مساجد بلا تأمين.. وخلافات «الأوقاف» و«الآثار» تُهدد التراث
صورة أرشيفية
فى الوقت الذى انشغلت فيه وسائل الإعلام بعملية النقل الخاطئ لرأس التمثال المكتشف بمنطقة المطرية، وعلت الأصوات للمطالبة بمحاكمة المسئولين عن تلك الكارثة، لم ينتبه كثيرون لكارثة من نوع آخر لحقت بالآثار وتهدد نحو 167 أثراً إسلامياً ضمن مئات بل بالأحرى آلاف القطع الأثرية غير المسجلة كآثار إسلامية.
فبعد أقل من شهرين من سرقة مشكاوات مسجد الرفاعى عاود اللصوص الكَرّة، فنجحوا فى خلع باب مقصورة السلطان الكامل بمسجد الإمام الشافعى، وسرقوا قطعاً زخرفية من مقصورة الإمام الشافعى، فى غياب تام للمسئولين الذين تركوا المسجد بما يحويه فى حماية بعثة مركز التدريب الأمريكى موكلين إليها حمايته وترميمه وصيانته ليستيقظ المصريون على خبر سرقته فى التاسع من مارس الماضى.
«جمعة»: تكاليف تطويرها 10 أضعاف تكلفة الطلاء العادى.. و«عزب»: قانون حماية الآثار هو الأغبى على مستوى العالم ونعمل على تعديله
والنتيجة والمحصلة لكل مرة تحدث فيها سرقات لمساجدنا الأثرية اتهامات متبادلة بين وزارتى الأوقاف والآثار، تنتهى بضياع المسئولية عن سرقات المساجد بل ضياع الآثار بلا رجعة.
وقد بدأ عام 2017 بجريمة فى حق الآثار، استكمالاً لوقائع سرقة مقتنيات وأجزاء أثرية من المساجد، حيث اختفت 6 مشكاوات أثرية من مسجد الرفاعى بالقاهرة، ثم تمر الأيام ونفاجأ بسرقة باب مقصورة السلطان الكامل وأجزاء من قطع فنية زخرفية من ضريح الإمام الشافعى.
السرقات تذكرنا بمسلسل طويل فيه من العجائب التى لا تصدق، ومن ضمنها سرقة منبر السلطان «قانيباى الرماح» عام 2010، وأجزاء من منبر مسجد «تُغرى بردى» عام 2014، وسرقة أجزاء رخامية من الجامع الأزرق بالدرب الأحمر، وسرقة شباكين نحاسيين من مسجد القاضى عبدالباسط بالقاهرة.
ومن قبل ذلك، سرقة «النص التأسيسى» من المنبر الخشبى لمسجد «تمراز الأحمدى»، والنص التأسيسى لإيوان السادات الثعالبة التابع لمنطقة الإمام الشافعى، والحشوات الفضية من باب مسجد السلطان برقوق بشارع المعز، وسرقة أجزاء من الباب الخشبى لمسجد الأشرف برسباى الأثرى بمنطقة الجمالية، وسرقة حشوات منبر مسجد السلطان الأشرف قايتباى بصحراء المماليك، وحشوات جانبى منبر مسجد الطنبغا الماردانى، وسرقة بعض حشوات منبر مسجد أبوحريبة، وسرقة العديد من حشوات مسجد المؤيد شيخ التى تكررت نحو ثلاث مرات، وحشوات بابى الروضة من منبر مسجد أزبك اليوسفى، وحشوات وزخارف الأطباق النجمية المكونة للمنبر وكرسى المصحف من مسجد جانم البهلوان بالمغربلين بمنطقة الدرب الأحمر.
سلسلة طويلة من السرقات ازدادت بشكل كبير عقب ثورة 25 يناير 2011، وطالت المطارق النحاسية والفضية وحشوات المنابر وأبواب المساجد ومقاعد المقرئين والمشكاوات.
ويقول الدكتور خالد عزب، رئيس اللجنة الوطنية للمتاحف بمنظمة الإيكوم: «لا بد أن نعى أنه لا توجد حدود فاصلة بين مسئولية الأوقاف والآثار عن المساجد الأثرية، وأنه يجب ألا تقتصر مسئولية الأوقاف عند إقامة الشعائر، وأنها مسئولة بشكل كبير عن حماية المساجد وآثارها ومنقولاتها»، مشيراً إلى أنه ليس من الغريب فى ظل ما نشهده من إهمال أن يستهدف اللصوص باب مقصورة السلطان الكامل بمسجد الإمام الشافعى لأنها منطقة مفتوحة، وهو أثر نادر يعود للعصر الأيوبى، بل من أندر القطع النفيسة التى نملكها، وقيمته غالية جداً. ولفت «عزب» إلى أن أغلب المساجد والأضرحة الأثرية لها وقفيات تخصص للصرف عليها، وبالرغم من ذلك تتحجج «الأوقاف» بعدم وجود مخصصات، وعلى وزارة الآثار المطالبة بتلك الوقفيات.
وتابع: «هناك عدد من الخطوات يجب البدء فيها أولاً، ويجب علينا وبشكل سريع نقل الآثار المنقولة خارج المساجد إلى مخازن معدة مسبقاً ومهيأة لحين توفير متاحف لاستقبالها، وذلك نظراً لأننا لا نملك رفاهية الوقت فى مواجهة اللصوص الذين يتحركون بشكل سريع وذكى وبوعى بقيمة الأثر، فلا يجب علينا انتظار تشكيل لجان ينبثق عنها لجان للتسجيل ومن ثم اتخاذ قرار النقل».
هذا أولاً، أما ثانياً فيجب علينا رفع الوعى خاصة فى الأماكن ذات الكثافة بأهمية الأثر وتأثيره، وأن نحسن علاقة الناس بالأثر بأن يكونوا على ثقة بأن الأثر يؤثر عليهم اقتصادياً واجتماعياً ويدر دخلاً عليهم، وبذلك سيتصدى أهل المنطقة للحفاظ على الأثر. وثالثاً: أن يتم تغيير منظومة المراقبة بمنظومة أخرى أكثر حداثة، فمن الغريب أننا ما زلنا نتحدث فى عدد البشر الذين يحتاجهم الأثر لتأمينه، ولا نتكلم عن التكنولوجيا التى نحتاجها لتأمين الأثر بعمل وحدات مراقبة بالكاميرات تلحق بالمساجد، وبصمة للأثر، نظراً لأن البصمة الرقمية ثلاثية الأبعاد تحفظ لمصر حقها فى الأثر.
ورابعاً: أن نعمل بشكل عاجل على تعديل قانون الآثار، الذى يعتبر فى رأيى أغبى قانون آثار فى العالم، فهو قانون تراكمى بدأ منذ عهد الخديو توفيق، ومن يعملون فى الآثار مظلومون فى ظل هذا القانون لأنه لا يعطيهم السلطة على الأثر، كما أنهم لا يملكون من الأدوات ما يؤهلهم لحماية الآثار، ومن غير الطبيعى أن يكون لدينا شرطة متخصصة وفريدة من نوعها هى شرطة السياحة والآثار، وبالرغم من ذللك نُسرق ولا نحصل على إجابات حول لماذا نسرق. وفيما يخص القانون الدولى، قال «عزب»: «فى 2006 كان هناك تحالف مع الصين واليابان والهند تجاه أوروبا والولايات المتحدة التى سرقت آثارنا ولم تُعدها، وكان هذا التحالف بمثابة قوة ضاغطة لاستعادة الآثار. ويجب أن نعود إلى هذا التحالف، كما يجب علينا مطالبة تركيا بإعادة ما لديها من آثار مهمة، ومنها سيفا السلطان قايتباى والغورى، اللذان خرجا عنوة». ويقول الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، إن الوزارة صرفت نحو 20 مليون جنيه على تطوير المساجد الأثرية خلال 2015-2016 من الموارد الخاصة بها دون تحميل الدولة أى أعباء.
وأضاف «جمعة»: إن تطوير المساجد الأثرية أمر «غاية فى ارتفاع التكاليف وغاية فى الدقة»، ولا يمكن للأوقاف تطويرها بشكل منفرد، لذلك تتعاون مع وزارة الآثار لتقوم «الآثار» بالتنفيذ، فى حين تتولى «الأوقاف» مهمة الإشراف وتحمل التكاليف. وأوضح: «تكاليف تطوير المساجد تكون فى الغالب 10 أضعاف تكلفة الطلاء العادى، بسبب وجود رسوم كثيفة فى المبانى الأثرية، ما يجعلها جاذبة للعين وتدل على عبق التاريخ، مشيراً إلى أن بعض المساجد تغير لونها نتيجة العوامل الجوية، وتسعى الآثار لاستعادة ألوانها مرة أخرى».