"الوطن" ترصد ليلة دوى فيها هتاف "ارحل يا مرسي"
بمجرد الاقتراب من ميدان العباسية ومحيطه تلوح مظاهر الاحتشاد الجماهيرى، من وإلى شارع الخليفة المأمون، تمتلئ الشوارع الفرعية بالأفراد والعائلات المشاركين فى الاعتصام أمام وزارة الدفاع، جو من الألفة والمشاركة يغطى المئات المعتصمين ضد حكم الإخوان للمطالبة بالرحيل.[FirstQuote]
أعلام مصر ترفرف فوق رءوس الجميع، كروت حمراء تنادى برحيل النظام، هتافات موحدة، يجتمع حولها هدف معارضى الإخوان باختلاف توجهاتهم وأعمارهم، أسراب المتظاهرين يطوفون شارع الخليفة المأمون مرددين هتافات الرحيل تارة، واستدعاء الجيش للحكم تارة أخرى، متظاهرون أعلى كوبرى القبة يلوحون للمعتصمين بالانضمام إليهم، وآخرون يعلقون شارات «طرد مرسى» فى رقابهم، الرصيف أوسط الطريق مفروش بخيام الاعتصام، وإلى جواره يلتقط كبار السن أنفاسهم من عناء المشاركة فى الحلقات الشبابية الرافضة للإخوان، استعادة لأجواء ميدان التحرير، عقب اندلاع ثورة 25 يناير يقضى معتصمو وزارة الدفاع لياليهم منذ انسدال خيوط الظلام وحتى مطلع الفجر.
شباب وفتيات، رجال ونساء، أسر وجماعات، تركيبة الموجودين فى الاعتصام، كل يشارك بطريقته وهم يغالبون ظلمة المكان، متجاوزين منتصف الليل. مثل كثيرين غيرها لفت الحاجة «فاتن» كتفيها فى عَلم مصر، قادمة من شارع الملك فيصل بالجيزة، لمشاركة أحفادها الاعتصام فى العباسية، تقول السيدة الخمسينية إنها ترفض «أخونة» الدولة وتريد صلاح البلاد «مرسى فى إيده فرصة لمّ الشمل بس الأول يفصل الإخوان اللى اتعينوا لما بقى هو رئيس»، تعترض على إسهاب «مرسى» فى الحديث عن مصائب النظام القديم «بقالنا سنة بنتكلم عن النظام السابق طيب والحالى بقى هيقول إيه عنه؟»، على خط الحديث تدخل عبير حسن، ابنة شقيقتها: «أيام عبدالناصر كان العدوان الثلاثى شغال والرئيس بيبنى السد العالى ويعمر، ومرسى مخوفينه شوية عيال فى الشارع زى ما بيقول يورينا الشغل».
على حواف الطريق يفترش الباعة بضاعاتهم «علم مصر - ميداليات ضد الإخوان - كروت حمراء»، منزوياً أعلى رصيف بجوار سور مسجد جمال عبدالناصر، يبعث الشيخ صلاح محمود بعدة جمل نقدية لجماعة الإخوان التى خرج من عباءتها، مع قدوم انتخابات الرئاسة، حسب قوله. الشيخ الملتحى جاء من مركز ميت غمر بالدقهلية، قبل أسبوع ليقول للرئيس: «شعب مصر مش عايزك، ارحل واحترم نفسك ولا إنجاز عملته يحسبه لك التاريخ إلا تنهيض عشيرتك فقط»، واصفاً الإخوان بالعائلة الوهمية وأن وجودها يهدد مصر بالغرق «هى مش بالعافية وهيمشى من الحكم».
بين صفوف الكثيرين الملقين بأجسادهم على الأرض بجوار الهتافات والمسيرات، عجوز سمراء اللون تحمل لافتة ورقية عليها صور الشهداء، مرددة كلمات معارضة لمرسى والإخوان، سعاد عكاشة سيدة سودانية تؤكد أن مصر بلدها الثانى، لأنها أكلت من عيش المصريين وأقامت على أرضهم وبينهم «كنت أتمنى يكون ليا صوت انتخابى عشان منتخبوش».[SecondQuote]
أصوات الطبل والمزمار، والهتاف لا تتوقف، على نغمة «ارحل يا مرسى»، ميكروفونات محمولة تبادلها الشباب والسيدات لقيادة الهتافات، «الجيش والشعب إيد واحدة» لافتة قماشية معلقة فوق الرصيف، يتفق عليها المشاركون فى الاعتصام، والمطالبون بنزول الجيش وتولى الفريق أول عبدالفتاح السيسى الحكم. إضافة إلى الهتافات والبوسترات المحمولة، يعلق المعتصمون لافتات كبيرة تنادى الجيش «الحق يا جيش مش عارفين نعيش» و«عبدالناصر قالها زمان الإخوان ملهمش أمان» و«ارحل».
فرقعات الألعاب النارية تضىء سماء الاعتصام بين الوقت والآخر، بينما تجلس سيدة منطوية على نفسها، الألمانية مونيكا جاءت لتؤازر المصريين فى ثورتهم ضد الإخوان، لا تجيد حديث اللغة العربية، وتقول إنها اعتادت النزول إلى الاعتصام يوميا، منذ الجمعة الماضى، موضحة بكلمات متقطعة «مش عايزة أشوف الراجل ده تانى خالص»، تطالب «الكيميائية» العجوز بعودة القوات المسلحة للحكم «عايزة الجيش ييجى»، المتظاهرة الأوروبية تصف نظام الإخوان ضاحكة «حكم عبيط»، ولأنها تعيش فى منطقة حدائق القبة، وتجاورها عائلات إخوانية، تعرب عن تخوفها وهى تشير إلى رقبتها: «أنا جنب بيتى سلفيين وإخوان وخايفة يدبحونى» فيما تشير بصباعها إلى رقبتها.
أصحاب السيارات والموتوسيكلات استخدموها فى الاعتصام، أمام وزارة الدفاع سيارات ملاكى، لتحمل ملصقات المهاجمة للإخوان والمطالبة برحيل مرسى وجماعته أبرزها «يوم طرد الاحتلال الإخوانى»، رفضه للإخوان جاء به من منطقة الزيتون متطوعا للتظاهر، محمود، الحاصل على دبلوم ويعمل بتعثر فى التشطيبات المعمارية، يقول «طبعت 4 آلاف كارت على حسابى ودفعت فيهم 200 جنيه بس يارب ييجوا بفايده»، يحتسى عبوة من العصير مرتديا «صديرى» من الكروت الحمراء المتشابكة، بينما يشكو من الغلاء وتردى مستوى المعيشة «مفيش عيشة والإخوان سرقوا الثورة وكفاية عليهم كده».
الساعة تقترب من منتصف الليل، ولا يزال المكان معمورا بالمتظاهرين وأسرهم، رجل ستينى يجلس وأمامه زجاجة مياه معدنية، يرسل كلمات إلى اثنين لا يعرفهما «المحافظات كلها مشتعلة وكل مقراتهم اتحرقت هيرحل بإذن الله»، مواصلا حديثه بالثناء على المواطنين الموجودين فى الميادين والشوارع، فى تكرار مبشر لسيناريو 25 يناير، ويقول «إحنا على الأقل أحسن من اللى قاعدين على القهاوى ومش داريين بالدنيا»، تمر مسيرة يقودها ثلاثة شباب يطرقون الطبل على هتاف سيدات ورجال، تطالب برحيل مرسى واستدعاء السيسى، يقتحم مجموعة رجال المسيرة ويحولون الهتاف إلى وصلة رقص بأعلام مصر التى تغطى رءوسهم.[ThirdQuote]
«صالح» صاحب شركة استيراد وتصدير، يعتلى «كبوت» سيارته ممسكا بابنته سارة فى يد، ولافتات ورقية فى اليد الأخرى، كتب عليها «انتهت المباراة» قائلا «عملتها بتلات لغات العربى والإنجليزى والفرنسى». وأمام وزارة الدفاع متظاهرون يشاركون بدأب فى الفعاليات والمسيرات وآخرين يأخذون قسطهم من الراحة على «مصاطب» إسمنتية، يراقبون من فوقها المتظاهرين حتى لا يفارقهم مناخ الاعتصام، حسب فتاة عشرينية تجلس أمام بوابة الوزارة.
لا يفوت بعض المشاركين فرصة زيارة قبر الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، رجل أربعينى ينادى على صديقه تامر وهو يشير إلى مسجد عبدالناصر «تعالى أوريك قبر عبدالناصر ونزوره»، يرد صديقه «يا ريته كان موجود كان ربّى الناس دى ومحصلش فينا كده». من داخل الاعتصام جلسة فلاحى تجمع أبناء محافظات الدلتا «فى حالة غضب على الإخوان»، من محافظتى البحيرة والغربية تتكون «القعدة»، بجمل ثورية يتحدث أصحاب الثياب الفلاحى، اعتراضاً على المصائب التى لحقت بهم جراء حكم الجماعة، أزمات السولار وغلاء الأسعار وانعدام الأمن مشكلات يشكو منها معتصمو الدفاع، فيقول عبدالله متولى، مزارع، إنه جاء ليخرج الإخوان من الحكم وينال شرف المقاومة «إحنا طالعين نموت عشان مصر وأولادنا تعيش»، يكمل الحديث عادل أبوزيد «احتلال الإخوان ليس أقوى من الإنجليز اللى خلانا غلبنا جيش الإنجليز مش هنغلب جماعة الإخوان»، أما حسام محمد مرسى فيشعر بالحرج لتشابه اسم والده مع الرئيس الذى خرج لإسقاطه «أنا كرهت اسمى بسببه».
من المحلة الكبرى جاء «أبواليزيد» لأول مرة فى مليونية كشف الحساب وتعرف على أصدقائه فى النضال من أبناء البحيرة، معتبرا 30 يونيو يوم الحساب الختامى مع الإخوان، مؤكداً أنهم باقون لحين رحيل مرسى وعودة البلد والثورة لأصحابها «أموت بشرف أحسن من العيشة مع الإخوان وأعوانهم».