كفر الشيخ: «الجوبلان» حرفة الفن والذوق الرفيع.. أهملتها الحكومة وهجرها أصحابها
صناعة الكليم والجوبلان اليدوى.. مهنة على وشك الاختفاء
اشتهرت مدينة «فوة» بكفر الشيخ قديماً بصناعة الكليم والسجاد و«الجوبلان» اليدوى، وكان صانعوها من أمهر صناع العالم، محترفين فى صناعتهم، مُخلصين فى عملهم، لكن حرفتهم أصبحت الآن على وشك الاندثار، بعد أن تركها العاملون بها، نتيجة إهمال الحكومة لهم، وعدم تطوير حرفتهم، وغزو المنتجات الصينية للأسواق المصرية، بعد أن كانت المدينة واحدة من أكبر قلاع الصناعة فى مصر، وكان يعمل 85% من أبنائها فى هذه الصناعة، وتنتج نحو 77% من إنتاج مصر من الكليم والسجاد اليدوى و«الجوبلان» المعروفة بأنها حرفة الفن والذوق الرفيع، والمستوحاة من وحى الطبيعة المصرية.
ورغم إغلاق عشرات الورش بها وتسريح المئات من العاملين ما زالت «فوة» تحتفظ ببعض من هويتها، فبمجرد أن تطأ أقدام زائريها أرض المدينة، تستقبلهم عشرات اللوحات الفنية «الجوبلان»، بالإضافة إلى السجاد اليدوى والكليم المرسوم بإتقان كبير، وبلمسات فنية إبداعية، بكافة أشكاله وألوانه، كما ينتشر فى بعض شوارع المدينة عدد من الورش الصغيرة، تضم عشرات العمال من مختلف الأعمار، يستقبلونك بحفاوة، ويهمسون فى أذنك: «إحنا نفسنا نطور صناعتنا، وناكل عيش زى زمان».
سجاد «فوة» غزا أسواق أوروبا فى الماضى.. و«الصناع» يستغيثون: الدولة تجاهلتنا ونواب الشعب خذلونا وأغلقنا «الورش» بسبب ديون القروض والتأمينات
ويوضح عبدالحى أحمد، أحد أقدم صناع الكليم والسجاد فى مدينة فوة، أن هناك فرقاً بين «الكليم» و«السجاد اليدوى»، فكلاهما يصنع من نفس الصوف، ولكن كثافة الغرز والعقد فى السجاد أضعاف أضعاف ما فى «الكليم»، وبالتالى فإن الوقت المستغرق فى صناعة سجادة واحدة يفوق بكثير المستغرق فى صناعة كليم واحد، ولفت إلى أن سعر متر الكليم كان يتراوح بين 80 و160 جنيهاً، أما متر السجاد فيتراوح بين 500 و2200 جنيه.
أما «أ. هـ» فقال إنه ورث المهنة عن أجداده وآبائه، وعلمها لنجليه، إلا أنهما تركاها بسبب الركود الذى ضربها، وإهمال الدولة للحرف اليدوية، وعدم دعمهم مادياً وفنياً، مما أدى إلى اندثار المهنة، وأضاف: «الصنايعية كانوا يرسمون منتجاتهم على كل شكل ولون، والآن يقفون مكتوفى الأيدى بسبب قلة أرزاقهم، وعدم تعلمهم مهنة غيرها، فى ظل اندثار صنعتهم التى ورثوها عن أجدادهم»، بينما أشار على أحمد البدوى، أحد الصناع، إلى أن مدينة «فوة» كان يوجد بها أكثر من 70 مصنعاً للغزل، وأكثر من 10 آلاف «نول»، يستخدمه عمال الكليم، وكانوا يشترون مستلزمات الإنتاج من خيط القطن والخامات من مدينة رشيد بمحافظة البحيرة، أو من مدينة العاشر من رمضان بمحافظة الشرقية.
وأكد «البدوى» أن التسويق أصبح الآن فى أيدى 5 أشخاص يحتكرونه ويقومون بشراء المنتج من الصناع بأسعار رخيصة، ثم يقومون بتسويقها بأسعار مرتفعة، مما يضر بصُناع المهنة الذين لا يمكنهم الإنفاق على أسرهم، بعد تراكم الديون عليهم، وتابع: «خلاص مبقاش فيه مهنة، راحت من زمان، كان عندنا أمل إننا نطورها، والحكومة تقف بجوارنا لتسديد ديونا، والنهوض بصناعتنا، لكن الأمل تلاشى، ومبقاش لينا مصدر ثابت، وليس لدينا تأمين، والشخص مننا لو حصل له حاجة يقعد فى البيت، وإحنا يادوب بنأكل عيالنا بالعافية».
واستكمل سعيد على حشيش، أحد أبناء المدينة، قائلاً: «الدولة تجاهلتنا، والحكومة والنواب خذلونا، وأغلقنا ورشنا، وعملنا فى مهن أخرى علشان نصرف على بيوتنا، والحكومة بدل ما تقف معانا طاردتنا، بسبب ديون القروض والتأمينات الاجتماعية المتراكمة علينا». وأكد على الأسمر، أحد صناع السجاد والكليم، أن الرسوم المنقوشة على المنتجات عادةً ما تكون مستمدة من واقع الطبيعة والبيئة الريفية، مثل صور العصافير والطيور والأراضى الزراعية وغيرها، بالإضافة إلى بعض الرسوم التاريخية، مثل الأهرامات وأبوالهول، وكذلك الرسوم الإسلامية مثل المساجد، أو الآيات القرآنية، التى تزين القصور ومنازل الأثرياء والقرى السياحية، ولفت إلى أن محافظ كفر الشيخ قام بزيارة مدينة فوة قبل عامين، ووعد بفتح منفذ لبيع السجاد والكليم والجوبلان، إلا أن تلك الوعود «ذهبت أدراج الرياح»، مشيراً إلى أن عدد العاملين فى المهنة حالياً لا يتجاوز 100 عامل، من أصل 10 آلاف، غزت منتجاتهم أسواق أوروبا وأمريكا، كما أن العديد من العاملين بالحرفة حالياً مهددون بالسجن بسبب تراكم الديون عليهم منذ سنوات.
وطالب مجدى محمد، أحد أبناء المدينة، بإنشاء نقابة لصانعى «الجوبلان»، تضمن توفير المساعدات اللازمة لهم، وتمنحهم شعوراً بالأمان تجاه المستقبل، بالإضافة إلى دعم الدولة لهم مادياً وفنياً، ليطوروا صناعاتهم، ويجودون فى إنتاجاهم، حتى يستطيعوا النهوض بالمهنة مرة أخرى.