«الأعلاف»: مصانع المنيا وكفر الشيخ انهارت فأجبرت الحكومة على الاستيراد
جزء من مبانى «المنيا لحليج الأقطان»
رغم أهمية تلك الصناعة، تم إهمالها مثل باقى الصناعات الاستراتيجية الأخرى، لارتباطها بتغذية الثروة الحيوانية، وبدلاً من الاعتماد على الإنتاج المحلى وتطويره وتدعيمه، تم الاعتماد على الاستيراد من الخارج. «الوطن» تلقى الضوء على مصنعين مهمين لإنتاج الأعلاف فى مصر تم تخريبهما فى السنوات الأخيرة: الأول فى المنيا والثانى فى كفر الشيخ.
بمبلغ 42 جنيهاً تم طرح السهم الواحد لشركة النيل لحليج الأقطان بالمنيا للبيع، ليتقاتل عليه رجال الأعمال، ويتم التفريط فيها بمبلغ 250 مليون جنيه، رغم أنها قدرت بمبلغ 4 مليارات جنيه حينذاك، ما يمثل إهداراً للمال العام، ولم يكتفِ المستثمر الجديد بالاستيلاء على هذا الصرح بأبخس الأثمان فحسب، بل إنه أغرق الشركة فى الديون للتخلص من العمال وبيع الأراضى ومعدات المصانع، للاستيلاء على الأراضى التى تقدر بالمليارات.
مصنع المنيا كان يوفر 20% من إنتاج أعلاف الجمهورية.. و«مرزوق»: «اللى اشتروا المحالج سماسرة أراضى وليسوا مستثمرين»
يقول خيرى مرزوق، رئيس اللجنة النقابية لعمال مصانع النيل لحليج الأقطان بالمنيا: «اللى اشتروا المحالج سماسرة أراضى وليسوا مستثمرين»، فالمستثمر الجديد قام بتصفية أصول الشركة وإغراقها بالديون، ومارس أنشطة جديدة، مثل استيراد السكر والشحومات، ثم بدأت عملية تصفية العمال وبيع الأراضى بمعظم الفروع، ومنها دمنهور وسوهاج وكفر الغنامية، وتحولت حليج الأقطان من شركة منتجة لشركة استثمار عقارى، وكانت المنيا تضم صرحاً مكوناً من 7 مصانع هى المسلى الصناعى، التكرير، استخلاص الزيوت، العلف، الأكسجين، الصفيح، والمحلج، إضافة إلى ورش ميكانيكا ومحطات كهرباء ومعمل كيميائى، وكانت تنتج 20% من إنتاج الجمهورية من السلع التموينية والأعلاف، بواقع 320 طن علف حيوانى يومياً، و75 طن زيت طعام معبأ يومياً، و50 طن مسلى صناعى يومياً، و20 طن صابون من مخلفات الزيت والتكرير يومياً، و60 ألف أردب بذور صويا وقطن سنوياً، وعلب صفيح مختلفة الأحجام، ويعمل بها 3000 عامل مثبت ونحو 2000 مؤقت، ولكن مع الخصخصة تم تطفيش العمال بالضغط عليهم من خلال تأخير صرف المرتبات وإجبارهم على المعاش المبكر، ونقلهم لمحافظات أخرى حتى أصبح عددهم بالمنيا 120 عاملاً، لم يتقاضوا رواتبهم منذ شهر فبراير من عام 2011، بحجة أن المصانع لا تعمل فى حين أن المستثمر يتفنن فى تعطيلها لاستثمار أراضيها عقارياً، والتى تقدر مساحتها بالمنيا بنحو 84 فداناً مطلة على النيل مباشرة، ومتوسط سعر المتر 35 ألف جنيه»، مشيراً إلى وجود محلج متوقف فى محافظة كفر الشيخ يتبع الشركة وتقدر قيمته بنحو 3 مليارات جنيه، وتم هدمه وتخريبه، ويباع المتر بمبلغ 60 ألف جنيه ويتعرض لتعديات يومياً.
وأوضح «مرزوق» أن مصانع المنيا السبعة فى انتظار التشغيل وتحتاج لصيانة بسيطة وتوصيلات مياه وكهرباء لتعمل بكفاءة، وكل ذلك متوقف على إرادة سياسية حقيقية، خاصة فى ظل وجود حكم قضائى نهائى وبات برد المصانع للدولة مطهرة مما وقع عليها من تصرفات، وهناك قرار صدر فى عام 2013 من رئيس الوزراء الأسبق الدكتور حازم الببلاوى بتسلم الشركة، ولم يتم التنفيذ حتى الآن، بسبب وجود مراكز قوى وأصحاب نفوذ يعطلون تنفيذ الأحكام والقرارات، لافتاً إلى أن وزارة قطاع الأعمال العام هى المنوط بها تسلم الشركة.
«قطب»: وزيرة القوى العاملة السابقة منحت المستثمر قرضاً حسناً مُعفى من السداد لمدة عام ودون فوائد لإنهاء إجراءات المعاش المبكر للعمال
ويضيف محمود قطب، أحد العمال الذين تم تسريحهم: «عائشة عبدالهادى وزيرة القوى العاملة وقتئذ منحت المستثمر قرضاً حسناً معفى من السداد لمدة عام ودون فوائد ليقوم بإنهاء إجراءات المعاش المبكر للعمال، حتى نجح فى إضعاف العنصر البشرى، ثم بدأت عملية هدم منشآت القلعة الصناعية، ثم عادت الروح لنا فى يوم 17 ديسمبر عام 2011 حيث عادت الشركة إلى الدولة بموجب حكم صادر من القضاء الإدارى برقم 37542 لسنة 65 ق، ولكن لم يتم التنفيذ حتى الآن، لافتاً إلى أن الحكم استند إلى أن عملية تقييم أصول شركة النيل لحليج الأقطان شابها العديد من المخالفات التى كشفها تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات، والإدارة العامة لمراقبة الحسابات، ما أدى إلى انخفاض القيمة السوقية والقيمة العادلة للسهم المعروض طرحه للبيع، بشكل أهدر مالاً مملوكاً للدولة بمبلغ 157 مليون جنيه». وقال اللواء عصام البديوى، محافظ المنيا، إن «هناك الكثير من المقترحات والأفكار يتم دراستها، لبحث تشغيل الشركة من عدمه، فمن المحتمل أن نواجه عوائق قانونية أثناء تنفيذ حكم ردها، وحين يكون هناك رأى قانونى قاطع فى أسلوب تحرير ورد الأرض من المشترى ومساحتها 84 فداناً، وقد يحتاج ذلك لقرار سيادى، سيتم التفكير بشكل فيه أكبر قدر من الاستفادة، ففى المنطقة الكائن بها المصنع «الإخصاص» يصعب تشغيل مصنع يضم نحو 6 آلاف عامل، خاصة بعد الزحف العمرانى الشرس، كما أن تشغيل المصنع يحتاج لميزانية وأموال ضخمة لا نملكها وغير موجودة بالمرة، والتفكير العملى أن يتم تسوية الأوضاع مع المشترى وفقاً لأحكام القضاء، ثم يتم بيع تلك الأراضى وستدر عائداً مادياً يصل لنحو 17 مليار جنيه، ثم يتم تسوية المديونيات، ويتم استغلال الأراضى الصحراوية المنتشرة فى ربوع المحافظة وهى كثيرة، لإنشاء مصنع نسيج متطور بأحدث الإمكانيات».
ويضيف «البديوى»: إن تشغيل المصنع قد يحتاج إلى مبلغ مالى يتراوح بين مليار و2 مليار جنيه، فهدفنا أن يكون فى المنيا مصنع غزل ونسيج كبير، كما أن هناك مساحة أرض فى المنطقة الصناعية مخصصة بقرار جمهورى لإنشاء منطقة نسيجية متكاملة، تتكلف مبلغاً يقدر بنحو 2 مليار جنيه، وسيتبقى للدولة مبالغ كبيرة تتجاوز 10 مليارات جنيه، يمكن أن يتم ضخها فى استثمارات توفر فرص عمل. والدولة أعلنت عن ذلك، وحضر إلينا مستثمرون من خلال مجلس إدارة الغزل والنسيج بالقاهرة، كنوع من أنواع التفعيل للاتفاقيات التى وقعها رئيس الجمهورية فى الصين لإنشاء مدينة نسيجية على مساحة كبيرة جداً، وتضم حلج وصناعات الأقطان بجميع أنواعها.
وفى كفر الشيخ، تم تشريد مئات العمال بقرارات غير صائبة، ماكينات عُطلت وإنتاج توقف، سنوات من الإهمال ضربت مصنع الأعلاف بكفر الشيخ، تروس ماكينات توقفت وأوقفت معها حياة أكثر من 400 عامل، كان يُنتج أعلافاً تغطى احتياجات المحافظة، وبين ليلة وضحاها فوجئ العاملون بقرار من مسئولى كفر الشيخ فى ذلك الوقت بغلقه بحجة خسارته.
مصنع الأعلاف الذى يبعد نحو 3 كيلومترات عن ديوان عام محافظة كفر الشيخ، تبلغ مساحته 7644 متراً مربعاً، يضم غرفة التحكم، والكسارة، وقسم الغلايات، والخلاط، بالإضافة إلى المولاس، وأقسام الإنتاج، والتعبئة، والشحن، والمخازن، وبرغم أن المصنع كان يغطى احتياجات المحافظة من الأعلاف المختلفة فإن المحافظة أغلقته بعد بيعه لمقاول منذ سنوات عديدة بحجة خسارته وشردت أكثر من 400 عامل.
محمد عبدالباسط، أحد العاملين السابقين بالمصنع، أكد أن السبب الحقيقى وراء إغلاقه هو اختلاسه من قبل المسئولين عنه، مشيراً إلى أنه كان يعمل بكفاءة عالية وبجودة ممتازة، موضحاً أنه تم غلقه بناءً على قرار من المحافظة، مشيراً إلى أنهم تفاوضوا مع المحافظة أكثر من مرة إلا أن المحافظة رفضت فتح المصنع مرة أخرى. وأوضح عبدالباسط أن أرض المصنع ملك للمحافظة وعندما عجزت عن تشغيله تم تأجيره لشركة الزيوت والصابون بالإسكندرية، وبه معدات وآلات تقدر بملايين الجنيهات وكان يُدر دخلاً كبيراً بالإضافة إلى تشغيل أيدى عاملة، إلا أنهم فوجئوا بقرار الإغلاق ليُشرد العمال ويغلق البيوت.
وتابع أحمد دسوقى، أحد العاملين السابقين بالمصنع، إنه تم تسريح العمالة وصرف مكافآت رمزية كنهاية خدمة رغم أن المصنع كان يُنتج أكثر من 50 طناً من الأعلاف يومياً، مشيراً إلى أن الإدارة أصرت على إغلاقه بسبب الخسارة، مشيراً إلى أن المصنع كان يغطى مصروفاته وتكاليف إنتاجه. وأوضح «دسوقى» أن المحافظة باعت المصنع لشخص يدعى حسين حواس وقام بتشغيله عدداً من السنوات إلا أنه أغلقه وشرد العمالة الموجودين به، مؤكداً أن إدارة التعاون الصناعى كانت تقوم بإنشاء عدة مزارع دواجن ومجموعة عنابر فى القرى وتم إنشاء المصنع لخدمة تلك المزارع فى السبعينات.
من جانبه، يؤكد بدير موسى، عضو مجلس النواب عن دائرة مركز كفر الشيخ، أن المصنع كان يعمل جيداً فى التسعينات وكان به عدد كبير من العمالة، وتوقف بعد عدم التزام المقاول الذى قام بشرائه بحق الانتفاع، المشروع جيد ويخدم البيئة ولا بد من إعادة تشغيله بدلاً من استيراد الأعلاف من المحافظات المجاورة، مشيراً إلى أنه تحدث مع اللواء السيد نصر، محافظ كفر الشيخ، فى هذا الأمر ولم يُبدِ أى رأى حتى الآن. ويوضح عضو مجلس النواب بكفر الشيخ أن إعادة تشغيل المصنع لن تكلف المحافظة شيئاً حيث إن الآلات موجودة ويجب أن تقوم المحافظة بتشغيله بعد إجراء صيانة للمعدات والآلات والتعاقد مع المنتجين والموردين لاستفادة المحافظة منه.. وأضاف أنه سيتقدم بطلب إحاطة بشأن هذا المصنع.
المنيا لحليج الأقطان