مواقف البطريرك الوطنية توجته «بابا للعرب»
«شنودة الثالث» خلال زيارته للجنود على الجبهة «صورة أرشيفية»
«بابا العرب»، لم يُمنح البابا شنودة هذا اللقب من فراغ بل يقف وراءه العديد من المواقف الوطنية التى سجلت على مدار مسيرته على الكرسى البابوى، فمن تخرج فى صفوف القوات المسلحة المصرية كضابط احتياط، لم تتراجع العقيدة الوطنية من مخيلته، حيث التحق بالكلية الحربية كمتطوع عام 1947، ورغم اندلاع حرب فلسطين عام 1948، إلا أنه لم يستدع للقتال، ويؤكد البابا شنودة أن هذه السنة التى قضاها بالكلية الحربية كان لها أثر بالغ فى حياته فى تعلم الانضباط.
التحق بالكلية الحربية فى شبابه.. ناصر القضية الفلسطينية وهاجم إسرائيل.. وقف على الجبهة فى حرب أكتوبر
وقع العدوان الثلاثى على مصر، وكان البابا وقتها فى قلايته بدير السريان يتعبد ربه، وحينما وقعت الهزيمة عام 1967 كان شنودة أسقفاً للتعليم بالكاتدرائية، إلا أن القدر كان له قرار آخر حينما وقعت حرب 1973 فقد كان شنودة على الكرسى البابوى يحكم الكنيسة القبطية، وكان له إسهامه فى الإمداد الحربى للقوات المسلحة، بالدعم والتشجيع، حيث زار جبهة القتال قبيل حرب أكتوبر، والتقى بقادة القوات المسلحة والضباط مرتين، الأولى يوم 14 أبريل عام 1972، والثانية يوم 4 فبراير عام 1973، وعندما نشبت الحرب بين مصر وإسرائيل، قامت الكنيسة بقيادة البابا بدور وطنى وتاريخى، لتقدم الدعم المعنوى والسياسى للوطن أثناء الحرب، من خلال توفير الأدوية والمساعدات الإنسانية، ودعم المجهود الحربى.
وأصدر البابا العديد من المنشورات التى أرسل بعضها إلى الجنود على الجبهة، والشعب المصرى ككل فى وقت الحرب، دحض خلالها فكرة أن «إسرائيل هى شعب الله المختار»، مشدداً على أنها لا أساس لها من الصحة، وقال البابا فى أحد منشوراته: «إننا لا نخوض حرباً عدوانية ولا نعتدى على أملاك أحد، بل إننا نحارب داخل أراضينا، دفاعاً عنها، لهذا فإن بلادنا تحارب بضمير مستريح، وبقلب نقى، بل إنها كسبت إلى جوارها ضمير العالم، غير المتحيز، المحب للعدل».
وقال فى بيان آخر: «إن سيناء لم تكن يوماً موطناً لإسرائيل، بل كانت على العكس، أرض متاهة ومكان تأديب، فعندما خرج بنو إسرائيل من مصر، يقول الكتاب المقدس إن الله شاء أن يتيهوا فى برّية سيناء، وقضوا 40 سنة، حتى مات كل المتمرّدين والعصاة، ولم يبق من بنى إسرائيل سوى اثنين، فأرض سيناء هى التى شهدت العجل الذهبى الذى صنعه بنو إسرائيل، وسجدوا له، وقدّموا له الذبائح، وهكذا نجّسوا الصحراء النقية بعبادة الأوثان، وأرض سيناء شهدت تذمّر بنى إسرائيل على الرب من أجل الطعام والشراب، وبكوا، وقالوا من يطعمنا لحماً؟ بل تمرّدوا على موسى وهارون، وأرادوا أن يرجموهما فى سيناء».
وفى الدقائق الأولى للحرب عقدت الكنيسة اجتماعات متتابعة لمساندة الجيش وتنظيم عدة زيارات للجنود الجرحى فى المستشفيات يوم 22 أكتوبر عام 1973، بالإضافة إلى زيارة الجبهة يوم 24 مارس 1974 بعد انتهاء العمليات العسكرية.
مواقف البابا الوطنية جعلته يقف متحدياً الرئيس السادات رافضاً زيارة تل أبيب، ومعلناً رفضه لاتفاقية كامب ديفيد للسلام، بل زاد عليه بإصدار قرار من المجمع المقدس للكنيسة القبطية معمول به إلى يومنا هذا، الخاص بمنع زيارة الأقباط للقدس، ليعزله السادات عن منصبه ويحدد إقامته بالدير، وعقب إفراج الرئيس الأسبق حسنى مبارك عنه فى 1985، تمهد الطريق للبابا ليشارك فى الاحتفال برفع علم مصر على طابا فى 19 مارس 1989.
ومن المواقف الوطنية للبابا الراحل، عقده مؤتمراً شعبياً داخل الكاتدرائية المرقسية بالعباسية عام 2002، لتعضيد الرئيس الفلسطينى الراحل ياسر عرفات، الذى حدد الاحتلال الإسرائيلى إقامته فى رام الله، وقام البابا بإجراء مكالمة تليفونية مع «عرفات» أعرب خلالها عن تضامنه معه ومصلياً له لاجتياز محنته ومؤكداً مساندة الكنيسة له فى مواقفه الوطنية.