بروفايل| الطاهر مكي.. أزهري اللغة أندلسي الهوى ويساري التوجه
الطاهر أحمد مكي
نشأة أزهرية وفكر يساري، كانا وجهتان لشخص واحد، حالفته الأقدار منذ نعومة أظافره بإنشاء أول مدرسة بقريته النائية في محافظة قنا في عام مولده، حتى يجد الزعيم سعد زغلول كيانًا يفتتحه حينما يمر منها، ولإنصافه مرة أخرى أنشأ معهدًا أزهريًا في محافظته عند إنهاء الدراسة الأساسية، فلتحق به بدلًا من الذهاب إلى أسيوط، وللمرة الثالثة يسوقه القدر للتعرف على معلم يرشده على مدينة النور ليزيدها علمًا.
ولد الأديب "الطاهر أحمد مكي" في أبريل من العام 1924، وتوفي في الشهر ذاته بعد مرور 93 عاما، جاء إلى القاهرة في الأربعينيات من القرن العشرين، ملتحقًا بكلية دار العلوم حيث جاء إلى القاهرة متشبعًا بحفظ القرآن وعلوم اللغة والشعر من خلال تعلمه بالمعهد الأزهري، منخرطًا في مدينة النور، وواظب على حضور محاضرات بالجامعة الأمريكية للاستماع إلى كبار المثقفين والمستشرقين في قاعة "إيوارت بالجامعة، التي استمع فيها إلى طه حسين للمرة الأولى.
أما عن النشأة الأزهرية، فلم تمنعه من الانخراط في العالم اليساري، الذي دفعه للقراءة والتثقيف حتى صار رئيس تحرير أول مجلة نقد يسارية في السبعينات، عندما ترأس تحرير مجلة أدب ونقد، تلك الفترة التي أراد فيها السادات التوفيق بين جبهات اليمين واليسار ليتم اختياره، رغم تركه للحركة الشيوعية في العام 1948 بالتزامن مع وجود "إسرائيل" ورفضه لسياسة الحركة التي أحسها مؤيدة للكيان الصهيوني، ورغم أن ذلك الفكر كان في محاضراته لم يتعامل مع الطلبة على أساس أيديولوجي، ولم يقف مرة مع أستاذ أو طالب على أساس المذهب السياسي أو العقائدي، ولم يكن مهتمًا في الجامعة غير بالمعرفة والمنهج البحثي فقط، مثلما قال الدكتور علاء رأفت عميد كلية دار علوم عنه.
في الخمسينيات من القرن الماضي اطلع الأديب المصري الحائز على جائزة الدولة التقديرية عام 1992، إلى السفر لإسبانيا حيث نهل من الثقافة الجديدة، واطلع على الفكر الأوروبي القديم والحديث، والمناهج الغربية، وصار من أهم الكُتاب في الأدب الأندلسي، وحصل على دكتوراه الدولة في الأدب والفلسفة بتقدير ممتاز من كلية الآداب، الجامعة المركزية بمدريد -إسبانيا عام 1961.
وأخذ محاربة تفشي اللغة الفرنسية في المغرب العربي على عاتقه، حيث بدأ في الجزائر بتكليف من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وكان من بعثة أساتذة الجامعات، ونجحوا في أن تكون دراسة اللغة والأدب والشريعة والأدب المقارن باللغة العربية في جامعة الجزائر، وقدّم لهم الأثر العربي في الحضارة الغربية، لذا ترجم ملحمة السيد، وهي أول ملحمة ترصد الالتقاء الأولى بين المسلمين والأوربيين في مملكة "قشتاله"، وترصد أثر العرب وآدابهم على أوروبا، ونجحت عملية التعريب الجزائرية قبل المغرب وتونس.
وشغل الطاهر أحمد مكي، عدة وظائف في قطاعات التعليم العام والجامعي والدراسات العليا، وعمل وكيلا لكلية الدراسات العليا والبحوث حتى عام 1989، وألّف 12 كتابًا عن الشعر العربي المعاصر وأدب القصة ودراسات أندلسية في الأدب والتاريخ والفلسفة، ترجم 3 كتب عن الفرنسية، و6 كتب عن الإسبانية، إلى جانب مساهماته العديدة في مجالات الأبحاث، وعضويات المجالس واللجان المختصة بالشؤون الثقافية والأدبية والفنية واللغة العربية.
حصل على عدة جوائز وأوسمة منها، وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1992، وجائزة التميز من جامعة القاهرة لعام 2009، وكُتبت عنه أطروحة لنيل درجة الدكتوراه وأخرى لرسالة ماجستير بعنوان "الإبداع والنقد في فكر الطاهر أحمد مكي".