البيروقراطية و«الحرس القديم» والإعلان المكمل.. عقبات أمام مشروع «النهضة»
فى ثمانينات القرن الماضى، حاول ميخائيل جورباتشوف، رئيس الاتحاد السوفيتى، إعادة بناء دولته الشيوعية المنهارة، غير أن مشروعه باء بالفشل، لعدم استعداد المؤسسات الروسية التى سيطر عليها رموز الحرس القديم، ولا يختلف المشهد فى 2012 فى مصر كثيراً عنه فى 1985 فى الاتحاد السوفيتى، فالمؤسسات المصرية لا تزال بنفس قياداتها القديمة، تعانى من أمراض يصعب الشفاء منها، خمول لا يمكنها من حمل مشروع النهضة، الذى يأمل الدكتور محمد مرسى تمهيد الأرض له فى فترة رئاسته الأولى للجمهورية.
تقول الدكتورة كريمة الحفناوى، العضو المؤسس بحركة كفاية، إن المؤسسات الموجودة حالياً لن تدعم تنفيذ أى مشروع، سواء كان مشروع محمد مرسى أو غيره، لذا لا بد أن تطهر جميع مؤسسات الدولة أولاً، وهذا التطهير لن يحدث إلا بإزاحة قيادات الصف الأول بهذه المؤسسات، ممن كان، ولا يزال، ولاؤهم للرئيس المخلوع، موضحة أنها تؤمن بحتمية الصراع من أجل تطبيق مشروع جماعة الإخوان المسلمين، قائلة «الرئيس المقبل، أياً كان شخصه، لا بد أن يكون جراحاً لا يقبل بالوضع الحالى، بل يبتر كل مرض ويقوِّم كل اعوجاج، ولا شك أن كل مؤسسات الدولة تعج بمشكلات داخلية تقضى بحتمية الصدام بين قادات هذه المؤسسات وبين الرئيس المقبل الذى ينشد التغيير والإصلاح».
وتجيب عضوة حركة كفاية عن سؤال «كيف يكون شكل المواجهة الأمثل مع رءوس المؤسسات الرافضة للإصلاح؟»، قائلة «لا بد أولاً من تأسيس وزارة ائتلافية تضم كل فئات الشعب من يساريين وليبراليين وإسلاميين، بشرط أن يكونوا من الأكفاء، ولا بد أن يتعامل الدكتور مرسى بجدية مع فكرة المجلس الرئاسى المدنى، الذى يضم آخرين من رموز المعارضة والثورة، خصوصاً أن الحكومة الائتلافية والمجلس الرئاسى وحدهما سيضمنان للرئيس المنتخب فرصاً أكبر للنصر فى معركته مع الحرس القديم بمؤسسات الدولة».
ويحاول الدكتور حمدى حسن، المتحدث الرسمى لجماعة الإخوان المسلمين، أن يرسم شكلاً لمؤسسة الرئاسة والسلطة التنفيذية، فى ضوء مشروع النهضة الذى قدمته الجماعة كبرنامج لمرشحها الفائز فى انتخابات الرئاسة، الدكتور محمد مرسى، فيقول «بعيداً عن انتمائى لجماعة الإخوان المسلمين، فمشروع النهضة إن تم تطبيقه كما خُطط له، فسيكون لكل الكفاءات بالبلد حظ متساوٍ فى الحصول على حقيبة وزارية فى حكومة مرسى»، مؤكداً أنه رغم رغبة القائمين على البرنامج فى الإصلاح، إلا أنه لا يسعى إلى الصدام الحاد مع كل المعينين فى عهد الرئيس السابق، قائلاً «ليس كل من عينوا فى عهد مبارك ضمن الفاسدين، فكما أكد الدكتور مرسى، لا يزيد المفسدون بمؤسسات الدولة على 200 أو 300 فرد، هم من يعارضون بشدة أى سياسة للإصلاح، وهؤلاء من سيتعامل معهم بشكل قاسٍ إذا ثبتت ضدهم أى جريمة فساد أو محاولة لإعاقة مسيرة النهضة، التى ستبدأ مرحلتها الأولى 4 سنوات مع وصول مرسى لكرسى الرئاسة، وتمتد لعشرين سنة سيكون من أهم أعمدتها الحكومة، التى ستكون ائتلافية تضم كل فئات المجتمع من الأكفاء».
وبعيداً عن الصدام المتوقع بين الدكتور محمد مرسى، الساعى لتمهيد الطريق أمام مشروع النهضة، والمحسوبين على النظام السابق فى جهاز الدولة التنفيذى، توجد عقبة ثانية بهذه المؤسسات هى عقبة «البيروقراطية»، أو الروتين الحكومى، الذى يعتبره حسن أخطر ما قد يهدد المشروع الطموح الساعى للانطلاق للأمام، حيث يقول «مشروع النهضة لن تكتب له الحياة طويلاً فى ظل البيروقراطية، أو فى ظل محاولات الاغتيال، إذا لم يتصدى لها الجميع، والأكيد أن الدكتور محمد مرسى رغم خطابه التصالحى مع حتى التابعين للنظام السابق، ومحاولاته تقليص قائمة من يمكن اعتبارهم ضمن النظام السابق، فإنه لن يجد بداً من تطبيق القانون على من يعترض مسيرة النهضة، خصوصاً فى نقاطها العاجلة التى تسعى لتحقيقها فى السنوات الأربع الأولى من تحقيق للأمن، وتوفير للاحتياجات الأساسية، وتحسين المواصلات بين أقاليم الدولة».
وتحاول الناشطة الحقوقية داليا زيادة، مدير مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، أن تضمن دوراً للمجتمع المدنى على أجندة الرئيس الجديد للمشاركة فى تنفيذ مشروع النهضة، مؤكدة أن دور منظمات المجتمع المدنى «مهم لأنه يقوم بتبسيط سياسة الحكومة وخطاباتها وقراراتها وينقله للشارع بشكل يمكن الرجل البسيط من فهمه واستيعابه والتحمس له».
وتذكر زيادة أن دور المجتمع المدنى مهم جداً خصوصاً فى ظل وجود احتمالات للصدام بين ممثلى الثورة وممثلى النظام السابق، لأنها ستكون همزة الوصل بين الرئيس والحكومة وبين الشعب بما يوصل للمواطنين البسطاء أهمية انتهاء هذا الصراع بانتصار ممثلى الثورة الرئيس وحكومته، كما يمكنها لعب دور ثانٍ كحارس للحقوق والحريات، ولذلك تنصح زيادة بضرورة «إعادة النظر فى أهمية تعظيم دور منظمات المجتمع المدنى فى العمل جنباً إلى جنب مع الحكومة فى مشروع البناء».
الدكتور عمرو هاشم ربيع، الباحث السياسى، ينظر إلى المشهد الحالى من منظور مختلف ففى ضوء التحديات الراهنة يرى ربيع أن «دور الرئيس المقبل غاية فى الصعوبة، خصوصاً فى ظل وجود الحكم العسكرى المهيمن على كل مؤسسات الدولة، والذى يبطئ من خطى الإصلاح»، ويشير ربيع إلى الإعلان الدستورى المكمل الذى أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة قائلاً إن «الإعلان الدستورى يقيد الرئيس ويشل حركته، نظراً لتقليص صلاحيات الرئيس واستمرار المجلس العسكرى فى سدة الحكم».