«دقيقتان» تحسمان تعديلات «الهيئات القضائية» بعد مناقشات 4 شهور
جانب من الجلسة العامة لمجلس النواب
خط رفيع يفصل بين السلطتين التشريعية والقضائية طوال الوقت، والحقائق وفقاً لتاريخ الحياة البرلمانية، أن البرلمان دائماً ما يتحسس هذا الخيط إذا ما قرر إجراء تعديل فنى على بعض التشريعات التى تخص القضاء.
أما مجلس النواب الحالى برئاسة الدكتور على عبدالعال، فالتوقعات والرهانات معه دائماً ما تكون محفوفة بالمخاطر، فلم يكن أحد يتوقع أن اللقاءين اللذين عقدهما «عبدالعال» مع رئيس نادى القضاة المستشار محمد عبدالمحسن، ومن بعده المستشار على رزق، رئيس هيئة النيابة الإدارية يوم 18 من الشهر الحالى سيذهبان أدراج الرياح، وسينتهى الأمر إلى الموافقة النهائية على تعديلات قانون الهيئات القضائية، لينقطع الخيط الرفيع وتبدأ مرحلة الاحتقان بين السلطتين التى باتت بوادرها فى المشهد بإعلان قضاة مجلس الدولة عدم إشرافهم على الانتخابات البرلمانية المقبلة احتجاجاً على تمرير قانون الهيئات القضائية. وبعيداً عما ستشهده الأيام المقبلة من تصعيد محتمل من قبل الهيئات القضائية، فإن البرلمان بإعلان موافقته النهائية على تعديلات القانون والمقدم من النائب أحمد حلمى الشريف وكيل اللجنة التشريعية قد أنهى مهمته.
مجلس الدولة يرفض الإشراف على الانتخابات.. وبرلمانيون: تعديل لخفض سن تقاعد القضاة.. وسياسيون: هدم للدولة وجهل بالقانون والدستور
مصادر برلمانية أكدت لـ«الوطن» أنه حال تصعيد القضاة ضد البرلمان، فإنه من المتوقع إجراء تعديلات جديدة على قانون السلطة القضائية وفى مقدمتها خفض سن التقاعد للقضاة، وذلك بعيداً عن موقف الحكومة التى كانت قد أعلنت عدم وجود أية مشروعات بتعديل هذا القانون. وأشارت المصادر لـ«الوطن» إلى أن أغلبية أعضاء اللجنة التشريعية وأغلبهم نواب بائتلاف «دعم مصر» اتفقوا على حسم التصويت على القانون داخل الجلسة العامة. وذلك لتفويت الفرصة على المعارضة والتى يتزعمها نواب تكتل «25 - 30» من إحداث ضجيج حول المشروع قبل إقراره بشكل نهائى.
وأوضحت المصادر أن سيناريو الموافقة على تعديل قانون الهيئات القضائية فى دقيقتين بأغلبية أعضاء المجلس تم التوافق عليه بين أعضاء البرلمان الموافقين على مشروع القانون، دون إعطاء الفرصة للنواب المعترضين للحديث فى الجلسة العامة، ولم يلتفت الدكتور على عبدالعال رئيس المجلس إلى الطلب الموقع من 35 نائباً بضرورة إجراء التصويت على قانون الهيئات القضائية نداءً بالاسم.
وقال النائب علاء عبدالمنعم، عضو مجلس النواب، إن رئيس مجلس النواب خالف صريح نص المادة 325 فقرة ثانية من اللائحة الداخلية للمجلس خلال مناقشة التعديلات على قانون الهيئات القضائية، والتى نصت على أنه يؤخذ الرأى نداءً بالاسم إذا ما طلب 30 نائباً ذلك، وكل ما على رئيس المجلس أن يتأكد من وجود الموقعين على هذا الطلب داخل الجلسة العامة.
وأضاف «عبدالمنعم»: «هذا الطلب قُدم بالفعل إلى الأمين العام المستشار أحمد سعد الدين الذى أشّر عليه ورفعه إلى رئيس المجلس فى الوقت ذاته، ولا توجد سلطة تقديرية لرئيس المجلس فى أن يعمل أو لا يعمل هذا ، بل عليه التنفيذ، حيث تنص المادة فى فقرتها الأولى على أن يكون أخذ الرأى نداءً بالاسم فى الحالات الآتية: إسقاط العضوية أو تقدم 30 عضواً بطلب إلى رئيس المجلس». وشدد «عبدالمنعم» على أن رئيس المجلس خالف اللائحة الداخلية، مشيراً إلى أنه لم يتم التحقق من اكتمال النصاب القانونى للتصويت على هذا القانون باعتباره أحد القوانين المكملة للدستور. وتساءل: لماذا يتم إهمال التصويت الإلكترونى خلال التصويت على القوانين المكملة للدستور؟
فى المقابل، أكد النائب أحمد حلمى الشريف، وكيل اللجنة التشريعية ومقدم مشروع القانون، أن البرلمان أعمل أحكام الدستور وكان حريصاً طوال الفترة التى استغرقها القانون فى المناقشة على الاستماع إلى رؤية الهيئات القضائية، إلا أنهم كانوا دائماً يرفضون سواء حينما تقدمت بالتعديل الأول أو فى التعديل الثانى.
وأشار «الشريف» إلى أنه لا يوجد أى حالة عداء بين السلطتين التشريعية والقضائية، وأن التعديل يحدد وينظم آلية اختيار رؤساء الهيئات القضائية بدلاً مما كان معمولاً به من قبل وهو رئاسة الهيئة للأكبر أو الأقدم سناً وفقاً للأعراف.
وفجّر إقرار مجلس النواب تعديلات قانون السلطة القضائية، أمس، أزمة كبيرة بين الهيئات القضائية، وفى الأوساط السياسية والقانونية، حيث وصف عدد كبير من السياسيين والحزبيين والدستوريين، القانون بأنه «غير دستورى وغير ملتزم بمبدأ الفصل بين السلطات وأنه تدخّل صريح فى شئون السلطة القضائية»، واعتبروا أن البرلمان يجهل القانون والدستور ويهدم الدولة ولا يدعمها لأن هذا النزاع يهدد عصب الدولة المصرية فى ظل الظروف العصيبة التى تمر بها.
وقال طارق نجيدة، القيادى بحزب التيار الشعبى «تحت التأسيس» إن قانون السلطة القضائية الذى أقره مجلس النواب غير قانونى وغير دستورى وبه انتهاك واضح ومتعمد لاستقلال السلطة القضائية، وأضاف أن إقرار القانون فى ذلك التوقيت يثير التساؤلات عن الجدوى والدافع وراءه، فهذا التعديل شكلى ينتهك السلطة القضائية ويثير الدهشة والريبة، مشيراً إلى أن القانون صدر لمنع المستشار يحيى الدكرورى من رئاسة مجلس الدولة.
وتابع: البرلمان يهدم الدولة، ولا يدعمها، وما أصدره من تعديلات بقانون السلطة القضائية تخول للرئيس تعيين رؤساء الهيئات القضائية مرفوض وعدوان على القضاء لا يختلف عن العدوان الذى بدأه الرئيس المعزول محمد مرسى فى 2013. وأكد الدكتور محمد فؤاد، المتحدث باسم حزب الوفد، أن إقرار مجلس النواب تعديلات قانون السلطة القضائية، ضارباً برأى مجلس الدولة عرض الحائط، دون الالتزام بمبدأ الفصل بين السلطات، خطيئة لا تغتفر وما كان للبرلمان أن يدخل فى مثل هذا التحدى.
وقال «فؤاد» إن تمرير القانون الموجَّه يُسلط السلطة التنفيذية على السلطة القضائية، ويهدر مبدأ الفصل بين السلطات واستقلال القضاء»، مشيراً إلى أن استقرار مبدأ الفصل بين السلطات يعنى استقرار الوطن كله.
وأضاف أنه كان من الأفضل تعديل شامل للقانون بالتوافق مع الهيئات القضائية المختلفة والأخذ برأيها، لكن بتمرير البرلمان لهذا التعديل المشوب بعدم الدستورية يفتح الباب للصدام بين السلطة التشريعية والسلطة القضائية والتشكيك فى نزاهة القضاء وإهدار قدسية قراراته، حيث إنه لم يعد سلطة مستقلة.
وقال ناجى الشهابى، رئيس حزب الجيل، إن البرلمان الحالى ذبح القضاة بهذا القانون غير الدستورى الذى يهدد استقلال السلطة القضائية، وهو ما لم ينجح فيه نظام الإخوان، مؤكداً أن إصدار القانون فى هذا التوقيت، يعد انتقاماً من مجلس الدولة الذى أصدر حكماً بعدم دستورية اتفاقية «تيران وصنافير». وقالت المستشارة تهانى الجبالى، مؤسس التحالف الجمهورى، ونائب رئيس المحكمة الدستورية العليا السابق، إن إقرار البرلمان لتعديلات السلطة القضائية أمر مثير للدهشة لأنه خلق أزمة مع القضاء وأهدر مبدأ الفصل بين السلطات، فى الوقت الذى يجب فيه أن تتكاتف هذه السلطات وتكمل بعضها فى المرحلة الصعبة التى يمر بها الوطن.
وقال الدكتور مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن القانون مخالف للدستور، ويعد تدخلاً صريحاً فى شئون السلطة القضائية، مشيراً إلى أن البرلمان يحاول عقاب القضاء بعد حكم المحكمة الإدارية العليا بمصرية «تيران وصنافير».