الخوف المزدوج يعنى: أن تخاف أم محمود على ابنيها المجند والمسافر
تهلع من نومها على كوابيس مفزعة، تستيقظ وهى تردد «ابنى حبيبى ربنا يستر عليك ويغنمك بالسلامة»، يسيطر على حالها القلق، فلا تغفل عيناها بعد أن ترى مشاهد تجعلها تسهر الليالى خوفاً على ابنها الذى التحق بالجيش منذ ما يقرب من عام ونصف.
السيدة الخمسينية أمل على، أو أم محمود التى تسكن مع زوجها فى قرية أريمون بمحافظة البحيرة، أصبحت متابعة جيدة للأحداث السياسية، ليس حباً فى معرفتها، لكن خوفاً على ابنها، قالت وعيناها يملؤها القلق «أنا من يوم الثورة ما قامت وأنا قاعدة ليل نهار قدام التليفزيون، بشوف اللى بيحصل فى البلد، وكل ما يحصل مشكلة ولا بتوع التحرير يقعدوا ويضربوا فى الجيش، قلبى بياكلنى على ابنى، ومبعرفش أتصل بيه ولا هو بيعرف يكلمنى وبموت من القلق، هو من يوم ما راح الجيش وأنا مبعرفش أنام ودايماً بقوم مفزوعة على كوابيس، ولما بصحى من النوم بأحمد ربنا أنى كنت فى حلم».
تنهض من نومها بعد أنا خاصم عينها النوم، تصلى وتدعو الله أن يعود ابنها سالماً، فرغم قلقها تقول «أنا مؤمنة وموحدة بالله، وعشان كدا ربنا هيحمى ابنى».
هاجس يراودها يومياً، يضاعف قلقها، فهى تتوقع أن تحدث كل ليلة حوادث ومشاكل تعرض مصر للخطر، قائلة «أنا بخاف أن مصر تخش فى حرب مع إسرائيل، أو يحصل فيها زى ما حصل فى العراق ولا ليبيا، أنا بسمع فى التليفزيون إن فيه ناس عايزة تخرب الجيش وتقتله، وإن فيه جواسيس وناس عايزين مصر تخرب، ومتتقدمش، عشان كدا كل يوم بادعى ربنا يرجع الجيش بالسلامة لمكانه وكل الشباب اللى فيه يرجع لأهله وترجع البلد زى زمان».
عندما تتحدث فى السياسة تتوقع كل سيناريوهات العنف، وعدم الاستقرار، «زى ما بيقولوا فى التليفزيون، وزى الأستاذ توفيق عكاشة ما بيجيب معاه المستندات، ويقول إن مصر هتتقسم وتبقى أربع دول، زى ما أمريكا وإسرائيل عايزين، عشان عارفين أن مصر لو بقت كبيرة هتاكل إسرائيل وأمريكا، عشان كده مش هيدوها فرصة».
قلق أم محمد لم يستقر عند ابنها المجند فقط، بل امتد إلى ابنها الثانى الذى يعمل فى إحدى الدول العربية من قبل ثورة 25 يناير، فمنذ سحبت السعودية سفيرها من مصر منذ فترة، وهى تتوقع من حين إلى آخر أن تحدث مشاكل بين كل الدول العربية، «يوم ما قالوا محدش هيسافر السعودية والسفير هرب، وأنا قلت إن الدول العربية هيقعوا فى بعض وهيبقوا أعداء ومش هيرحموا بعض، وكل عيالنا اللى شغالين بره مصر هيرجعوا يقعدوا من غير شغل هنا، وحالهم هيقف».
قضى ابنها الكبير الخدمة العسكرية فى الجيش قبل الثورة، لكنها لم تقلق عليه مثلما تقلق على ابنها الثانى «الأول ماكانش فيه مشاكل، العيل كان بيدخل الجيش وبيقضى الفترة بتاعته من غير مايكون فيه مشاكل فى البلد، دلوقتى البلد كلها مشاكل».
ترى أن المشهد السياسى العام، تحكمه لعبة المصالح الشخصية، وليس مصلحة مصر، لذا ترى أن حال مصر لن ينصلح حتى يأتى من «يتقى الله» ويعمل لمصلحة الوطن «مصر حالها هيسوء، لأن كل واحد بيطلع فى التليفزيون عايز مصلحته، وكل شوية واحد يقول كلام وحش على ناس تانية من بتوع الانتخابات، هما لو عايزين البلد تتصلح وحالها يتعدل، يختلفوا ويشتموا بعض، ولا يتوحدوا على المصلحة بتاعت البلد».
تمارس حقوقها السياسة مرغمة، على حد تعبيرها، فهى تخرج للاستفتاء أو الانتخاب ليس حباً، لكن رغبة فى أن تستقر أوضاع مصر «بيقولولنا أن كل يوم الاقتصاد بيبوظ، والفلوس اللى فى البلد بتقل، عشان كدا بطلع أنتخب عشان البلد تستقر، وترجع زى زمان».
يبدو على حديثها أنها تنتظر شيئاً مجهولاً لا تعرفه، يخيفها كثيراً، ويقلقها، هو المستقبل «أنا تعبت من التفكير فى بكره، والله كل لما افتح التليفزيون بيجيلى إحباط، بتعب من اللى بيحصل، الناس اللى بتموت، والحرامية اللى بيسرقوا، والحوادث اللى بتحصل، بس ربنا يعديها على خير، والبلد تستقر».
لا يعنيها من سيأتى رئيساً للجمهورية، بقدر ما يشغلها، متى يعود الاستقرار، «أنا ميهمنيش مين اللى يمسك رئيس، أنا كل اللى بتمناه، إن البلد حالها يكون كويس، ولما أفتح التليفزيون ملقيش مظاهرة، ولا ضرب ودم، وترجع مصر زى زمان، لما كنا بنام ومانخافش من حاجة، وبنطمن على عيالنا وهما بعيد عننا».