان قاموا بتكسيره والاستعانة بأحجاره فى بناء بعض المعابد فى الإسكندرية، وفى العصر المملوكى والفاطمى استعان به الأهالى فى بناء المنازل والمساجد، ما يفسر وجود التمثال على هيئة قطع مكسَّرة. بدأت عملية تحرك موكب التمثال، تتقدمه أربع دراجات نارية تابعة لقسم الانضباط المرورى بالإدارة العامة لمرور القاهرة، وثلاث سيارات نجدة لإخلاء الطريق أمام سيارة موكب الملك المجهول المُغادر، بالإضافة إلى سيارتين تابعتين لقوات التدخل السريع وسيارة من قسم المفرقعات بوزارة الداخلية، وسيارة تابعة لإدارة الحماية المدنية.
ولاقى خروج موكب التمثال اهتماماً كبيراً من أهالى المنطقة الذين وقفوا على جانبَى الطريق لتصوير الموكب عبر هواتفهم المحمولة، وقام بعضهم بمساعدة الإدارة العامة لمرور القاهرة فى تنظيم حركة سير الموكب. عملية نقل التمثال استمرت ثلاث ساعات بدأت من الواحدة، صباح الخميس حتى الرابعة فجراً، حيث تحركت سيارة الملك فى تمام الواحدة صباحاً سالكة مطلع الطريق الدائرى من منطقة «مسطرد»، وقطعتها سيارة القوات المسلحة فى مدة ساعة ونصف الساعة، حيث سارت بمعدل سرعة تراوح بين 20 و40 كيلومتراً فى الساعة، كما توقفت السيارة مرتين حتى يتمكن السائق من تنظيف الزجاج ومسحه من نتائج الشبورة المائية التى بدأت تكسو الأجواء ليلاً.
عملية نقل التمثال على «الطريق الدائرى» امتازت بالسيولة المرورية، نظراً لاتساع الطريق وقوة الإضاءة، حيث كانت جميع أعمدة الإنارة على جانبَى الطريق تعمل بكامل قوتها، على غير العادة. وصل الموكب عند جامعة القاهرة عبر نزلة «صفط اللبن»، إلى أن اعتلت السيارة كوبرى أكتوبر، متخذة من نزلة ميدان التحرير آخر محطة لها وللتمثال، وعلى بوابة ميدان التحرير ومقابل بوابة المتحف المصرى كان الوجود الأمنى كثيفاً، حيث كان مدير أمن القاهرة وعدد من القيادات الأمنية فى انتظار الموكب، ولم يسمح أمن المتحف بدخول الصحفيين والإعلاميين، واكتفوا بإدخال فريق تغطية التليفزيون المصرى، مرددين أن هناك تعليمات أمنية بعدم دخول الصحفيين.