مغسل شهداء مارجرجس: غسلت 18 جثة محروقة ومشوهة ومبتورة
رامى مجدى
بعينين دامعتين وشاردتين، وبملامح يظهر عليها الصدمة والحزن العميق، وقف رامى مجدى (37 سنة) بين أهالى شهداء انفجار كنيسة مارجرجس، أمام مشرحة مستشفى طنطا الجامعى قبل نقل الجثث إلى نفس الكنيسة التى وقع بها الانفجار الضخم لصلاة الجنازة على أرواح الشهداء ودفنهم بها، أتيح للشاب الثلاثينى الذى يحترف دهان الموبيليا من صغره رؤية ما لم يرَه أهالى الشهداء، الذين لم يتمكنوا من دخول المشرحة لرؤية جثامين ذويهم، وتمكن هو بحكم قيامه بتغسيل الشهداء داخل المشرحة من رؤية مشاهد يشيب لها الولدان.
«رامى»: «أكتر لحظة أثرت فيّا لمّا شفت جثة نص دماغها طاير.. ودى أول مرة أشارك فى تغسيل ضحايا انفجار»
«الجثث كانت مرمية على التروليات وغرقانة دم، جثه من غير إيد، وجثة تانية من غير رجل، ورجلين مش شبه بعض، بالإضافة إلى أشلاء متناثرة فى كل مكان».. ورث «رامى» حرفة تغسيل الموتى عن والده، وبدأ فى تعلمها عندما كان فى سن الخامسة عشرة من عمره، شعر حينها فقط بالخوف لكنه اعتاد على التغسيل بعد ذلك بقلب قوى: «خفت فى الأول طبعاً لكن بعد كدا قلبى جمد وبقيت أغسل على طول، وبقوم بالعمل دا بشكل تطوعى تماماً، لكن دى أول مرة أشارك فى تغسيل موتى استشهدوا فى انفجار ضخم زى دا، كنت بغسل ناس ميتة بشكل طبيعى أو كانت مريضة أو مسنة، لكن المرة دى الوضع كان مختلف، كنت بغسل ناس كل جسمها محروق وأجزاء من جسمها مش موجودة».
وعن أكبر مشهد تأثر به «رامى» داخل المشرحة يقول بنبرة منخفضة ممزوجة بالحزن: «وأنا بغسل الشهداء، وبعدل واحد منهم نص راسه مش موجود، اتأثرت ساعتها جداً، ودا كان أكتر موقف تعبنى نفسياً رغم أن المغسلين قلبهم جامد وما بيخافوش زى باقى الناس، وعشان كدا الأمن ما سمحش للأهالى إنها تدخل المشرحة لأن الوضع كان سيئ جداً ولو فيه حد تمكن من الدخول كان بيطلع منهار من المنظر، وكنا بنحط اسم كل شهيد على إيده عشان يكونوا معروفين وطبعاً كنا بنعرفهم من بطايقهم اللى كانت معاهم أو من خلال التعرف عليهم من الأهالى، والشهداء الـ18 اللى كانوا موجودين بمشرحة مستشفى طنطا الجامعى شاركت فى تغسيلهم أنا و3 تانيين».
يتنهد «رامى» ويصمت عن الكلام قليلاً قبل أن يضيف «ما بنغسلش الشهداء بميه لكن بنسيبهم بدمهم ونرش عليهم عطر ونلبسهم كفن ونحطهم جوا الصندوق، لكن فى حالات الوفاة الطبيعية نقوم بتغسيل الموتى بالمياه ونرشهم بالعطر ونضعهم فى كفن مشابه لكفن موتى المسلمين تماماً، والاختلاف الوحيد بين غسل المسيحيين والمسلمين هو وضع القطن فى فتحات جسم المتوفى».
يختتم «رامى» الذى يسكن فى وسط مدينة طنطا حديثه بنبرة غاضبة قائلاً «لو الحكومة مش عارفه تحمينا تسيب لنا الكنائس واحنا نحميها، لما واحد يعدى من 3 بوابات ويدخل مسافة 70 متر جوا الكنيسة ويفجر نفسه يبقى فيه خلل أمنى واضح.