رائد زراعة الكلى فى حوار مع «الوطن» د. محمد غنيم: مصر فى حاجة لـ«استئصال الفساد»
يرى أن الاهتمام بالتعليم هو أساس النهضة، ويعتبره الباب الملكى للارتقاء الاجتماعى والاقتصادى والبشرى، وأنه يمكن لمصر أن تجتاز فترة نقاهتها وسلبيات المرحلة لتتعافى من سلبيات المرحلة فى فترة من 5 إلى 20 سنة. الدكتور محمد غنيم، رائد زراعة الكلى فى الشرق الأوسط منسق الجمعية الوطنية للتغيير، يحتفظ فى مكتبه، بمركز الكلى بالمنصورة، بنسخة من الأعمال الكاملة لأحمد فؤاد نجم، فيما تستقر على الحائط صورة له وهو يصافح مبارك، الرئيس السابق، تعلوها صورة أخرى -بالأبيض والأسود- تجمعه بالرئيس الراحل السادات، قال غنيم إنها التُقطت أثناء مناقشة تفاصيل إنشاء المركز الذى يترأسه اليوم.
بين الصور والكتب دار حوار «الوطن» مع الدكتور غنيم عن مسالك مصر وأمراضها ومشاكلها وما بها من فساد، وعن الأحداث الراهنة وما وصلت إليه البلاد منذ ثورتها، وسبل التعافى والنقاهة من أجل مستقبل أفضل.. فإلى نص الحديث..[Quote_1]
* فى البداية.. بصفتك طبيباً وجراحاً، لو افترضنا أن مصر مريضة، كيف تشخص ما تعانيه الآن؟
- مصر تعانى مشاكل عدَّة، ليست وليدة اليوم، وإنما جاءت نتيجة لعوامل عدَّة تفاعلت مع بعضها وانتهت بنا إلى ما نحن فيه. وأول تلك المشاكل أو العوامل، أن من قام بالثورة لم يشارك فى اتخاذ القرار السياسى، والسبب فى ذلك هو أن الثورة اندلعت ولم تكن لها قيادة محددة، ونادت وقتها بمطالب وشعارات عامة، كالخبز والحرية والعدالة الاجتماعية. المشكلة الثانية: أن المجلس العسكرى جانبه الصواب فى الإدارة السياسية للمرحلة الانتقالية، وكانت أبرز سقطاته التعديلات الدستورية التى وافق عليها الشعب فى الاستفتاء. العامل الثالث: أن جماعة الإخوان المسلمين، وإن تأخرت مشاركتها فى الثورة، تخلت عن القوى الشبابية والثورية، وانفصلت عنها، واقتربت فى المقابل من المجلس العسكرى، وتفاهمت معه حتى تجنى مصالح ذاتية، متجاوزة فى ذلك مصالح الوطن.
إضافة إلى ما سبق، فإن القوى الثورية شاركت فيما وصلنا إليه بتفتتها، ليصبح لدينا عدد كبير من ائتلافات شباب الثورة، والحركات الثورية والشبابية، وفى ظل تلك الأحداث كلها تراجع الأمن، خصوصاً بعد الثورة مباشرة، ووقعت اعتداءات على الكنائس، مما خلق حالة من التوتر الطائفى.
* لكن كيف انعكست تلك العوامل على الانتخابات الرئاسية؟
- انتخابات الرئاسة هى إفراز لسلبيات المرحلة الانتقالية والمشاكل التى سبق أن ذكرتها، مما يعنى فى النهاية أن تحالف الإخوان مع المجلس العسكرى أفرز أحمد شفيق ومحمد مرسى، كما أن انقسام حمدين صباحى وعبدالمنعم أبوالفتوح أضعف كليهما، والأخير حاول أن يخاطب السياسيين والتقدميين واليساريين، فأصبح خطابه السياسى بالضرورة لا يرضى أحداً. أما عمرو موسى فكانت له حظوظ كبيرة فى مختلف الاستفتاءات، لكن مناظرته لأبوالفتوح ربما هى السبب فى خسارته، خصوصاً أن طرحه لقضية العدالة الاجتماعية كان باهتاً. ونتيجة لما سبق أصبح الدكتور مرسى يغرد منفرداً، لتنحصر المنافسة فى النهاية بينه وبين الفريق شفيق.[Image_2]
ومن الملاحظ أيضاً، وفقاً للأحداث، أن «الإخوان» وحزب الحرية والعدالة التابع لها حاولا الاستئثار والسيطرة على جميع مفاتيح السلطة، فأخذوا مجلسى الشعب والشورى، وسعيا إلى الهيمنة حتى على الجمعية التأسيسية الثانية للدستور، على الرغم من وجود حكم بإبطال الأولى، كما أن حرص وسعى الجماعة للحصول على منصب رئيس الجمهورية لا يخفيان على أحد.
* وكيف تقيم أداء الإخوان المسلمين فى البرلمان؟
- أنا أتصور أن أداء البرلمان حكمته مصالح الجماعة، وكل مشاريع القوانين التى طرحت فى مجلس الشعب كانت لها أغراض انتخابية؛ لذلك كانت قوانين «شعبوية» لا تخدم فى المقام الأول مصلحة الوطن، ومنها قانون الثانوية العامة، الذى قصرها على سنة واحدة، بدلا من اثنتين، تحت دعوى تخفيف العبء والضغط عن كاهل الأسرة المصرية، فى حين أن مصلحة الوطن تقتضى النظر والاهتمام بالعملية التعليمية ككل، وألا نختزل الأمر على قضية الثانوية العامة، كما أننى واثق من أن القانون لن يخفف الأعباء والضغوط عن الأسرة، وإنما سيزيدها؛ فامتحانات عام واحد ستجعل أسعار الدروس الخصوصية تتضاعف. والحل الحقيقى لأزمة التعليم يتطلب البدء بمرحلة التعليم الأساسى، وتوفير الميزانيات المناسبة، وتغيير المناهج بما يتناسب مع طبيعة المرحلة، إضافة إلى تأهيل المعلم. وما قلته فى مشكلة التعليم ينطبق أيضاً على قانون تثبيت المؤقتين، وأعدادهم بمئات الآلاف، ويبدو القانون مفيداً، لكن فى المقابل ينبغى تثبيتهم فى فرص عمل حقيقية تسهم فى زيادة الإنتاج، وليس تكديس المصالح الحكومية بالموظفين.[Quote_2]
واتضح أيضاً فى أداء البرلمان استمرار مشكلة تفصيل القوانين التى يجب أن نتجاوزها، وبدا هذا فى قانون العزل السياسى، فى حين كان من المفترض أن تحمى الثورة نفسها بإصدار قانونين مهمين، الأول: إنشاء محاكم للثورة، الثانى: إصدار ما يعرف بمحاكم «الغدر» لعزل المسئولين السياسيين فى النظام السابق الذى جرى إسقاطه. وكان يجب أن يحدث ذلك منذ فبراير 2011. وإذا غفلنا عن الأمر وقتها ولم نقم به، كان علينا أن نصدر التشريعين فى يناير 2012، خلال الجلسات الأولى للبرلمان، لكن أن أقدم القانون بعد إعلان عمر سليمان ترشحه للرئاسة، فهو أمر يذكرنا بترزية التشريعات فى البرلمانات السابقة.
* هل يرجع ذلك إلى أن البرلمان لم يكن يملك صلاحيات واضحة، أم بسبب ما تردد عن وجود صفقات بين الحرية والعدالة والمجلس العسكرى؟
- الاحتمالان قائمان، وبالإضافة إليهما فإن أعضاء البرلمان كانوا يعملون لمصالحهم، وليس لمصلحة الوطن، وكان على الجميع أن يتركوا خلافاتهم الحزبية والمصالح الضيقة جانباً وأن يلتقوا من أجل الوطن.
* وإلى أى مدى أسهمت التجربة البرلمانية فى حالة التخبط التى نعيشها الآن؟
- ما نعيشه الآن ليس ناتجاً عن سلبيات التجربة البرلمانية وحدها، فعلينا ألا ننسى أيضاً استفتاء مارس، وهو سبب أساسى فى حالة التخبط التى نعيشها الآن، ولا تزال آثاره حاضرة، خصوصاً فيما يتعلق بالمادة 28 من الإعلان الدستورى، التى يرفضها الجميع.
* وما رأيك فى الحكم الذى صدر على مبارك فى قضية قتل الثوار؟
- لا أستطيع التعليق على حكم قضائى، لكنى أرى أن الشارع والثوار انشغلوا بقضايا جانبية منذ 12 فبراير 2011 إلى الآن، وغابت عنهم القضايا المحورية فى كل مرحلة؛ فلم نشاهد مثلاً مليونيات تخرج ضد التعديلات الدستورية، ولم نر جمعة للدستور، أو أخرى للمحاكم الثورية، وتركنا قضية مبارك للقضاء العادى لينظر الأمر، ويصدر الحكم، لكننى دائماً أقول، بغض النظر عن طبيعة الحكم: إنه للمرة الأولى فى التاريخ المصرى يصدر على رئيس فى حياته حكم بالمؤبد، وأرى فى هذا عبرة لمن يخشى.
* وفى رأيك، لماذا انشغل الثوار بقضايا فرعية بعيداً عن أولويات كل مرحلة؟
- لأنهم تفتتوا، وتحولوا إلى مجموعات تشعر بذاتية عالية جداً، وتم تشكيل جماعات ثورية وائتلافات لم تكن لها أى علاقة بالثورة، وكان من الأفضل، لو جرى البدء فى تكوين حزب يعبر عن أهداف الثورة، ووضع آليات لتحقيق مطالبها وأهدافها، وربما يكون حزب الدستور، المزمع إنشاؤه، قادراً على لم شمل الثوار الحقيقيين، ويمكننا اعتبار السنة ونصف السنة المقبلة مرحلة فرز، لنبدأ من جديد. وأغلب الثورات فى التاريخ تعقبها فترة من عدم الاستقرار، وتواجهها ثورات مضادة، لكن لفترة مؤقتة.
* ما نصيب الدكتور البرادعى من الانتقادات التى وجهتها للقوى الثورية وغيرها؟
- ثورة يناير جاءت نتيجة موجات ثورية بدأت منذ عام 2004، مع ظهور حركة «كفاية»، ومن بعدها «6 أبريل»، ثم «الجمعية الوطنية للتغيير». ودون شك أرى أن عودة الدكتور البرادعى إلى مصر كان لها دور مهم فى التحضير للثورة، وعندما تسمع له تجد أن تحليله السياسى ممتاز، كما تنبأ بأن تظاهر مائة ألف شخص فى ميدان التحرير يمكن أن يسقط النظام، وأنا شخصياً كنت أود أن يكون البرادعى هو قائد الثورة؛ لأنه شارك فى أحداث جمعة الغضب، ولو استمر فى النزول للميدان لأصبح المتحدث الرسمى باسمها، وحتى الآن أنا لا أستطيع تفهم أسبابه فى التراجع عن خوض السباق الرئاسى، وكان رأيى أن نخوض معركة سياسية فى الشارع، وإما أن نكسب وإما أن نخسر. وأعتقد أن البرادعى لو كان قد استمر فى السباق ربما حسم المعركة من الجولة الأولى.
* لكن هناك حملات كثيرة ضده، يرى البعض أنها تهدف إلى تشويه صورته؟[Quote_3]
- كلها حملات كاذبة؛ فهو لا يحمل جنسيتين، وزوجته ليست أجنبية، وعلى العكس تماماً البرادعى رجل «زى الفل»، وأرى أنه من المناسب الآن أن يعود إلى الملعب السياسى من خلال حزب سياسى له برنامج واضح.
* كم من الوقت يلزم لحزب الدستور حتى يستطيع أن ينافس بقوة على السلطة؟
- أرى أنه من الضرورى أن يأخذ وقته الكافى حتى لا يتفكك أو يُخترق، ويمكن أن تمر شهور حتى يجرى البدء فى لم الشمل، لتحقيق أهداف الثورة، حتى لا تضيع دماء وأحلام خالد سعيد، ومينا دانيال، ولا عينا أحمد حرارة، وغيرهم من الشهداء والمصابين الذين ضحوا حتى يعيش الآخرون حياة كريمة. كل هؤلاء يجب أن يعبر عنهم حزب منظم وقوى يطرح نفسه بوضوح، وتصبح له فرصة كبيرة فى أى انتخابات رئاسية مقبلة، ولا مانع لدىَّ فى الانضمام للحزب بعد أن أرى برنامجه وتنظيمه.
* كيف ترى مستقبل مصر بعد أن يجرى إعلان الرئيس الجديد؟
- لا أستطيع التنبؤ؛ لأن هناك متغيرات أهم من ذلك بكثير، كالدستور مثلاً؛ لأنه هو الذى سيحدد مستقبل البلاد، وليس الرئيس، وكنت أود لو أن الثوريين ومحبى الوطن الحقيقيين عملوا مليونية للدستور، فيصبح لها معنى وهدف، حتى يكون لدينا دستور يعبر عن ألف وباء وجيم.
* مثل ماذا؟
- إن مصر جمهورية، دولة مدنية، وجزء من الأمة العربية، ودينها الإسلام فى المادة الأولى، وفى الثانية أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع، ولغير المسلمين الحق فى اللجوء لشرائعهم فى الأحوال الشخصية والحريات، مع تأكيد إمكانية التداول السلمى للسلطة، وهناك التعليم الذى يجب أن تكون له أولوية ومكانة فى الدستور، إضافة إلى حقوق الإنسان والمواطنة، بمعنى أن المواطنين فى مصر على مسافة واحدة من القانون: رجل ومرأة، مسلم ومسيحى.
* وماذا عن وضع الجيش ومكانته فى الدستور؟
- لا يُكتب فى الدستور، إنما فى تفاهمات جانبية بقوانين معينة، ويكفى أن يذكر الدستور أن الجيش المصرى وطنى له دور عظيم، وأنه جزء من الجهاز التنفيذى، وهناك شىء اسمه لجنة الدفاع القومى بمجلس الشعب، تستطيع أن تناقش ميزانياته.
* أى من الشخصيات غير الموجودة فى الجمعية التأسيسية للدستور كنت تتمنى مشاركتها فى كتابته؟
- أود أن أشاهد فقهاء القانون الدستورى، يجب أن يكونوا موجودين بكثافة، أود أن أشاهد نور الدين فرحات وجابر نصار وإبراهيم درويش وطارق حجى وفاروق جويدة وحسام عيسى، ولا بد من تمثيل للمرأة؛ فهناك مثلا تهانى الجبالى، ولا بد من ممثلين عن الأحزاب، ومن العلماء مثل الدكتورة رشيقة الريدى وأحمد عكاشة.
* ماذا عن طارق البشرى؟
- هناك علامة استفهام بشأنه؛ لأنه من أوقعنا فيما لا نستطيع الخروج منه الآن، وهو المسئول عن تلك التعديلات الدستورية المأساوية، ولا أستطيع أن أذكره ضمن الجمعية لأنه خبير فى القانون الإدارى، وليس الدستورى.
* أنت طبيب كلى ومسالك بولية، لو افترضنا أن مصر فى حاجة لاستئصال جزء من جسدها، ما هو؟
- الفساد موجود فى كل شىء، ويستطيع أن يقضى على أمة بأكملها، لكن القضاء عليه يمكن أن يبنى دولة، أمامنا مثلا دولة البرازيل، فمن 10 سنوات كانت دولة عادية للغاية، إلى أن جاء «لولا»، وكان برنامجه سطرا واحدا، هو «احتواء الفساد»، وفى 8 سنوات فقط قضى عليه، لتصبح بعدها البرازيل سادس اقتصاد فى العالم.
* وما الذى تحتاج مصر إلى زراعته؟
- تحتاج التعليم؛ فهو الأولوية فى أى مشروع قومى، وأنا أقصد التعليم بمراحله المختلفة: الأساسى والثانوى والجامعى، وأرى أنه المدخل الوحيد للنهضة، بل إنه الباب الملكى للارتقاء الاجتماعى والثقافى والعلمى، للتنمية البشرية والاقتصادية.
* وماذا عن فترة النقاهة حتى يتعافى البلد؟
- من 5 إلى 20 سنة يأتى الأثر المطلوب من التعليم الصحيح، لكن يجب أن يسير تطوير التعليم جنباً إلى جنب مع التنمية الاقتصادية، حتى تكون هناك قوة ناعمة وخشنة.