«مثقفون صعايدة»: سقط من خريطة التنمية.. فأنبت التطرف
عمار على حسن
حدد عدد من المثقفين من أبناء الصعيد مظاهر وأسباب تهميشه، محللين الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التى عاشها وما زال يعيشها حتى الآن، والتى أدت إلى نزوح بعض سكانه بعيداً عنه إلى خارج البلاد، أو إلى القاهرة والوجه البحرى، بحثاً عن منفذ من الفقر والجهل، أو استسلام البعض الآخر للظروف الاجتماعية والاقتصادية السيئة التى تعيشها كل محافظات الوجه القبلى.
«جاد»: الدولة تعاملت مع أعراض المرض وتجاهلت أسبابه.. و«عمار»: لا توجد دار نشر واحدة فتركناه بحثاً عن الثقافة
يقول الدكتور عماد جاد، المستشار السياسى بمركز الأهرام للدراسات السياسية، وأحد أبناء الصعيد، إن الصعيد بصفة عامة يعانى من مشاكل كثيرة، جزء منها بسبب زيادة عدد المواليد، حيث يعد من أكثر المناطق زيادة فى عدد السكان، وتهرباً من التعليم، حيث يغادرون من أجل العمل، فلم يتم وضع الصعيد بعد الـ10 سنوات الأولى من عهد «عبدالناصر» ضمن اهتمام الدولة، وتم تهميشه تماماً، وتم التعامل معه على أنه منفى للموظفين ورجال الشرطة، فأدى ذلك إلى أن أصبحت معدلات الأمية فى الصعيد مرتفعة، كذلك زيادة معدلات الفقر، حيث تمثلت أكبر نسبة له فى محافظات الصعيد؛ المنيا، سوهاج، الفيوم، بنى سويف، إضافة إلى زيادة نسبة الجهل، والأفكار المتطرفة، فالغالبية الساحقة من الجماعات المتطرفة توجد فى الصعيد بسبب الفقر والجهل، والتجاهل، وإسقاط الصعيد من خريطة التنمية.
ويضيف «جاد» لـ«الوطن»، أن الصعيد يحتاج بشكل ملح لاهتمام الدولة، وأن تضعه على خريطة التنمية لفترة طويلة مقبلة، حتى يمكن رفع معدلات التعليم، ورفع مستوى الدخل فتزداد مساحة الطبقة الوسطى، وتقل نسبة الجهل، ويزداد الوعى لديهم. وأوضح أن أسباب تجاهل الدولة للصعيد، تتمثل فى كونها دولة مركزية، وبالتالى الاهتمام الأكبر فيها بالعاصمة وما حولها؛ القاهرة والجيزة والإسكندرية، أما الصعيد فهو بعيد عن اهتماماتها بحكم البعد الجغرافى، ويتم التعامل معه من بعد عام 1970، من خلال البعد الأمنى فقط، لافتاً إلى أن الدولة لم تتعامل مع مسببات تأخر الصعيد وارتفاع نسب الفقر والجهل به، وإنما تعاملت مع الأعراض، بدليل تكرار الحوادث الإرهابية عبره فى كل من حادثة الأقصر عام 1997، وتفجير الكنيستين، الذى تم على أيدى شباب من قنا، بل كانوا من المنفذين الرئيسيين، فالصعيد أصبح بفعل كل عوامل التجاهل بيئة جاذبة للأفكار المتطرفة.
مجدى ملك: وجود قيادات غير مؤهلة سبب التهميش.. والحكومة لديها دراسة لخلق عاصمة جديدة فى المنيا
وقال الدكتور عمار على حسن، أستاذ الاجتماع السياسى، إن الصعيد عانى من كافة مظاهر التهميش الاقتصادى، والاجتماعى، والسياسى، والثقافى، فالصعيد الأقل استقبالاً للاستثمارات، إضافة إلى أن البيئة الصناعية القديمة التى تم تشييدها بعد ثورة يوليو تم تصفيتها تباعاً، كذلك فإن الرقعة الزراعية ضيقة مقارنة بالدلتا، فى ظل تزايد نسبة النمو السكانى المتسارعة، ومن ثم ضاق الرزق، فنزح الكثير منهم للدلتا، واجتاحوا البلدان العربية والأجنبية.
ويوضح «حسن» أن الطبقة الاجتماعية المتوسطة فى الصعيد أضيق منها مقارنة بالقاهرة، والوجه البحرى، وأقل، كذلك فإن إمكانيات الصعيد ليست كبيرة، لا سيما بعض الأثرياء فى الصعيد، الذين اغتربوا بعيداً عنه، والذين منهم آل ساويرس، إلا أنه لا يمكن حسابهم على سوهاج، حيث اندمجوا فى بيئة اقتصادية أكبر من الصعيد، وليسوا من بينهم.
ويتابع: «من أبرز مظاهر تهميش الصعيد أيضاً نسبة الفقر المدقع، فعدد من هم تحت خط الفقر، والذين هم عند حد الكفاف، قياساً لعدد سكان الجمهورية مرتفع نسبياً إذا ما تم مقارنتها بالقاهرة والدلتا، كذلك فإنها لا تقارن بالقاهرة والدلتا، من حيث التشييد العمرانى، والترفيه، فهما غير موجودين فى الصعيد».
وبالنسبة للتهميش الاجتماعى، يقول «حسن» إن الأسرة فى الصعيد أقل اندماجاً فى حركة التحديث عنها فى القاهرة والدلتا، فالطبيعة العشائرية والقبلية فى بعض القرى تجعلها أقل انصهاراً، مما تحتاجه فى العصر الحديث، كذلك المرأة الصعيدية تعانى تهميشين؛ اجتماعى وجغرافى، فهن لا يرثن، ويعانين من تعدد الزوجات، والطبيعة الجغرافية تجعل فرص التحاق المرأة بالعمل والتعليم أقل، نتيجة التقاليد والثقافة، كذلك ينسحب التهميش على الأقباط فى الصعيد، لأن نسبتهم هناك أكبر منها بالنسبة لعدد السكان، مقارنة بالأقباط فى القاهرة.
وأشار إلى أن الاهتمام بالثقافة فى الصعيد من قبل المجتمع المدنى، أقل منه فى الوجه البحرى، فالصعيد بلا دار نشر، إضافة إلى أن بعض الكتب التى تدعمها الدولة لا تصل إلى أهل الصعيد حتى هذه اللحظة، فحضور الصعيد فى الصحافة والإعلام، والمجال الثقافى العام، ضعيف قياساً إلى عددهم الكلى، كذلك يعانون من التهميش السياسى، فنسبة تمثيلهم فى السلطة التنفيذية ضعيفة، فأغلب محافظى المحافظات الصعيدية من أبناء الدلتا والوجه البحرى، وهو الأمر الذى يحدث كذلك عند تعيين الوزراء، ورؤساء إدارة الشركات والهيئات.
ويتابع «حسن» أن الشباب أيضاً لا يمنحون الفرص المناسبة فى الصعيد، فلا يحصلون على نصيب من الأراضى، ولا يمكنون منها، فالأراضى التى استصلحت غرب سمالوط فى المنيا تم توزيعها على شباب الدلتا والقاهرة، مشيراً إلى أن الشباب يعوضون التهميش بالهجرة، حيث إن محافظات الصعيد طاردة للسكان نتيجة ضعف الاستثمار، وحين يأتون للقاهرة يعانون من التهميش، فغالبيتهم حين يتوافدون للقاهرة يعيشون فى المناطق العشوائية.
ولفت «عمار» إلى أن أسباب كل هذا التهميش، الذى عانى وما زال يعانى منه الصعيد، أن الدولة المصرية تعانى الرأس الكاسح والجسد الكسيح، فدائماً تهتم بالعاصمة، وتلقى بالنسبة الأكبر من الاستثمارات والعناية بها، لأن بها رأس الحكم، فالتهميش للصعيد تاريخى، والنزوع للمركزية الشديدة أمر متوارث فى مصر، منوهاً بأن النخبة الصعيدية أغلبها مهاجرة، يتركونه متوجهين للقاهرة؛ لعدم وجود جريدة أو اهتمام ثقافى به، ولأن الأضواء تسلط على القاهرة، كذلك لا نجد مستثمرين من أبناء الصعيد يستثمرون أموالهم هناك، بل يبحثون عن الهجرة.
وأشار إلى أن الإهمال التاريخى للصعيد، من ضمن أسبابه، هو عدم سماح الدولة بالتنمية العرضية على البحر الأحمر، فتحدث تنمية كبيرة على البحر الأحمر، لافتاً إلى أن علاج مشاكل الصعيد تأتى بتنميته، والاهتمام بالمشروعات الصغيرة به، وزيادة الاستثمارات، وفتح وربط المدن به من أجل تحقيق ذلك، وتمكين الشباب، والاهتمام بالعمران، ونشر المؤسسات الثقافية به، والاهتمام بالتعليم.
وقال الدكتور غيضان السيد، أستاذ الفلسفة بكلية الآداب، جامعة بنى سويف، إن تهميش الصعيد بدأ من تهميش التعليم، فالمدارس خالية من المعلمين، فلا توجد مدرسة فى نجع أو قرية أو مركز بها معلم، وما دام المعلمون غائبين، إذاً فلا توجد عملية تعليمية، فمعلمو التربية والتعليم، فى الصعيد، إما أن يعينوا من خارج المركز أو المحافظة، وبمجرد أن يعين ويمر عليه 6 أشهر يسعى للحصول على واسطة لينقل نفسه من القرى والنجوع، فالصعيد أغلبه قرى ونجوع ومناطق نائية، وأغلب معلميه يأتون من القاهرة والجيزة والقليوبية، وسرعان ما يحاولون العودة لمدنهم مرة أخرى، ونوع آخر يكون من أهل البلد نفسها، وهؤلاء قليلون، لكنهم موجودون وسرعان ما ينتقلون للإقامة فى القاهرة من أجل الدخل المادى الذى يعود عليهم من الدروس الخصوصية، أو يسافرون خارج البلاد بحثاً عن فرص أفضل.
وأوضح «السيد» أن أسباب هذه الظاهرة هو أن مسابقات تعيين المعلمين لا تعتمد المركزية، مثل مسابقة الـ30 ألف معلم الأخيرة، فالمعلمة تكون من طنطا وتعين فى سوهاج، وتجلس فترة قصيرة حفاظاً على الشكل العام، وسرعان ما تعود لطنطا مرة أخرى، وحل هذه الظاهرة يتمثل فى أن يعين المعلم ابن المركز وقراه، وليس من خارج المركز.
وتابع: «أن المواطنين فى الصعيد يعانون أيضاً التهميش الاقتصادى، فالدولة لا تساعد على توطين المواطن الصعيدى فى محافظته، فالرقعة الزراعية ضاقت بعدد السكان، نتيجة التدافع للبناء على الأراضى الزراعية، ولم تعد الزراعة تفى باحتياجاتهم، فبدأوا بالبحث عن مكان يعملون فيه بمحافظاتهم، فبحثوا عن مشروعات صناعية لم يجدوا، ويسعون للبحث عن فرصة عمل فى السياحة، فلم يجدوا أى مظهر حضارى أو تطوير يحدث من قبل الحكومة فى مناطق السياحة الداخلية على الأقل، منذ زمن، وعلى سبيل المثال وادى الريان وبحيرة قارون، اللذين تم إهمالهما بشكل مبالغ فيه، حيث هناك إهمال تام بالبنية السياحية فى الصعيد.
وأوضح «السيد» أن علاج مشاكل الصعيد وتهميشه يبدأ بالبحث عن مواطن تميز كل محافظة، وتوظيفها واستغلالها الاستغلال الأمثل، فكل جامعة فى الصعيد، على سبيل المثال، يجب أن يكون لها مصنع خاص بها، فمحافظة بنى سويف، على سبيل المثال، تشتهر بزراعة النباتات العطرية، ونباتات الأدوية، فلماذا لا يكون هناك مصنع كبير للأدوية، يفتح الباب لخريجى وطلبة كليتى العلوم والصيدلة للتدريب والعمل به، خاصة أن جامعة بنى سويف معروف أنها من أكبر الجامعات من حيث عدد الكليات والطلبة.
وقال المهندس مجدى ملك، عضو لجنة الزراعة بمجلس النواب، إن تجاهل الحكومات المتعاقبة بداية من عهد «عبدالناصر» و«السادات»، وصولاً لـ«مبارك»، فى التعامل مع مشاكل الصعيد، ترك الفرصة لنمو مجتمعات عشوائية، وترك الساحة لاعتلاء الصعيد، بعض التيارات والأفكار التى هى أبعد ما تكون عن التطور والحداثة، ما جعل هناك صعوبة فى التعامل مع المشاكل المتراكمة طوال هذه العقود.
وأضاف «ملك» أن لدينا كثيراً من المشاكل فى الاستثمار، وفى تنفيذ مشاريع البنية التحتية، والصرف الصحى والمياه إذا ما تم مقارنتها بالوجه البحرى، فمشروعات الصرف الصحى فى الوجه بالحرى تتراوح نسبتها ما بين 20 إلى 40%، بينما فى محافظات الصعيد تتراوح من 1 إلى 5%، وهذا المؤشر يؤكد عدم وجود اهتمام فى الصعيد، كما هو فى الوجه البحرى، ونقيس على ذلك شتى المجالات، كذلك فإن القيادات التى يتم تعيينها لإدارة مؤسسات الدولة، بمحافظات الصعيد على وجه التحديد، هى قيادات غير مؤهلة وغير مدربة، ولا تصلح للقيادة، باستثناء عدد قليل منهم، ما خلق مشكلة أيضاً فى الإدارة، وبما أن الإدارة غير سليمة، فإن توظيف إمكانيات الدولة يكون غير سليم، ويكون مردود ذلك على المجتمع المشهد الحالى المتدنى من الخدمات، كذلك فإن المصانع الكبيرة التى شيدت فى الوجه البحرى، وخلقت مجتمعات عمرانية حقيقية فى الدلتا والوجه البحرى، فإن المجتمعات العمرانية التى تم إنشائها فى الصعيد لم ترق لطموح أبناء الصعيد حتى تكون منتجة جاذبة لها عائد تنموى لهم.
وأشار إلى أن التهميش الذى عانى منه الصعيد أدى إلى انتشار الأمية والجهل، فمحافظة مثل المنيا 50% من شعبها الطيب البسيط يعانى الأمية، كذلك أكبر معدلات فقر موجود فى الصعيد، وبه أكبر نسبة من الأمراض المستوطنة، والدليل على ذلك لجوء معظم أبناء الصعيد للعلاج فى القاهرة، والوجه البحرى. وأوضح أن الحل للنهوض بالصعيد، والقضاء على التهميش الذى عانى منه لعقود، يقطن فى إحدى الدراسات العلمية المعدة من قبَل مجلس الوزراء، التى اقترحت أن يتم إنشاء عاصمة إدارية بمحافظة المنيا، وفق معطيات تؤكد أنها تتوسط الجمهورية، هذا المقترح كان من شأنه جذب الاستثمارات والاهتمام من قبَل الحكومة لمحافظات الصعيد المختلفة، إذا ما توسطت هذه العاصمة محافظات الجمهورية.
ويشدد «ملك» على ضرورة الاعتراف بأننا فى مرحلة استعادة لبناء الدولة المصرية لذا يجب أن تكون هناك عدالة فى توزيع الدخل القومى، والمشروعات والاستثمارات، بحيث يأخذ الصعيد النصيب الأكبر منها لإحداث التوازن، ما بين محافظات الوجه البحرى، ومحافظات الوجه القبلى، مطالباً الحكومة باستغلال الدفعة القوية التى بدأها رئيس الجمهورية بعقد مؤتمر للشباب بأسوان، وتأكيده على دفع قاطرة التنمية، وعجلة الاستثمار بصعيد مصر، ما يؤكد وجود إرادة سياسية حقيقية لإحداث التغيير فى مصر بشكل عام والصعيد بشكل خاص، ويجب أن يكون ذلك هو عنوان المرحلة فى أداء الحكومة لتعويض أهالى الصعيد ما فاتهم فى العقود السابقة.