المزارعون يصرخون: الفوائد بتزيد علينا كل عام.. ومابنقدرش نسدد
محمود صلاح
دعم مادى مستمر يحتاجه الفلاح طيلة مواسم الزراعة المختلفة، ما بين مبيدات كيماوية وأسمدة وأدوات زراعية مختلفة ومواشٍ، كل ذلك يشكل نوعاً من الأعباء التى تقع على عاتق الفلاح، لا سيما من كان «على قد حاله» منهم، وبدون التمويل المادى لهذا الفلاح لن يتمكن من زراعة أرضه، وكانت القروض التى يقدمها بنك التنمية والائتمان الزراعية إحدى وسائل التمويل التى تقدمها وزارة الزراعة للفلاح، إلا أن هذه القروض مع مرور الزمن شكلت عبئاً جديداً على عاتق الفلاح، حسبما قال عدد من المزارعين، ليحاول كل منهم الهروب منها ما استطاع والبحث عن وسيلة أخرى تساعده فى زراعة أرضه.
«عائد»: مش برضى أسدد عشان أقدر أزرع.. و«إسماعيل»: ضمنت واحد عليه 6000 جنيه وبعد سنتين لقيتهم 54 ألف.. ولما جيت أعمل مصالحة وصلوا 180 ألف
«القرض على قد ما بستفيد بيه فى زراعة الأرض بيؤذينى لأن فوايده بتزيد عليّا لما مش بقدر أسدده»، يقولها محمد عائد، مزارع من القليوبية، ليوضح أن القرض الزراعى الذى كان قد حصل عليه كان بقيمة 40 ألف جنيه للفدان الواحد، يتحول فى حالة عدم سداد أقساطه خلال المدة المحددة إلى قرض استثمارى بفائدة 21.5%، مما يزيد من أعبائه المادية وتراكم الديون عليه لعدم قدرته على سدادها: «المفروض إنى أسدد القرض يوم 30/6 عشان مايتحولش لقرض استثمارى، لكن لو سددت مش هيتبقى ليّا أى فلوس أقدر أزرع بيها تانى، ولو طلبت من البنك سُلفة تانية عشان الزرعة الجديدة هيرفض يدينى إلا لما أزرع الأول والزرع بيكلفنى كتير، فعشان كده مش برضى أسدد القرض وبخلى الفلوس معايا عشان أقدر أزرع»، ويتابع «عائد» حديثه بنبرة غاضبة: «المفروض لما الفلاح يسدد القرض البنك يخليه تانى يوم ياخد قرض جديد، لأن الفلاح معندوش أى مصدر رزق تانى غير زراعة الأرض لكن البنك بيستغل فرصة إننا مش بنقدر نسدد القرض عشان بنكون محتاجين الفلوس دى للزرعة الجديدة ويحوله لقرض استثمارى عشان يستفيد بالفايدة الزيادة اللى بتقطم ضهر الفلاح وبتخليه مش عارف يسدد أى حاجة من اللى عليه».
«عطية»: زمان كنا بنجيب الكيماوى والسماد من الجمعية ببلاش.. ودلوقتى الواحد مش عارف يأكل عياله
10 أفدنة من الفراولة هى إجمالى مساحة الأرض التى يزرعها «عائد»، وهى مساحة كبيرة بعض الشىء وتحتاج إلى تمويل سريع، وهو ما يوفره بنك التنمية والائتمان الزراعى له، حسب قوله، حيث تطول فترة الإجراءات اللازمة لصرف القرض: «لازم أزرع الأول وأجيب معاينات من الزراعة مختومة بأنى تميت زراعة الأرض وآخد المعاينة وشهادة الحيازة وأروح البنك آخد قرض بنكون فى شهر 11، فباخد القرض أشيله للزرعة اللى بعد كده، لأنى بكون خلصت زراعة خلاص ومش محتاجه، ومن أول نوفمبر لحد 30 يونيو، بتمشى معايا الأمور كويس لأن الفائدة بتكون بسيطة وأقدر أسددها، لكن مجرد ما تتحول لـ21.5% مش بقدر وتتراكم عليّا، لكن لو البنك هيدينى الفلوس فى شهر يوليو على طول هروح أسدد القرض لأنى هكون ضامن إنى هلاقى فلوس تانية أزرع بيها». أزمات مالية طاحنة تعرض لها عدد من المزارعين فى مختلف المحافظات نتيجة تراكم الديون عليهم لبنك التنمية والائتمان الزراعى، سواء كان عن طريق زيادة نسبة الفائدة فى حالة عدم السداد، أو عن طريق الخطأ، وهو ما كان يعانى منه السبعينى إسماعيل بحيرى، المزارع فى قرية أريمون التابعة لمركز ومحافظة كفر الشيخ، الذى لم يأخذ قرضاً لنفسه، وإنما جاءت أزمته لكونه ضامناً لآخر أخذ قرضاً ولم يتمكن من سداده: «كان عندنا فى القرية واحد واخد قرض من البنك، وكان فاضل عليه للبنك 6000 جنيه، ولما مقدرش يسد الفلوس اللى عليه دور على حد يسدهم ليه مالقاش، فجالى وشرح لى وضعه، ولما لقيته هيتورط رُحت لمدير البنك، وطلبت منه إنى أنقل فلوس الراجل على حيازتى عشان ألحق الراجل من السجن، وفعلاً الراجل خد مصالحة وراح المحكمة إنه سدد وطلع من مشكلة البنك، عدت سنة وتانى سنة وحصلت مشكلة كبيرة فى البنك، عرفنا بعد كده إن كان فيه عجز فلوس كتير وحملوه على الفلاحين، وأنا من ضمن الناس ديه اتحط عليّا وقتها 54 ألف جنيه معرفش منين»، أزمة عاشها «إسماعيل» لفترة من الوقت، بعد أن رُفعت عليه قضية من بنك التنمية والائتمان الزراعى، نظير شيكين كل منهما يقارب 15 ألف جنيه: «أول شيك خدت فيه حكم سنة سجن أو الدفع وعقبال ما دفعت كانت قضية الشيك التانى اشتغلت، ولما جيت أروح البنك عشان أعمل مصالحة لقيت المبلغ اللى عليّا وصل 180 ألف جنيه، وقالوا لى يا تدفع يا مفيش مصالحة، بس وقتها سبحان الله ربنا يسرها من عنده، ومدفعتش للبنك حاجة، ورُحت المحكمة دفعت قيمة الشيك التانى والقضية خلصت، وده لأن الإنسان لما بيبقى مظلوم ربنا بيقف معاه»، ليختم «إسماعيل» حديثه قائلاً: «مفروض إن الحكومة تعمل تسهيلات فى دفع القرض اللى الفلاح بياخده، لأنى ممكن أصرف ألفين تلاتة عقبال ما آخد القرض وده حرام».
«صلاح»: والدى باع قيراطين أرض عشان يسدد.. ويجب إلغاء بنك التنمية لأن مابقاش فيه حد بيلجأ ليه
لم تكن القروض الزراعية حديثة العهد بالنسبة للفلاح المصرى، وإنما كان يعتمد عليها منذ القدم، إلا أن تطورات دائمة وتغييرات طرأت على الطريقة التى يتعامل بها بنك التنمية والائتمان الزراعى كانت أحد أهم الأسباب التى جعلت هناك فجوة بينه وبين الفلاح، حسب ما قال «محمد عطية» مزارع بمركز ديرب نجم التابع لمحافظة الشرقية: «إحنا متعودين ناخد قروض البنك الزراعى ديه من سنة 85 وكنا بناخد سلف زراعية وكل حاجة، بس خلاص بطلنا ناخد الحاجات ديه دلوقتى لأن نسبة الفايدة دلوقتى عدت 20%، عشان كده معظم الناس دلوقتى بقوا يدوروا على أى مكان تانى تكون نسبته أقل»، لم يقترب «عطية» من قروض بنك التنمية والائتمان الزراعى منذ عام 2005، رغم حاجته الدائمة إلى الدعم المادى فى عمله الزراعى، «بنحتاج نجيب حتتين بهايم أو جرار زراعى نشتغل عليه وحاجات كلها ليها علاقة بالأرض»، إلا أن مصادر أخرى للتمويل ظهرت أمام «عطية»، لم يرد الإفصاح عنها، كانت بالنسبة له أفضل بكثير من القروض الزراعية، «بروح أجيب الـ10 آلاف من بره وأسدد 700 جنيه فى الشهر ولا حاجة»، ينعى «عطية» بنبرة حزينة «الزمن الجميل» الذى كانت تساند فيه الدولة الفلاح، وتوفر له الدعم الكامل من جميع الاتجاهات، وهو الأمر الذى لم يعد يراه الآن: «زمان كنا بنجيب الكيماوى والسماد من الجمعية ببلاش ولما نزرع تحاسبنا عليه، إنما دلوقتى الواحد مش عارف هيعيش يأكل عياله ولا يسدد اللى عليه»، متمنياً أن تنظر الدولة للفلاح بعين الاعتبار أكثر من ذلك، لا سيما أن هذه القروض تنفع فئة بعينها دون غيرها، حسب قوله: «مابيروحش ناحية البنك إلا الضعيف والمحتاج إنما اللى حالته حلوة هيروح البنك يعمل إيه، وبتمنى من ربنا إن الحالة تتعدل ويبصوا للفلاح وكفاية قوى حط على دماغه لأن الفلاح حقه مهدور». وفى مركز البرلس التابع لمحافظة كفر الشيخ، لم يكن أمام الثلاثينى «محمود صلاح» سوى البحث عن حلول بديلة عن القروض الزراعية التى تعثر فى سدادها من قبله آباؤه، ليجد بعد البحث طريقة أخرى كانت هى الأفضل بالنسبة له: «بروح لمعلم من معلمين سوق الخضار، أقوله أنا هزرع خضار كذا، وعلى حسب كل زرعة نشوف هيساعدنى بكام، يعنى مثلاً دلوقتى فدان الطماطم بيتكلف نحو 30 ألف جنيه، وبعد كده آخد منه الفلوس ديه على مراحل أو دفعة واحدة، والسداد بيكون بعد ما الزرعة تطلع»، بعد أن يحصد «محمود» محصوله، يحمله ويذهب به إلى ذلك التاجر، ليقوم التاجر ببيع هذا المحصول حسب معرفته وحسب السعر المتاح، ليخصم بعد ذلك المبلغ الذى أعطاه له ومن فوقه 10% عمولة بيع: «ده أريح عرض بيحصل للمزارعين هنا، لأن لو أنا زرعت الخضار بفلوسى هروح للتاجر هياخد منى كده كده 8% ضريبة بيع، والـ2% دول مبيأثروش معايا فى حاجة وبتبقى طريقة مناسبة»، مضيفاً: «بنك التنمية مابيحسش بينا ولو الزرعة حصل لها حاجة وخسرت وقتها البنك مابيعذرش، وحصلت مع والدى قبل كده وباع قيراطين أرض عشان يسد الفلوس، لكن المعلم اللى بروح له بيكون عارف اللى حاصل وبيعذر، وبالعكس بيدينى فلوس تانى كمان، وبيصبر عليّا سنة وممكن سنتين وتلاتة طالما معاملتى كويسة معاه، وأنا من رأيى يعدموا بنك التنمية خالص أحسن لأن مابقاش فيه حد بيلجأ ليه».