«شركات الزيوت العامة»: استيراد 97% من المواد الخام بعد الخصخصة
أحد مصانع الزيوت المتوقفة عن العمل
رغم أنها من أهم الصناعات الاستراتيجية فى مصر، فإنها تعتمد على المواد الخام المستوردة من الخارج بعد تراجع زراعة المحاصيل الزيتية والبذور والتقاوى، ووفقاً للخبراء فإنه يوجد فى مصر نحو 32 مصنع زيت، تابعة للقطاع العام والخاص تكفى الاحتياج المحلى حال توافر البذور الزيتية وزراعتها فى مصر، لكن الخامة الرئيسية التى نستوردها بالعملة الصعبة، وهى زيت الذرة وعباد الشمس والصويا، نستوردها من الخارج، وأكثر من 85% من مصانع قطاع الأعمال العام التى تقوم بعصر البذور، متوقفة عن العمل حالياً. وهناك مصانع قائمة بالقطاع الخاص تكفى الاحتياج المحلى بنسبة 70%، ورغم ذلك نجد بعض المستوردين يستوردون زيوتاً معبأة من الخارج على حساب المصنع والعامل المصرى، وهذا بحسب الخبراء، يتطلب تدخل الدولة لتشجيع الصناعة الوطنية سواء العامة أو الخاصة، خاصة أن بعض الزيوت المعبأة يتم استيرادها من تركيا.
«شعبان»: مصانع القاهرة للزيوت كانت تورد كل احتياجات الوجه القبلى من التموين قبل بيعها لرجل أعمال بمباركة عاطف عبيد وحسنى مبارك
ويعقد وزير التموين، الدكتور على المصيلحى، العديد من الاجتماعات لدراسة كيفية زراعة هذه البذور فى الداخل المصرى، قائلاً: «محتاجين نسفر بعض العلماء المتخصصين فى الزراعات إلى أوكرانيا والبرازيل وغيرها حتى نستطيع أن نأتى بالبذرة التى تصلح لإخراج أكبر قدر من الزيت.. حتى نوفر على الدولة المصرية 16 مليار جنيه حجم استيرادنا من الخارج».
فى نهاية شهر نوفمبر عام 2015، دخل عمال القاهرة للزيوت والصابون فرع البدرشين فى اعتصام مفتوح، احتجاجاً على قرار إدارة الشركة وقف التشغيل قبل التخلص من العمال، واتهم العمال صاحب المصنع بتصفيتهم من أجل بيع أراضى المصنع، وطالب المعتصمون وقتها بضرورة تشغيل المصنع والتوقف عن تعطيل إنتاج سلعة استراتيجية كالتى تنتجها مصانع القاهرة للزيوت والصابون عبر الجمهورية، وهو الأمر الذى يسهم فى التأثير على الاقتصاد المصرى وتفاقم أزمته.
ويقول محمود شعبان، أحد العمال السابقين بشركة القاهرة للزيوت والصابون: «كانت شركة القاهرة للزيوت إحدى شركات قطاع الأعمال التى تم تأميمها أثناء حكم الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، وتم تطويرها وتحديثها عقب التأميم، وكانت شركة رائدة فى صناعة الزيوت وخاصة زيت بذرة القطن، وفول الصويا، ويتم استخلاص الزيت وكسب الأعلاف من البذور، وكان يتبع شركة القاهرة للزيوت والصابون 4 مصانع، الأول بالبدرشين وهو كان أكبر مصنع بالشركة، والثانى بجزيرة القيراطين وكان متخصصاً فى استخراج زيت الكتان الحار وزيت الدهان، والمصنع الثالث فى غمرة لإنتاج الصابون من مشتقات الزيت التى يتم استخراجها من مصنع البدرشين، أما المصنع الرابع فكان فى العياط وكان متخصصاً فى صناعة أعلاف الدواجن والماشية من مستخلصات البذور والكسب، بجانب المسلى النباتى».
ويضيف «شعبان»: «عجلة العمل بالشركة كانت متكاملة جداً بين المصانع الأربعة، وكانت الشركة تحقق أرباحاً جيدة وكانت تصرف لنا أرباحاً سنوية حتى تم بيع مصنع القيراطين فى بداية الألفية الثانية، وبيع الشركة لمستثمرين مصريين بمباركة عاطف عبيد وحسنى مبارك بمبلغ زهيد جداً بلغ 56 مليون جنيه، دفع منها المستثمر 10 ملايين جنيه وقسط المبلغ المتبقى بعد الحصول على قرض بقيمة المصنع الذى اشتراه من الحكومة، وبعد إتمام الصفقة أصبح سهم الشركة الواحد بالبورصة بـ80 جنيهاً بدلاً من 14 جنيهاً، واشترى المستثمر المصرى الشركة بمصانعها ومعداتها ومخازنها وقطع غيارها ومكاتبها الإدارية بثمن بخس، وأوقف تعاقده مع الحكومة بحجة أن توريد زيت التموين للحكومة يخسر الشركة، ثم أوقف التشغيل بشكل متقطع ثم بشكل تام فى نهاية 2015 لبيع الشركة أو مصنع البدرشين، وهو ما تحقق بالفعل وباعه بمبلغ 150 مليون جنيه بعد أن باع نحو 6 أفدنة من أرض المصنع قبل ذلك، حيث كانت تبلغ مساحة مصنع البدرشين الإجمالية نحو 12 فداناً».
خبير: استيراد الزيوت والتقاوى أفضل من زراعتها فى مصر حالياً لأنها تحتاج مياهاً ومساحات كبيرة
يوضح العامل السابق بالشركة، الذى أجبر على الخروج إلى المعاش المبكر: «قبل بيع الشركة كان يعمل بكل مصانع الشركة نحو 1200 عامل، 450 منهم كانوا يعملون بمصنع البدرشين فقط»، وأضاف أن 70 عاملاً من هؤلاء خرجوا «معاش مبكر» بمتوسط 80 ألف جنيه، وقبل الكثير من العمال المقيمين بالبدرشين بالمعاش المبكر خوفاً من نقلهم إلى مصنع العياط أو البدرشين، وما حدث مع شركتنا حدث مع كل المصانع الحكومية الأخرى فى عهد عاطف عبيد، رئيس الوزراء الأسبق، شركات حكومية ناجحة تم بيعها للقطاع الخاص للتخلص من العمال وبيع الأراضى دون النظر لاستفادة البلد منها، ومصنع البدرشين والعياط كانا ينتجان 14 ألف طن زيت شهرياً كان يتم توريدها إلى إدارات تموين كل محافظات الوجه القبلى».
يقول خبير صناعة زيوت الطعام، الدكتور أشرف فريد: «تعود صناعة الزيوت فى مصر إلى منتصف ستينات القرن الماضى من خلال شركات القطاع العام، وكانت تعتمد على استخلاص الزيوت من البذور والتقاوى، أو تكرير الزيت الخام المستورد من الخارج، واستخلاص الزيت فى مصر يتم من خلال عباد الشمس وفول الصويا والذرة، لكن أكثر من 98% من البذور يتم استيرادها من الخارج لأن مصر لا تقوم بزراعة بذور زيتية على مساحات كبيرة، فمثلاً نبات عباد الشمس تتم زراعته على مساحة 2000 فدان فقط، وهذه المساحة تعطى 2000 طن بذور، وبذور عباد الشمس الزيتية تعطى 40% زيتاً، أى نحو 800 طن زيت خام».
ويضيف «فريد»: «تستهلك مصر سنوياً مليوناً و200 ألف طن زيت طعام سنوياً، منها 500 ألف طن فقط من زيت النخيل، وهذا النوع يتم استيراده من دول جنوب شرق آسيا، حيث تتم زراعته بشكل كبير جداً اعتماداً على درجات الحرارة المرتفعة والأمطار، أما الكمية المتبقية فتأتى من الذرة والفول الصويا»، وأوضح أن بذور القطن كانت تسهم بشكل كبير جداً فى تغذية الأسواق بزيت الطعام، وزيت القطن معروف عنه أن غنى جداً بالفيتامين وأفضل أنواع الزيوت على الإطلاق لأنه مغذٍ جداً، لكن مع تقلص كميات زراعة القطن قلت الكمية تماماً وكادت أن تختفى، ورغم أنه يستخلص زيتاً بمقدار 20% فقط من بذرة القطن، إلا أنها مفيدة جداً ولا تتأثر بتكرار الغليان عكس أنواع الزيوت الأخرى، وفى التسعينات كانت تعتمد وزارة التموين على زيت الطعام المستخلص من القطن.
ويوضح خبير صناعة الزيوت أنه «بعد إغلاق عدد كبير من المصانع الحكومية المتخصصة فى استخلاص زيت الطعام، دخل القطاع الخاصة فى المعادلة، وأصبح هو صاحب الكلمة الأولى فى صناعة واستخلاص الزيت فى مصر، وتوجد شركات خاصة طاقتها الإنتاجية كبيرة جداً تستطيع عصر 3000 طن بذور فى اليوم الواحد، وهذا يعنى أن بعضها يستطيع عصر كل إنتاج مصر من بذور القطن أو عباد الشمس أو الذرة أو الفول الصويا فى يوم واحد فقط، لذلك فإنها تعتمد على الاستيراد، وهو أنسب جداً فى هذه المرحلة لأن زراعة المحاصيل الزيتية مكلف جداً، ويحتاج لمساحات زراعية واسعة ومياه رى كثيرة، وهذا غير متوفر فى مصر حالياً، واستيراد المواد الخام من الخارج أفضل فى الوقت الحالى، والمصانع المحلية تستطيع تلبية احتياجات السوق تماماً لأنها تستخلص الزيت وتكرره ليكون صالحاً للاستخدام ومصر لديها قاعدة صناعية جيدة جداً فى صناعة الزيوت تمنعها من استيراد الزيت المكرر من الخارج».
ويقول صلاح مسلم، رئيس اللجنة النقابية السابق بشركة طنطا للكتان: «عقب عودة ملكية الشركة للحكومة لم تعمل الشركة بكامل طاقتها وتعمل فقط بمقدار 10% من طاقتها لإيهام المواطنين أنها تعمل، وبعد أن كانت الشركة تتعاقد على محصول 30 ألف فدان فإنها حالياً لا تقوم إلا بزراعة 2000 فدان فقط، ومحصول الكتان يستخلص منه مشتقات مهمة تدخل فى صناعة الألياف الصناعية والدوبارة والخشب الحبيبى والزيت الحار والأعلاف وزيت الدهان».
من جانبه، يقول ممدوح رمضان، مستشار وزير التموين، إن 97% من احتياجات مصر من زيت الطعام يتم استيرادها من الخارج، وأن ما يتم فى مصر عبارة عن تعبئة فقط، لذلك طالب وزير التموين بعقد اجتماع مع وزارة الزراعة لزراعة المحاصيل التى يتم استخراج الزيت منها، وبالتالى فإن زيت التموين مستورد من الخارج بالكامل، وتستورده إحدى الشركات الحكومية لصالح هيئة السلع التموينية.