«الوطن» قوته فى ناسه.. المواطن «لما يبقى مسئول»: أنت صاحب المشكلة.. وأنت «اللى فى إيدك تحلها»
إسلام عمران وصديقه أثناء تركيب لافتات «انتبه مطب» بالفرافرة
مواطن ومسئول وبينهما مشكلة، الأول يعانى والثانى «مطنش»، والثالثة قائمة ومستمرة بل وتتفاقم، فى مدن كثيرة من شمال مصر إلى جنوبها مشاكل كثيرة يعانيها المواطنون، يشكون كثيراً دون مجيب، يطرقون أبواب المسئولين ولا أحد يستمع إليهم، وفى النهاية لا يجدون أمامهم سوى حل مشكلتهم بأنفسهم، يتبادلون الأدوار مع المسئولين لحين الخلاص من المشكلة التى تقبع على أنفاس منطقتهم، قمامة، مطبات، توصيل مواسير مياه شرب وصرف صحى، وغيرها من المشاكل التى قام المواطنون بحلها بأنفسهم دون انتظار حل الحكومة الذى ربما لا يأتى.
على الطريق السريع، أمام قرية الكفاح بالفرافرة بالوادى الجديد، كان إسلام عمران، يفزع من صوت «فرملة السيارات» بسبب وجود مطب صناعى مع كومة من الكثبان الرملية التى تعيق المرور على الطريق وتتسبب فى العديد من الحوادث التى تقع يومياً أمام عينيه، مر «عمران» بثلاثة مواقف كانت فى غاية الصعوبة عليه، الأول هو حادث انقلاب سيارة كان بداخلها ثلاثة أطباء جاءوا من القاهرة، توفى أحدهم وأصيب الآخران بإصابات شديدة الخطورة، والثانى هو وفاة أحد أصدقائه فى حادث على الطريق، أما الثالث فحالة إغماء تعرض لها شاب كان يقود موتوسيكل لمدة ثلاث ساعات على الطريق وانقلب به لعدم رؤيته المطب.
«عمران» صمم لافتات تحذر من وجود مطبات بالفرافرة للحد من الحوادث
المواقف الثلاثة كانت سبباً فى حدوث تغيير للأفضل، حيث قام «عمران» بتصميم لافتات قبل المطبات تحذر منها، وذلك بمشاركة صديقه أحمد يوسف، الاثنان صنعا 12 لافتة أمام المطبات الستة التى طالما عانى منها قائدو السيارات وأهالى المنطقة: «بعد اللافتات دى بقى فيه فرق كبير، مفيش حوادث، شبه انعدمت، لا بنسمع صوت خبط عربيات ولا فرملة، خاصة إن إحنا حطيناهم قبل المطب بمسافة عشان يهدى، والكلام مكتوب بحبر فوسفورى عشان تلمع بالليل مع كشافات العربيات وياخدوا بالهم».
تكلفة اللافتات 1800 جنيه، وتركيبها استغرق 4 أيام من العمل، ويفكر «عمران» حالياً فى عمل تطبيق إلكترونى على الهواتف المحمولة الذكية، لتنبيه الناس بالمطبات الخطرة الموجودة بالوادى الجديد ومناطق وجود الكسبان الرملية، ويبحث فى كيفية تنفيذه خدمة لأهالى منطقته: «قبل ما أبدأ شغل، رحت المجلس المحلى لمنطقة الكفاح وعرفتهم شكوى الأهالى، قالوا لى الطرق هى المختصة، اتصلنا بالطرق ماحدش سأل، فاضطرينا ناخد إجراء من نفسنا ونصلح الوضع اللى شايفينه بايظ، وناخد إجراء إيجابى للمجتمع».
محمد يوسف جمع القمامة ووضع لافتات تحث المواطنين على النظافة بالزاوية الحمراء
يرى «عمران» أن المواطن عليه أن يعمل من أجل المجتمع، يقدم ولو شيئاً بسيطاً، سواء أمام بيته أو فى الشارع الذى يسكنه أو منطقته حسب إمكانياته: «هتفرق كتير لو كل واحد ساعد ولو بفكرة، الدنيا هتبقى أحسن، مش لازم نستنى الحكومة على قد ما نقدر نخدم بعض، لازم المواطن يكون مسئول».
مشكلة أخرى يحاول «عمران» مواجهتها فى الفرافرة، وهى ضعف شبكات تليفون المحمول فى عدد كبير من المناطق، فهناك 10 قرى معدومة الشبكات، وذهب لمحافظ الوادى الجديد لبحث أمر تلك المشكلة: «لازم تتحل، سيبك من اللى بيحتاج التليفون عشان الشغل، إنما اللى لو لا قدر الله عمل حادثة، الثانية بتفرق معاه ومكالمة تليفون ممكن تنقذ حياته»، ويتمنى أن يتشجع المواطنون ويبدأوا فى خدمة بحث حلول لأزمات مناطقهم دون انتظار حلول الحكومة.
فى منطقة الزاوية الحمراء، وتحديداً فى شارع رضوان سليم المتفرع من مدينة النور، يعيش «حداد الباب والشباك» محمد يوسف، كانت القمامة تملأ الشوارع: «كنت كل يوم ألاحظ إن فيه مناطق متكوّمة زبالة ومحتاجة عربيات علشان تتشال»، كان المشهد يضايق «يوسف»، فقرر خدمة أهالى منطقته، وحل المشكلة التى تؤرقهم بجمع القمامة وتنظيف المكان منها نهائياً وعمل أعمدة فى ورشته تحمل كلمات توعوية وتحذيرية من قبيل «النظافة من الإيمان.. ممنوع إلقاء القمامة».
تحمل «يوسف» تكاليف الأعمدة وأجرة الخطاط وبمجهوده الشخصى بدأ فى وضع اللافتات فى أكثر من مكان، ونجحت فكرته فى الحفاظ على المكان نظيفاً، فسرعان ما استجاب لها المواطنون: «الحمد لله قدرت أقدم خدمة لجيرانى وأهل منطقتى فى الوقت اللى مفيش حد فيه بيخدم حد، ولا بيتبرع من معاه، لكن أنا بالنسبة ليا أهل حتتى مش أغراب، ودى الخدمة اللى الواحد يقدر يقدمها، وربنا قدّره عليه».
بعد نجاح تجربته، قرر تكرارها فى مناطق أخرى فى محيط الزاوية الحمراء، مثل حدائق كوبرى القبة، عزبة أيوب، الوايلى، وغيرها: «الإهمال فى بلدنا كبير، لكن فعلاً الناس عايزة اللى يحركها، ومستنيين حد يعمل حاجة صح ويمشوا عليها، والدليل إنهم مابقوش يرموا زبالة وبيلتزموا وأنا لو شفت حد بيرمى بنبهه وأقوله إن كده غلط». ذهب «يوسف» أيضاً إلى مبنى رئاسة الحى مع أهالى منطقته، وطلبوا من مسئولى الحى صناديق قمامة لوضعها فى مناطق مختلفة، وهو ما حدث بالفعل فزادت نظافة الشوارع.
أما التغيير الذى حدث فى قرية كفور الغاب التابعة لمركز كفر سعد، آخر مدينة دمياط وعلى حدود محافظة الدقهلية، كان بفضل بعض شبابها، فبسببهم تبدل حال القرية إلى الأفضل، بعدما أسسوا رابطة «كفور الغاب» التى تعمل على حل مشاكل القرية وتضم 7 أشخاص من تخصصات مختلفة: أطباء، صيادلة، مهندسين وأعمال حرة، وبحسب محمد الشهاوى: «زرعنا نخل فى كل مكان، ولوّنا الرصيف ودهناه، والعمدان عملناها نفس اللون، ورحنا مجلس المدينة وجِبنا منهم كشافات وحطينا كشافين على كل عموم»، كما قامت الرابطة بعمل 10 مطبات صناعية من أمام المدخل وبالقرية لتقليل الحوادث.
فى البداية سخر البعض منهم قالوا عنهم «دول شوية عيال»، لكن بعد أن وجد الأهالى تغيراً كبيراً على أرض الواقع، اتجهوا لمساعدتهم، وانضم لهم شباب آخرون: «بعد كده كان فيه إحلال وتجديد فى رصيف دمياط الجديدة، إحنا استغلينا الوضع ده، وجبنا الرصيف المستعمل والهالك اللى كان هيترمى، نقلناه عندنا وخزّناه وعملناه رصيف جديد ولوناه».
لم يكتف الأهالى بهذه الخدمات، بل أصروا على تطوير القرية أكثر: «كان فيه جزء حصل فيه مشكلة فى الصرف، جرينا لمجلس كفر سعد لتعديل المشكلة». يؤكد «الشهاوى» أنه إذا اهتم كل مواطن بالمكان الذى يعيش فيه، وشعر بمسئولية تجاهه، ستتغير كل الشوارع والقرى إلى الأفضل، وسيتعاون المسئولون معهم: «اللى إحنا شفناه إننا لما اشتغلنا وعملنا إنجاز على أرض الواقع، لما طلبنا مساعدة من مسئول بعدها وقف جنبنا، لكن المسئول من نفسه مابيتحركش ولو ماشتغلناش ماكانش مسئول يتحرك».
فى شارع أحمد عرابى بمنطقة البراجيل التابعة لمحافظة الجيزة، أجبر المواطن، المسئول على العمل، ودفعه إلى حل المشكلة وتجميل الشوارع بعد أن كانت مشوهة بالقمامة والأتربة، حيث بادر حجاج الشيخ، أحد الأهالى، بوضع قصارى الزرع أمام منزله، حاول تشجير المكان ليطغى اللون الأخضر على أى صورة سيئة بالمكان: «التشجير هو أنسب وسيلة أخدم بيها أهالى المنطقة، الشكل العام يبقى أفضل للشارع اللى قاعدين فيه».
تعاون الناس فيما بعد، وبدأ العديد منهم فى عمل الشىء نفسه: «الناس بقت تشيل الزبالة، وتعمل أحواض زرع، ولما المنطقة بقيت أفضل فعلاً، وزير البيئة خالد فهمى زار المنطقة وشجع الناس وتعاون معانا وبعت لنا قصارى زرع وبعت لنا إدارة التشجير والأحواض».
يؤكد «حجاج» أن المواطن إذا بادر بخدمة منطقته وأصبح مسئولاً، سوف يجبر أى مسئول على العمل، وهو ما حدث: «المواطن بمجهوداته الذاتية وأفكاره يشجع ويحرك المسئول، المواطن يبدأ وهما يتحركوا لكن لو المواطن اتكل وسكت وانتظر مش هيحصل حاجة».