وزير الاقتصاد الأسبق: «30 يونيو» كانت عملية فدائية جريئة استرد بها المصريون بلدهم من «طيور الظلام»
السعيد
أكد الدكتور مصطفى السعيد، وزير الاقتصاد الأسبق، أن ثورة 30 يونيو عملية فدائية جريئة وشجاعة استرد بها المصريون بلدهم من مخالب طيور الظلام. وأضاف «السعيد»، فى حوار لـ«الوطن»، أن الوضع الاقتصادى قبل قيام الثورة كان يسير فى اتجاه واحد وهو تمكين فئة وجماعة واحدة فقط من فئات المجتمع سياسياً واقتصادياً وتوزيع المناصب على قياداتها بعيداً عن معيار الكفاءة، وكان أهل الثقة أهم من أهل الخبرة، وكان المعيار الأوحد هو الانتماء إلى تنظيم بعينه، وتلك كانت كارثة كبرى تنتظر مصر ويكفى أن أقول إن ثورة يونيو قضت على حلم التمكين للجماعة الإرهابية.
وقال وزير الاقتصاد الأسبق إن «دولة 30 يونيو» نجحت فى التدخل جراحياً بجرأة وشجاعة لمعالجة المشاكل المزمنة والأمراض المستوطنة فى جسد الاقتصاد المصرى، وعلى رأسها أزمة الطاقة التى كانت تمثل صداعاً فى رأس الحكومات المصرية المتعاقبة.
«السعيد»: الدولة اتخذت قرارات صعبة بشجاعة غير عابئة بشعبيتها
■ يحتفل الشعب المصرى بالذكرى الرابعة لثورة 30 يونيو.. بماذا تصف تلك الثورة؟
- «30 يونيو» تمثل بالنسبة لى عملية فدائية جريئة وشجاعة قام بها الشعب المصرى بإرادة فولاذية لاسترداد الدولة من أيدى ومخالب وبراثن طيور وخفافيش الظلام ومختطفيها فى لحظة فارقة فى تاريخ مصر الحديث، ولا يمكن أن تُمحى تلك اللحظة التاريخية من الذاكرة مدى الحياة.
■ على المستوى الاقتصادى، هل اختلف وضع مصر قبل الثورة وبعدها؟
- بالتأكيد، فقبل قيام ثورة 30 يونيو شىء وما بعدها شىء آخر تماماً.
■ كيف كان وضع الاقتصاد قبل اندلاع الثورة؟
- الوضع الاقتصادى قبل «30 يونيو» كان يسير فى اتجاه واحد وهو تمكين فئة وجماعة واحدة فقط من فئات المجتمع سياسياً واقتصادياً وتوزيع المناصب بعيداً عن معيار الكفاءة، وكان أهل الثقة أهم من أهل الخبرة والكفاءة، وكان المعيار الأوحد هو الانتماء إلى جماعة بعينها، وتلك كانت كارثة كبرى تنتظر مصر، ويكفى أن أقول إن تلك الثورة قضت على حلم التمكين للجماعة الإرهابية، سواء اقتصادياً أو سياسياً.
■ وماذا عن المؤشرات الاقتصادية قبل الثورة؟
- شهدت تلك الفترة انخفاض معدل النمو بشكل مخيف ولم يتجاوز نسبة الـ2% وفى المقابل ارتفاع معدل النمو السكانى إلى 2.5%، وهذا يعنى انخفاض مستوى دخل الفرد، ثم إهمال مشاكل البنية الأساسية والمشروعات التنموية، ومواجهة أزمة الطاقة والعجز فى الميزان التجارى الذى بلغ فى تلك الفترة نحو 31 مليار دولار، بالإضافة إلى انخفاض الاحتياطى من النقد الأجنبى، كما تراجعت الاستثمارات وزاد العجز بالموازنة العامة والدين الخارجى والتضخم وارتفاع معدلات البطالة والفقر، ولم يشعر المواطن بأى تحسن ولو مبدئياً فى حياته الاقتصادية، بل على العكس ازداد عدد من يعيشون تحت خط الفقر، وازداد الغضب الشعبى من الانقطاع المتكرر فى الكهرباء وقلة السولار وارتفاع الأسعار، وتحقيق أى نمو اقتصادى ولو بسيط لا بد أن تلازمه مؤشرات معينة لم نرَ منها شيئاً طوال سنة هى فترة حكمهم الفاشل.
لو كنت رئيساً للحكومة لكان شعارى «التصنيع من أجل التصدير».. ويجب تشجيع المواطنين على الادخار
■ لكن حكومة الإخوان قبل 30 يونيو أرجعت التدهور الاقتصادى إلى النظام الأسبق.
- لا يمكن تعليق فشلهم على أخطاء النظام السابق لأن نظام الإخوان جاء لإصلاح ما ارتكبه نظام مبارك، وحل المشكلات التى عانى منها المواطن المصرى طوال الفترة السابقة قبل الثورة وتحويل مصادر الضعف إلى قوة، وهو الأمر الذى لم يحدث، وللأسف لم يتحرك نظام الإخوان وحكومة هشام قنديل خطوة واحدة نحو هذا الإصلاح، بل اتخذ بعض القرارات السياسية التى عقّدت الموقف و«زادت الطين بلة».
■ ما أهم القرارات الاقتصادية الإيجابية التى اتخذتها الدولة بعد 30 يونيو؟
- أهم القرارات الاقتصادية الإيجابية التى اتخذتها الدولة هى إنشاء مجموعة من محطات توليد الطاقة، ما نتج عنه انتهاء الأزمة المزمنة فى مصر، وهى نقص الطاقة، إلى جانب إنشاء شبكة طرق عملاقة حديثة، وهما المحوران الأساسيان لجذب الاستثمار الأجنبى، هذا بالإضافة إلى الاهتمام والاتفاق على تخفيض عجز الموازنة العامة للدولة من خلال ترشيد الاستيراد وتخفيض الدعم.
■ لكن بعض القرارات مثل تخفيض الدعم وتخفيض قيمة الجنيه صاحبتها آثار سلبية طالت المواطنين.
- على الرغم من صعوبة تلك القرارات فإن اتفاق الدولة على المضىّ قدماً فى تنفيذها يعبّر عن شجاعة كبيرة لإصلاح الخلل الاقتصادى، فمواجهة الأزمة حتى لو كانت على حساب شعبية الدولة وقيادتها شىء يُحسب لها، وأعتقد أن الدولة المصرية والقيادة السياسية غير مهتمة بشعبيتها بقدر اهتمامها بالإصلاح الاقتصادى بشكل كامل.
■ ماذا عن قرار «التعويم» وتخفيض قيمة العملة؟
- التعويم ليس بالضرورة يهدف إلى تخفيض العملة، ولكن فى حالة مصر فإن هذا القرار يستهدف تخفيض قيمة الجنيه، وذلك يرجع إلى عدم وجود توازن فى العرض والطلب على النقد الأجنبى، فاحتياجاتنا من النقد الأجنبى أكبر من مواردنا من هذا النقد، لذا تم اللجوء إلى تخفيض قيمة العملة الوطنية، أملاً فى زيادة الصادرات وتخفيض حجم الواردات، وتقليص حجم الفجوة بين الاحتياجات وبين موارد الدولة من النقد الأجنبى، فالهدف هو أن يحدث توازن، ومن ثم حالة من الاستقرار، لأن هذه الفجوة إذا لم تقل ستتسبب فى انخفاض مستمر فى العملة الوطنية، والقرار له آثار إيجابية فى البورصة، حيث يساهم فى زيادة الإقبال على شراء السندات المصرية لانخفاض سعرها، كما أن تخفيض قيمة الجنيه يساعد الحكومة فى الحصول على مَحافظها كاملة من المؤسسات المالية الدولية مثل قروض من صندوق النقد والبنك الدوليين.
■ وما الإجراءات الاقتصادية التى كان مطلوباً تنفيذها بعد الثورة ولم تُتخذ من وجهة نظرك؟
- أعتقد أن أهم ما ينقصنا من إجراءات اقتصادية كانت كفيلة باختصار الوقت والجهد هى الدعم الكامل للصناعة والتصدير كأحد أهم القطاعات الاقتصادية والشرايين الهامة للاقتصاد المصرى.
الوضع الاقتصادى قبل الثورة كان يسير فى اتجاه تمكين «الإخوان» وإيثار أهل الثقة على ذوى الخبرة والكفاءة
■ كيف؟
- عن طريق التركيز الشديد على الصناعة بهدف واحد هو إنتاج سلع ذات قيمة مضافة واضحة ناتجة عن مهارة محلية وتكنولوجيا عالمية متطورة مع الارتكاز على عنصرَى التعليم والتدريب لتحقيق هدف قومى لخلق ميزة نسبية تنافسية ومن ثم الانطلاق نحو التصدير.
■ فى سيناريو تخيلى صف لنا الوضع الاقتصادى فى حال فشل ثورة 30 يونيو؟
- لا قدّر الله لو كان حدث ذلك فكانت مصر ستعود للوراء خطوات وخطوات سياسياً واقتصادياً، حيث كانت ستنجرف فى صراعات إقليمية لا قبَل لنا بها، وأتصور أن مصر كانت ستحارب على عدة جبهات فى سوريا واليمن وفلسطين والعراق، وهذا بالطبع كان سيهوى بالدولة اقتصادياً إلى هوة سحيقة لا يعلم مداها سوى الله وحده، وكانت مصر ستفقد ثقلها السياحى بشكل كامل، وكانت لا تزال تعانى من عجز بالموازنة مضاعف لرقمها الحالى نتيجة استمرار الدعم بمشاكله فى ظل تراجع الموارد بشكل مخيف، وكنا سنرى تمكين وإيثار الجماعة فى كل مفاصل الدولة واستيلاء أهل الثقة على الجهاز الإدارى للدولة، وهذا سيناريو لا أطيق حتى مجرد تخيله.
■ هل أنت راضٍ عن القرارات الاقتصادية التى اتخذتها الدولة حتى الآن؟
- راضٍ بنسبة 90% عن القرارات الاقتصادية التى اتخذتها الدولة حتى الآن وإن كان لدىّ بعض التحفظات.
■ وما تحفظاتك؟
- تحفظاتى حول أولويات المرحلة والقرارات الصعبة التى تمتلك الدولة شجاعة مفرطة فى اتخاذها برغم آثارها السلبية الحادة على الأفراد.