فى الفن: قرصنة وغياب رؤية.. وبينهما «التجديد»
صورة أرشيفية
منذ فجره الأول، استطاع الفن بتعدد مفرداته أن يكون مرآة لما يدور حوله فى المجتمع، ليظل الناقل الأمين ولسان حال الجمهور، لكنه فى الوقت نفسه مر بعدد من العقبات التى نجح فى أن يتخطاها بعد ذلك، فمع سيطرة ما عرفت بـ«سينما المقاولات» فى الثمانينات من القرن الماضى، حيث أفرزت مجموعة من التجارب التى لا ترتقى لوصفها بـ«الفن»، أخذت تلك التجارب فى الاستمرار بظهور نوع جديد من الأفلام خلال الفترة السابقة حمل وصف «سينما الراقصة والبلطجى»، الذى شهد فترات ازدهار بعوامل جذب اعتمدت على الأغانى الشعبية المبتذلة وأجساد الراقصات، فضلاً عن مجموعة من «الإفيهات» الرخيصة التى تحمل إيحاءات جنسية أو ألفاظاً خارجة.
«العدل»: أفلام الـ«تيك أواى» بلا قيمة.. و«الديك»: تجديد الخطاب المجتمعى الأمل الأخير
لم تكن الدراما، المسرح أو الغناء، بحال أفضل مما تعرضت له السينما، حيث أصبحت «العشوائية» هى كلمة السر، خاصة من سيطرة المحتويات الفارغة الاستهلاكية، فى فرق واضح بين «تجارة الفن» و«صناعة الفن»، ليظل الحل الوحيد أمام السلبيات المسيطرة هو تجديد الخطاب الفنى ليصبح على مستوى مواجهة الأفكار الظلامية وتشكيل وجدان المجتمع.
الكاتب بشير الديك يرى أن الفن لديه علاقة جدلية حميمة مع الواقع خاصة فى مصر، فهناك علاقة متينة تجمعهما معاً، ويقول: «لذلك عندما نريد أن نصلح الفن يجب أن نبدأ بالواقع، وبالتالى تجديد الخطاب الفنى يتطلب تجديد الخطاب الاجتماعى»، متابعاً: «لا نستطيع فصل الفن عن الواقع إطلاقاً، وعلى مدار تاريخ الفن كان يستمد موضوعاته ومعالجاته من الواقع الاجتماعى المحيط، سواء إذا كان مزدهراً أو بخلاف ذلك»، ويضيف الديك: «الفن يأخذ من الواقع ويضيف إليه، وطوال الوقت هناك حالة صراع بينهما، كما يعبر عن الواقع وليس مجرد نقله، وفى المنتصف تقف عملية المعالجة، حيث من المنطقى أن يستقى المخرج أو المؤلف فنه من الواقع، ولكن يجب أن يقدم معالجة تعتمد على شروط وأشكال، ولكن أسوأ عمليات نقل الواقع عندما يقدم الفن صورة فوتوغرافية عنه بدون روح أو جهد بشرى ليقدم الواقع بشكل فنى، والفرق بين الصورة الفوتوغرافية واللوحات المرسومة يعكس الفرق بين لمسات صانع العمل فى التعامل مع الواقع، والعملية تعتمد أيضاً على رؤية صانع الفن ورؤيته وفلسفته، ولكن البعض يتمسح فى الواقع لتقديم تجارب غير ناضجة فنياً، وهو ما يؤثر سلبياً على الواقع ويقتل به الروح، ولكن يظل الفن له دور فى صناعة الواقع بجانب مجموعة كبيرة من العناصر».
«سخسوخ»: المشهد المسرحى فارغ و«إبراهيم»: غياب المعادل الجيد وراء انتشار الإسفاف
وقال المنتج محمد العدل إن القرصنة من أبرز السلبيات التى تواجه صناعة السينما فى مصر، خاصة بعد انتشار القنوات التى تقوم بسرقة الأفلام وعرضها على شاشتها تزامناً مع عرض تلك الأفلام فى دور العرض السينمائى، ما يسبب مشاكل ضخمة وخسائر فادحة لمنتجى الأفلام قد يصل إلى عدم استمرارهم فى العملية الإنتاجية، وأضاف العدل: «هناك أفلام «تيك أواى» عادة ما تكون «مسلوقة» لا تحمل أى وجهة نظر أو محتوى يحمل قيمة، الهدف منها أن تغطى إيراداتها بعد أسبوع من طرحها فى دور العرض قبل أن يتم سرقتها وعرضها للجمهور على شاشات التليفزيون، بخلاف نوع آخر من الأفلام أصيل أقل وجوداً هو الفيلم الذى يحمل فكرة، وهو يتطلب وقتاً فى دور العرض حتى يبدأ الجمهور فى التفاعل معه، وحتى يحدث ذلك يكون تعرض للقرصنة، وهو ما يؤثر على تسويقه تليفزيونياً أو خارجياً بعد ذلك».
من جانبه، يؤكد المخرج محمد ياسين ضرورة وجود مناخ ثقافى ومجتمعى يستوعب الأفكار الكبيرة التى يتم تقديمها سواء فى المسرح، أو الأدب أو السينما، قائلاً لـ«الوطن»: «تبنى الدولة لمشروع ثقافى هم حقيقى لإطلاق ثورة تنويرية السينما إحدى مفرداتها، خاصة فى ظل تنامى أفكار ظلامية ووقتها تحتاج الدولة لاستخدام السينما كسلاح استراتيجى».
ويرى الناقد المسرحى الدكتور أحمد سخسوخ، أن تجديد الخطاب الفنى يحتاج إلى رجال قادرين على تنفيذ ذلك على أرض الواقع وليس مجرد موظفين، مضيفاً: «المسئولون فى وزارة الثقافة أزاحوا المثقفين وقاموا بدورهم فى ممارسة العملية الثقافية، وبالتالى غابت الثقافة عن المشهد ليحل الفراغ مكانها، مدينة بحجم القاهرة تعدادها يصل إلى 20 مليون نسمة وبها عدد ضئيل من المسارح، وفى الوقت نفسه صالات المسرح خالية من الجمهور والخشبات خاوية من الفن، وهو ما سمح لفرق خاصة غير مؤهلة فنياً تتعاون مع التليفزيون وتقدم إسفافاً يدعون أنه مسرح، ولم يكن لها أن تعمل إلا فى حالة وجود فراغ مسرحى»، وأضاف سخسوخ لـ«الوطن»: «ما يقدم من أعمال على المسارح لا يمس وجدان الجمهور، وبالتالى نحن أمام حالة إهدار للمال العام، حيث إن المسرح كان مؤهلاً بعد 25 يناير للتعبير عن سخونة الحالة التى يعيشها المجتمع، وخاف الكثيرون من تقديم أعمال تمس تلك الفترة، لذلك أصبح يعانى المسرح من حالة فراغ شديد»، وتابع: «نحن فى حاجة إلى تحديث البنية التحتية للمسارح حيث إن الموجود منها بالفعل لا يصلح للاستخدام الآدمى، وأكد الشاعر فوزى إبراهيم، عضو جمعية المؤلفين والملحنين، إن السرطان الحقيقى الذى يواجه الوضع الغنائى فى مصر هو حقوق الملكية الفكرية، موضحاً: «يعانى المنتجون من قرصنة أعمالهم، بالإضافة إلى حصول المطربين على الأغانى دون الرجوع إلى أصحاب حقوقها، بالإضافة إلى منتجى الأفلام السينمائية الذين يحصلون على الأغانى التراثية ويقومون بتشويهها فى أعمالهم السينمائية، ويترتب على كل المشاكل السابقة خسارة للمنتج والمؤلف والملحن، وهى أيضاً سبب لاختفاء سوق الغناء حالياً، بالإضافة إلى إغلاق شركات الإنتاج، وتتقلص ليكتفى السوق بشركتين فقط، وهو السبب وراء توقف نشاط بعض المطربين والملحنين والمؤلفين، ليعتبر القضاء على القرصنة وحقوق الملكية الفكرية الحلقة الأبرز فى تجديد الخطاب الفنى الغنائى فى مصر، ولذلك ما نحتاجه من الدولة أن تأخذ خطوات فعالة تجاه تلك المشكلة رغم أن الدستور ينص على ضرورة التزامها بحماية الملكية الفكرية فى شتى المجالات».