«نجدى».. «عتّال» من 27 سنة: «تعبت من شيل الحمول لكن مش هقعد فى البيت لأن الإيد البطالة نجسة»
«نجدى» يواصل عمله رغم عمره الذى قارب على الستين
داخل مخزن كبير يزيد على 6 آلاف متر مربع مملوء ببضائع مختلفة الأنواع، ما بين مواد كيميائية وأخرى صلبة ثقيلة، وثالثة كبيرة الحجم يصعب حملها، ينثنى بجسده الممتلئ ذى البشرة السمراء التى أحرقتها الشمس، من الساعة التاسعة صباحاً وحتى الثالثة والنصف مساء، لا يستطيع سمير نجدى بيومى، الحصول على استراحة كافية تعيد إلى بدنه المنهك عافيته ليواصل عمله فى حمل البضائع للشحن والتفريغ.
«نجدى»، 57 عاماً، الذى يعمل عتّالاً بأحد مخازن الشركة العربية للتجارة الخارجية فى شبرا الخيمة بمحافظة القليوبية، قضى نصف عمره عاملاً بالشركة العربية كـ«عتّال» يقوم بحمل البضائع من الشاحنات إلى المخزن ومن المخزن إلى الشاحنات التى تأتى لتحصل على بضائعها، مدة عمله الطويلة فى هذه المهنة الشاقة زادت من نقمته على الأوضاع إلا أنه يواصل عمله متحملاً مشقة الحياة وإصابات العمل: «تعبان من الشغل والشيل كل يوم ومفيش راحة بس هعمل إيه؟ أدينى بصبّر نفسى وأقول إنى لاقى شغل، أحسن من القعدة فى البيت ولو كنت بتصاب ولا بتعوّر فبقول ده نصيب والحمد لله».
سقطت عليه مواد كيماوية وأحرقت ظهره دون أن تساعده الشركة.. وراتبه أقل من 1000 جنيه.. ويقول: «بحمد ربنا»
قضى «نجدى» نحو 24 عاماً من عمره فى أحد مخازن الشركة بالخانكة تعرّض خلالها لإصابات كثيرة، لكن ما إن يتعافى من الإصابة حتى يعود إلى العمل فى حمل البضائع دون توقف. راتبه القليل الذى يبلغ نحو 960 جنيهاً فقط يدفعه لمحاولة العمل فى مهنة أخرى بعد انتهاء عمله بهذه الشركة الكبيرة، مثل الكثير من العمال فى بقية المصانع الذين يحاولون زيادة دخلهم بالعمل فى أى مهنة أخرى بعد الظهر، لكن طبيعة العمل تجعله غير قادر على القيام بأى شىء آخر سوى النوم فى المنزل: «الشغل هنا بيهدّ الواحد وأنا كان نفسى أقدر أزود دخلى وأشتغل شغلانة تانية، لكن الواحد بيروّح البيت بيكون خلاص اتهدّ حيله ومش قادر يعمل حاجة، أصلى المغرب وبعده العشاء وأنام على طول». يصف «نجدى» رحلة عمله اليومية بالشاقة والطويلة، حيث يبدأ يومه بالاستيقاظ فى السابعة صباحاً بمنزله فى جزيرة النجدى مركز قليوب بمحافظة القليوبية، ويستقل السيارات الأجرة حتى يصل إلى العمل بعد نحو ساعتين تقريباً ذهاباً وإياباً كل يوم إضافة إلى 8 ساعات عمل داخل المخزن يقضيها فى حمل البضائع من وإلى الشاحنات التى تتردد يومياً على المخزن لتحميل البضائع وتشوينها، مضيفاً أن البضائع التى يحملها تتراوح ما بين مواد كيميائية وصلبة ومواسير والكثير من البضائع الخاصة بالشركات مقابل مبلغ مالى تدفعه للمخزن، مشيراً إلى أن البضائع الموجودة بالمخزن تكاد تكون خطرة فى الكثير من الأحيان، خاصة المواد الكيميائية، ذاكراً حادثاً تعرّض له العام الماضى، بسقوط كمية كبيرة من المواد عليه، ما أدى إلى إصابته بحروق كبيرة فى ظهره. ويتابع: «رحت جريت على المستشفى وجبت تقرير حالة إن عندى إصابة عمل، وبقيت أروح وأجرى على الشركة علشان آخد إجازة إصابة عمل، لكن فضلوا يحيرونى من هنا لهناك، وكله شال إيده وما سألش فيّا، واضطريت آخد إجازة على حسابى وأعالج نفسى»، موضحاً أنه تعافى بعد قرابة شهر من الإصابة التى تلقّى علاجها على نفقته الخاصة دون أى مساعدة من شركته التابعة للشركة القابضة للتشييد والتعمير التابعة لوزارة قطاع الأعمال، مضيفاً أن أحد زملائه منذ عام ونصف عام سقطت عليه كمية كبيرة من مواتير المياه التى كانت بالمخزن خلال قيام الأوناش بحمل كمية منها وأدت إلى وفاته بعد إصابته بإصابات بالغة، قائلاً: «المواتير التقيلة من سنة ونص تقريباً كنا بنشيلها وكان الفوركلفت اللى بيشيل البضاعة بيرفع مواتير فوقع عليه المواتير دغدغدت الحوض، جرينا زى المجانين على المستشفى إلا أنه لفظ أنفاسه قبل أن يتلقى العلاج اللازم».
العتال العجوز: عيد العمال بالنسبة لى مجرد يوم إجازة والنقابات العمالية دى آخرها تطلع فى التليفزيون
يوضح «العتال» أن مهنته تعرضه للخطر دائماً، نظراً لوجود بضائع تكاد تكون خطرة فى حملها أو نقلها من مكان لآخر، إلا أنه لا يجد وسيلة تنقذه من هذه المعاناة، وأن المخزن يحتوى على كميات كبيرة من البضائع لكون المخزن يفتح بابه للشركات الخاصة وليس مخصصاً لشركته فقط، فتأتى الشركات من كل مكان تقوم بتخزين بضائعها ما بين منظفات ومواد كيماوية وأسمدة ومواد كاوية ومواتير وطلمبات مياه يعمل هو وزملاؤه فى نقلها، مستشعرين الخطر دائماً، متابعاً: «إحنا هنا كلنا عارفين محدش هيجرى وراك لو وقعت عليك حاجة ولا مت ولا جرالك مصيبة ولا اتكسرت، أنا اتكسرت دراعى من فترة ولا خدت حاجة ولا حد سأل، زمايلى اللى بيريّحونى فى الشغل والشيل».
وقال «نجدى»: «الشركة كان المفروض تدينا بدل غدا ومواصلات، راحت تدى البدل للخفر وسابتنا احنا اللى تعبانين ومتبهدلين، وكل فترة واحد يقع مننا، وأنا بقول الحمد لله وبحمد ربنا على الراتب القليل وبقول الإيد البطالة نجسة، وأهو ولادى بيساعدونى فى مصاريف البيت»، مشيراً إلى أن لديه 5 من الأبناء أكبرهم 31 عاماً يعمل «صنايعى بلاط» وأصغرهم 15 عاماً، موضحاً أن عيد العمال بالنسبة إليه يُعد يوم إجازة فقط، وأنه سمع عن النقابات العمالية ولكن لم يقدم له أحد أى شىء أو يدافع عن حقوقه، معلقاً: «أنا لما جسمى اتحرق ورحت أوقّع على جواب إصابة عمل، ما لاقتش حد ساعدنى، فقطعت الجواب ورميته».
ويضيف «نجدى» أن بعض زملائه من الشباب يعمل فى الشركة منذ 5 سنوات بعقود ولم يتم تعيينه وراتبه 500 جنيه فى الشهر، مشيراً إلى أن الأوضاع غير جيدة وخاصة بعد ارتفاع الأسعار، لكن العمال «مغلوبين على أمرهم» ولا يملكون شيئاً سوى الدعاء بالفرج ومواصلة العمل مهما كانت الظروف لأنه لا يوجد أى سبيل أمامهم، معلقاً: «مفيش فى إيدك حاجة غير إنك تقول الحمد لله وتشتغل، دى الإيد البطالة نجسة».