«حجازى»: إثيوبيا تراجعت بشكل مفاجئ عن الحل التاريخى لمبادرة حوض النيل ونتشاور مع أوغندا للتوافق من جديد
السفير الدكتور محمد حجازى
أكد السفير الدكتور محمد حجازى، مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون الأفريقية، أن قضية المياه ليست «شح» المياه ولكن هى قضية «إدارة المياه»، موضحاً أن دول حوض النيل يمكنها أن تحقق انطلاقة اقتصادية واسعة من خلال إقامة ممر للتنمية يفيد دول المنبع والمصب.. وإلى نص الحوار:
■ ما تفسيركم للنشاط الدبلوماسى المكثف إزاء القارة الأفريقية؟
- تمثّل هذا النشاط فى الأسابيع الماضية فى زيارة وزير الخارجية لأوغندا حاملاً رسالة من الرئيس إلى الرئيس الأوغندى موسيفينى، وزيارة قصيرة للرئيس الكينى الذى توقف بالقاهرة والتقى الرئيس عبدالفتاح السيسى، ثم زيارة وزير الخارجية لغانا حيث حمل رسالة من الرئيس وعقد مع الوزير الغانى مباحثات واتفق على تأسيس لجنة للمشاورات السياسية، وكلها تحركات تتزامن معاً فى شهر مايو وتحديداً حيث بدأت استعدادات مصر والقارة الأفريقية للاحتفال بيوم أفريقيا فى 25 مايو، فى ذكرى تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية عام 1963، ولعل من المهم التأكيد ونحن ننظر لكل تلك التحركات أننا أمام مشهد باتت فيه أفريقيا تحتل المكانة المستحقة فى سلم أولويات حركة وسياسة مصر الخارجية، وأن الوعى الاستراتيجى بأهمية القارة على الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية بات راسخاً فى قلب وعقل الدبلوماسية المصرية.
مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون الأفريقية: «ممر التنمية الشرقى» سيحول حوض النيل إلى واحة للتعاون
■ ما أبرز المواقف التى أحسنت مصر فيها التمثيل والدفاع عن القارة فى المحافل الدولية؟
- تتمتع مصر بعضوية مزدوجة فى مجلس السلم والأمن الأفريقى لمدة ثلاث سنوات عن الشمال الأفريقى، وعضوية لمدة عامين فى مجلس الأمن الدولى عن أفريقيا، وحتى بداية 2018، وهما مقعدان على قدر كبير من الأهمية لاتصالهما بقضايا السلم والأمن الأفريقى وتسوية النزاعات، فعملت مصر بوصفها الجسر المعبر عن مصالح القارة، كما مثلت مصر وتحدثت باسم أفريقيا فى مؤتمر المناخ فى باريس حين اختارت القمة الأفريقية الرئيس السيسى ليعبر عن مصالح القارة، من ناحية أخرى ترأس مصر لجنة مكافحة الإرهاب التابعة لمجلس الأمن الدولى، ما أعطى حركتها فى هذا الملف الحيوى أهمية كبرى، كانت محل تقدير وإشادة أفريقية ودولية كبيرة بما تقدمت به من مبادرات خاصة بالمواجهة الأيديولوجية للإرهاب، وأخرى لمواجهة الإرهاب الإلكترونى، وجدير بالإشارة أن مصر أصبحت الآن من كبرى الدول المشاركة فى عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة ومحل تقدير دائم.
■ كيف ترى إمكانيات نجاح قمة حوض النيل المرتقبة؟ وهل السبب فى تأجيلها يرتبط بدراسة مطالب مصر وشواغلها للخروج بإعلان جديد؟
- القمة ذات أهمية خاصة بالفعل، والتشاور والتحضير الجيد لها أمر ضرورى لضمان نجاحها والوصول إلى توافق، وأرى أهمية الاتفاق على مخرجات تلك القمة فى حالة انعقادها، فالجهد المبذول من الرئيس الأوغندى موسيفينى حتى الآن جهد مقدر ومشكور، ونأمل أن يسفر عن تقريب وجهات نظر الأشقاء فى دول المنابع، خاصة إثيوبيا، مع وجهة نظر مصر التى تتفق مع قواعد القانون الدولى، وهى وجهة نظر هدفها تحقيق التنمية المتكاملة لحوض النهر وبشكل مستدام قائم على تحقيق طموحات دول المنابع فى التنمية ولكن دون الإضرار بمصالح مصر الحياتية المرتبطة بحصتها الحالية من مياه النيل، التى لا تكفى حتى احتياجاتها الراهنة والمستقبلية، لذا فإن طرح مفهوم شامل للتعاون الإقليمى تكون المياه جزءاً من هذه المنظومة ويضع علاقة مائية متكاملة لا تضر بحصتنا المائية وتنسيق وتنظيم عملية التخزين خلف السد الإثيوبى وفقاً لمعدلات مقبولة فى إطار زمنى معين وممتد بما يضمن عدم الإضرار بمصالح دولتى المصب، ويضاف لعملية التنسيق المائى بين السدود فى البلدان الثلاثة ربط كهربائى تستفيد منه مصر مما تنتجه إثيوبيا وكذلك السودان، بل ويمكن النظر فى طريق برى وخط سكك حديدية يحول العلاقة بين دول حوض النيل الأزرق أو النيل الشرقى لممر متكامل للتنمية، أطلق عليه من جانبى وبعد دراسة اسم «ممر التنمية الشرقى» وهو ليس فقط سيكمل علاقة مائية مستقرة وإدارة السدود فى البلدان الثلاثة وفقاً لسعات مناسبة وفترة ملء سد النهضة لا تضر مصر والسودان والسدود المقامة فى أراضيهما، بل وتفتح حتى الطريق لإثيوبيا نحو المتوسط فيصير محوراً يسمح لدولة حبيسة مثل إثيوبيا لإطلالة حتى الإسكندرية، على أن تصاغ هذه العلاقة فى اتفاق قانونى شامل وملزم للأطراف الثلاثة ويحافظ على الحقوق والواجبات والتزامات الأطراف ويسهم فى إطلاق طاقات النهر، مثلما فعلت دول حوض نهر الميكونج جنوب شرق آسيا، وتحويلها النهر الذى يمر بست دول كانت تاريخياً متنازعة إلى واحة ونطاق تعاون بلغت جملة استثماراتها نحو 22 مليار دولار خصصت لمشروعات عابرة للحدود من سدود وطرق وكبارى ونشاط زراعى واقتصادى بل وثقافى بين شعوبهم.
«نهر النيل» يجب أن يدار بما يخدم مصالح دول المنبع والمصب
■ هل تتوقع أن تنضم مصر إلى عنتيبى؟ ولماذا؟
- أتمنى أن تواصل مصر مشاوراتها للتوصل إلى صيغة قانونية تسمح بتسوية النقاط الثلاث العالقة المرتبطة بالمادة 14 ب، الخاصة بالأمن المائى والاستخدامات الحالية، أى حصة مصر المائية، والفقرة الخاصة بالإخطار المسبق، والثالثة المتعلقة بالتعديل بأغلبية الثلثين، حيث لا يجوز تعديل ما اتفق عليه بالإجماع بأغلبية الثلثين.
وفى هذا الإطار أتذكر مبادرة أوغندا عام 2006 بشأن أزمة الاتفاق على صيغة الأمن المائى التى تضمنت الاستخدامات الحالية للمياه بما يضمن حصة مصر، وطلبوا إضافة الاستخدامات المستقبلية بما يضمن مصالح دول المنابع أيضاً، وأطلق وقتها عليه «حل وسط بوجومبورا» نسبة إلى العاصمة البوروندية التى استضافت المفاوضات، وبات بعده حلم هذا الحل التاريخى والتوقيع الكامل على الاتفاقية ولكن إثيوبيا تراجعت بشكل مفاجئ، ولكن بعد مرور 10 سنوات هناك متغيرات وثقة أفضل ونوايا حسنة.
وحالياً يجرى تشاور وتنسيق بين مصر وبقية دول حوض النيل، خاصة مع الرئاسة الأوغندية، لمبادرة دول حوض النيل وتحت رعايتها للتشاور حول صيغ مقبولة للفقرات الخلافية، وبالشكل الذى يسمح بعودة مصر لمبادرة حوض النيل.