مدير تشغيل المحطات الروسية: المحطة يمكنها العمل دون تدخل بشرى لفترات طويلة.. ومدير التصميم: نظام أمان لتفادى سيناريو انفجار «فوكوشيما»
أنظمة أمان تتمتع بها المحطة النووية الروسية والعمل دون التدخل البشرى
«لم تشهد المدينة أى آثار لتسرب إشعاعى على البيئة المحيطة بالمحطة النووية ما بعد إنشائها منذ خمسين عاماً».. هذا ما أكدته «كودريسشوفا إنى»، مدير مختبر المراقبة البيئية الروسى، فى تصريحات لـ«الوطن»، لافتة إلى سلامة البيئة المحيطة بالمحطة النووية بعد استمرار المختبر فى أخذ عينات دورية من التربة والثمار والهواء والماء بشكل دورى لقياس مستوى الإشعاع. ولفتت «إنى» إلى أن المنطقة المحيطة بالمحطة مراقبة بيئياً على بعد 20 كيلومتراً، وبدأت أعمال المراقبة لمحطة «نوفوفورونيج» منذ عام 1962 ضمن نظام المراقبة البيئية الروسى الذى بدأ عمله عام 1904، ما قبل الثورة الروسية البلشفية، وهو أحد الأنظمة عالية الجودة يستخدم أحدث الأجهزة لرصد الإشعاع. ولم يسجل أى مستوى ضار للإشعاعات بالبيئة المحيطة، سواء فى الأنهار أو الثمار التى تزرعها المنطقة المحيطة بالمحطة النووية. وأوضحت «إنى» أنه لم يسجل أى احتجاج من السكان الموجودين بمحيط المحطة النووية على مدار خمسين عاماً، نظراً لغياب حدوث أى تأثيرات ضارة بالبيئة بفعل المحطة.
على بُعد ساعة بالسيارة من مطار «بارونش»، بدأت جولة «الوطن» داخل محطة «نوفوفورونيج» التى تكاد تلحظها من نافذة الطائرة وسط الأشجار التى تحيط البلدة بكاملها، فى درجة حرارة تصل إلى 20 درجة مئوية خلال فصل الصيف. تُعد محطة «نوفوفورونيج»، واحدة من بين 11 محطة نووية، بدأت أولى المحطات عام 1954 للأغراض التجارية فى مدينة أوبنينسك بوسط روسيا، وواصلت التكنولوجيا النووية تطورها باستمرار، لجعل المفاعلات النووية الجديدة أكثر أمناً وقوة وكفاءة. وحدثت تلك التطورات على هيئة موجات تكنولوجية متعاقبة، وهو ما نتج عنه ابتكار أجيال متعددة من المفاعلات النووية المتميزة.
«كودريسشوفا إنى»: مدينة «فورونيج» لم تشهد أى آثار لتسرب إشعاعى على البيئة المحيطة بالمحطة النووية بعد إنشائها منذ خمسين عاماً
وشهد فبراير الماضى إطلاق الوحدة السادسة فى محطة نوفوفورونيج النووية التى تنتمى لمفاعلات الجيل الثالث «بلس»، وهى نفس المحطة التى من المقرر أن تشهدها منطقة الشرق الأوسط لأول مرة مع بدء إنشاء أول مفاعل من مفاعلات الجيل الثالث بلس «VVER-1200» بمنطقة الضبعة بمحافظة مرسى مطروح. تضم محطة الضبعة النووية 4 وحدات من هذا النوع، بطاقة إجمالية تصل إلى 4800 ميجاوات، وفقاً للاتفاق المبدئى الذى وقّعه الجانبان المصرى والروسى منذ عدة أشهر، ويُنتظر التوقيع النهائى على العقود الأربعة للمحطة خلال الفترة المقبلة، لبدء إنشاء المحطة. «ممنوع دخول أى جهاز يتصل بالإنترنت أو شريحة اتصال غير مسجل مسبقاً، أو التقاط صور بالمناطق غير المسموح فيها بالتصوير، مع الالتزام بارتداء ملابس الأمان»، كانت هذه التعليمات الأوّلية للسلامة والأمان قبل جولة «الوطن» داخل المحطة النووية، وتحديداً بالوحدة السادسة، الأحدث عالمياً، التى بدأت التشغيل التجارى لها منذ أشهر قليلة. عدة بوابات للدخول وفحص هويات الزائرين، كانت المشاهد الأولى قبل دخول المحطة النووية المحاطة بأسوار عليها أسلاك شائكة يحظر تصويرها، تظهر خلفها عدة مبانٍ تختلف فى أشكالها، بداية بالمفاعلات الستة، على هيئة مدخنة ضخمة البنيان بلون رمادى، وأربع مداخن أخرى تتشابه فى الشكل وتختلف فى لونها الممزوج بين الأبيض والأحمر وتمثل أبراج التبريد للمفاعلات النووية التى تلامس أبخرتها السماء. يحوى موقع المحطة النووية عدة مبانٍ أبرزها مبنى المفاعل وهو المبنى الرئيسى وتقع حوله المبانى الأخرى ووحدات الطاقة، سواء مولدات البخار أو مضخات لتبريد المفاعل وضواغط وأنابيب النقل الرئيسية وأوعية لأنظمة طوارئ تفريغ المنطقة النشطة، ومركز التحكم الآلى الذى يعمل فى العمليات الفنية لوحدات الطاقة عن طريق نقطة مراقبة، وينقسم مكان مشغل المفاعل إلى قسمين: منطقة لوحات الأمان ومنطقة التشغيل المعتاد.
وتضم منطقة التشغيل العادى لوحات المفاتيح لقسم المفاعل والتوربينات، وكذلك مكان عمل رئيس المناوبة، كما توجد شاشة مشتركة للتقييم السريع والواضح للأوضاع الراهنة ويسمح ذلك بالعمل السريع والاستخدام الموحد لوحدة الطاقة، وإذا تعطل نظام نقطة مراقبة الكتلة سيتم التحكم بوحدة الطاقة من مركز التحكم الاحتياطى الذى توجد به لوحة أمان مماثلة لتلك الموجودة فى نقطة مراقبة الكتلة ومكان عمل آلى للتحكم فى أنظمة التشغيل المعتادة. ونقطة المراقبة الاحتياطية مزودة بأجهزة خاصة لنقل التحكم من نقطة مراقبة الكتلة إلى مركز التحكم الاحتياطى.
بدأت الجولة داخل قاعة التوربينات، التى تصل درجة الحرارة بداخلها 35 درجة مئوية مقارنة بدرجة الحرارة المحيطة بالمحطة، 20 درجة، وتدور توربينات الحركة السريعة 3 آلاف دورة فى الدقيقة بقدرة 1200 ميجاوات فى وحدات الطاقة الجديدة لمحطة نوفوفورونيج للطاقة النووية، وهو التصميم الذى أنشئ فى روسيا خصيصاً للجيل الجديد من وحدات الطاقة النووية.
«المحطة تُعد منشأة فريدة فى نوعها، تحوى كل مراحل التكنولوجيا النووية داخل ستة مفاعلات نووية أو وحدات بدأت الأولى منها فى 30 سبتمبر سنة 1964، وكانت بداية للطاقة النووية الصناعية ليس فى الاتحاد السوفيتى فقط، بل أيضاً فى العديد من دول أوروبا الشرقية والوسطى»، هكذا بدأ «إيجور جوزيف»، مدير تشغيل المحطات النووية بشركة «روسينيرجوتوم»، إحدى الشركات التابعة لهيئة روستوم للمحطات النووية الروسية والمسئولة عن إدارة المحطات النووية، التعريف بالمحطة فى بداية الجولة. ولفت مدير التشغيل إلى أن روسيا تخطط لتشغيل الوحدة السابعة بالمحطة خلال الفترة المقبلة، لترتفع الطاقة الكهربائية التى تنتجها محطة نوفوفورونيج النووية إلى 26 مليار كيلووات.
«حادث الانفجار بالمحطة النووية فوكوشيما عام 2011» كانت له بصمات واضحة على معايير الأمان بالتكنولوجيا الروسية الجديدة للمحطات، بحسب «جوزيف»، أبرزها تصميم أكثر من وعاء لقلب المفاعل المسئول عن تحميل الوقود النووى لحمايته من أى تسرب للإشعاع، كما يسهم فى تشغيل ما يسمى بـ«قابض التذويب» الذى يعمل أوتوماتيكياً على جذب الوقود النووى لأسفل للتخلص منه ليمنع أى تسرب للإشعاع من الوقود النووى.
بجانب اتباع نظامين للأمان، كما ذكر «جوزيف» أحدهما سلبى، لا يتطلب تدخلاً بشرياً فى حال ووقع كارثة تسببت فى فصل التيار عن تشغيل المفاعل، ويظل المفاعل يعمل لفترة طويلة دون وجود مشغل بشرى، ونظام أمان آخر إيجابى يتمثل فى وجود غرفة تحكم احتياطية يمكن من خلالها التعامل مع المفاعل فى حال وقوع حوادث، فى حال صعوبة الوصول لغرفة التحكم الرئيسة للمفاعل النووى.
ولفت مدير التشغيل إلى أن المشروع يتيح إمكانية بناء محطات نووية مرجعية فى مناطق ذات ظروف مختلفة طبيعية وجغرافية وتأثيرات تكنولوجية، ومصمم لينفذ فى مواقع بها أنواع أسطح مختلفة من الصخور وحتى التربة الناعمة. وفى حال بناء محطات الطاقة النووية بالأماكن التى تتسم بالتأثيرات البيئية الخارجية القاسية فإنه يمكن تعزيز الهياكل بالمشروع والمنشآت دون تغيير تصاميم المبانى والمنشآت.
وقال «أوليج بورودين»، مدير شركة «أتومسترويكسبورت»، إحدى الشركات التابعة لهيئة روساتوم للمحطات النووية والمسئولة عن تصميم المفاعلات النووية أثناء الجولة، إن الشركة صممت مفاعلات نووية فى 23 دولة، بما يزيد على 30 وحدة للطاقة النووية على مستوى العالم، ووصل إجمالى استثمارات تحت الإنشاء خلال العام الماضى فقط إلى 96 مليار دولار.
وأضاف «أوليج» أن الشركة تعمد لوضع تصميم للمشاريع النووية، وإيجاد الحلول الهندسية للمحطات النووية بما يتماشى مع الميزانيات المحددة للمشروع، وتشمل المحطات التى تصممها الشركات قدرات فائقة بما فيها مفاعلات الأبحاث أو المفاعلات النووية لتوليد الكهرباء، كما أنها تصمم المنشآت التى تجمع الوقود النووى المستنفد.
ولفت «أوليج» إلى أن الميزة الرئيسية لمشروع المحطة النووية (1200- VVER) يتمثل فى التضامن الفريد لأنظمة السلامة النشطة والسلبية التى تزيد المحطة مناعة أمام المؤثرات الخارجية والداخلية، ويتيح المشروع مجموعة متكاملة من الحلول الفنية لضمان السلامة النووية ومنع خروج منتجات مشعة للبيئة المحيطة.
وبحسب التصميم، كما ذكر «أوليج»، ففى الجزء السفلى للغلاف الواقى للمحطة أوجد أداة لاستقبال المصهور أو «مصيدة» المصهور، وتهدف لاحتواء وتبريد المصهور من قلب المفاعل عند وقوع حادث قد يتسبب فى إتلاف المنطقة النشطة للمفاعل. و«المصيدة» تحافظ على سلامة الأغلفة الواقية، وبذلك لا تسمح بخروج المواد المشعة للبيئة المحيطة مهما كان الحادث خطيراً. وفيما يتعلق بوحدات المفاعل الأخرى. وفى عام 2010 انتهت فترة خدمة وحدة الطاقة رقم «5» بعد أن خدمت لمدة 30 عاماً، وكانت مجهزة بمعدات طوارئ إضافية لتفادى ما حدث فى فوكوشيما، منها مولدات كهرباء ديزل متنقلة للطوارئ ونظام حماية صناعى مضاد للزلازل ومضخات ماء متنقلة للطوارئ، وتشغيل جهاز محاكاة شامل يقدم محاكاة فى الوقت الحقيقى لجميع أساليب تشغيل وحدة الطاقة رقم «5»، وجميع الأعمال كانت وفقاً للقواعد والأنظمة الدولية والروسية، بخاصة تمديد فترة خدمة وحدة الطاقة رقم «5» بمقدار 25 - 30 سنة، ونتيجة للأعمال المنفذة لتحديث وحدة الطاقة رقم «5» فإن مستوى الأمن والسلامة ارتفع أكثر من 10 أضعاف.