الكتائب الإلكترونية.. عصا «الأصوليين» لمواجهة الإصلاح.. والبابا أول المستهدفين
«تواضروس وفرنسيس» أثناء توقيع البيان التاريخى بالكاتدرائية
قبل سنوات كانت معركة الإصلاح داخل الكنيسة تدور داخل الغرف المغلقة وجدران الكنيسة، ولكن مع التطور التكنولوجى اتسعت الرقعة وخرجت الأصوات المطالبة بالإصلاح للشارع القبطى، ووصلت لكل بيت، وفى سبيل ذلك تبادلت الأصوات فى الفضاء الإلكترونى؛ كل شخص يدافع عن فكرته سواء بالإصلاح أو الرفض، ومع ظهور مفهوم الكتائب الإلكترونية على شبكة الإنترنت والتى تروج لأفكار معينة، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعى، اتهمت بعض الأصوات الإصلاحية، التى هى قليلة مقارنة بأصوات الأصوليين داخل الكنيسة، بوجود كتائب إلكترونية عبر الخدام والخادمات فى الكنائس والمعاهد التى تحت سيطرة هؤلاء، واستخدامها فى الترويع لكل فكر أو صوت ينادى بعكس ما هم ثابتون عليه.
«الكتائب الإلكترونية»، كما أشيع إطلاق المسمى عليها، صارت فى الآونة الأخيرة هى عصا «السلفيين» داخل الكنيسة، والتى اكتوى بنارها أكبر رأس فى الكنيسة، البابا تواضروس، فدشنت عشرات الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعى التى تحمل مسميات مسيحية وتطلق على نفسها ألقاباً لقديسين وشخصيات لاهوتية، تهاجم كل خطوة إصلاحية يقوم بها البابا، أو محاولة لتجديد الخطاب الدينى، أو تعزيز العلاقات مع الطوائف المسيحية الأخرى، حتى وصل ببعضهم أن اتهموه بالخروج عن الإيمان الأرثوذكسى، وطالبت بعض المواقع بمحاكمة البابا شخصياً أمام لجنة من أعضاء المجمع المقدس بالكنيسة.
كان الظهور الأول لتلك الكتائب عقب ثورة 25 يناير 2011، وما تبعها من حراك عام فى الشارع المصرى، وتحديداً خلال فترة خلو الكرسى البابوى بعد وفاة البابا شنودة الثالث، وإجراء الانتخابات البابوية، فأخذت تلك الكتائب تروج لترشح بعض الأساقفة الأصوليين برغم عدم انطباق شروط الترشح عليهم وعلى غيرهم من الأساقفة المجلسين على الإيبارشيات وحاول أحدهم تمرير تلك الخطوة بدراسات لاهوتية توافق على ترشحه، وعملت تلك الكتائب على دحض كل الاتهامات والشائعات التى توجه إليه.
ومع جلوس البابا تواضروس الثانى على الكرسى البابوى، لم تمر شهور قليلة حتى بدأ الهجوم عليه بمخالفة الإيمان من صفحات وروابط وحركات وهمية ليس لها وجود سوى الفضاء الإلكترونى، وموقع يدّعى مسيحيته يقف وراءهم بعض الأصوليين الذين تضررت مصالحهم ومكانتهم داخل الكنيسة بوصول البابا إلى الكرسى البابوى وقيامه بعملية تغيير وتحديث داخل الكنيسة، فخرجوا يهاجمونه بسبب الطريقة الجديدة التى طبقها البابا باستخدام التكنولوجيا فى صناعة «الميرون المقدس»، وهو أحد أسرار الكنيسة، واتهموا البابا بمخالفة تعاليم الكنيسة وأنه ينقل فكر الكنيسة الكاثوليكية للكنيسة الأرثوذكسية ويغير تقاليدها، وحينما حمى وطيس المعركة، خرج البابا عن صمته فى مقال بمجلة الكرازة، الناطقة بلسان الكنيسة، ورد على منتقديه بالتأكيد أن لديه غيرة كبيرة على الكنيسة ولا ينتظر أن يعلمها له آخرون مهما كانت التسميات التى يطلقونها على أنفسهم والتى توحى للعامة بأنهم فقط الذين يعرفون، ودعا البابا منتقديه إلى الإفصاح عن أسمائهم بدلاً من النشر على النت والتستر وراء عبارات تهدم أكثر مما تبنى. وأكد البابا أنه ليس فى المسيحية ما يمنع من استخدام نتاجات العقل والعلم والتطور والتقدم فى تسيير أمور الكنيسة دون المساس بالعقيدة وأساسيات الإيمان المستقيم. وواصلت الكتائب هجومها على البابا خلال رحلاته الخارجية، خاصة حينما يلتقى بأحد من الطوائف المسيحية التى توجد بين الكنيسة القبطية وبينها توترات ومقاطعة ويحاول البابا إصلاحها، منها لقاؤه البابا فرانسيس، بابا الفاتيكان، والزيارات المتبادلة مع الكنيسة اللوثرية بالسويد، وآخرها الزيارة التاريخية للبابا إلى اليونان بعد قطيعة دامت ربع قرن بين الكنيستين القبطية واليونانية، والبيان الذى وقعه مع بابا الفاتيكان حول وحدة «المعمودية».
كما وقفت تلك الكتائب ضد أى محاولة للوحدة بين الكنائس والمسيحيين، منها وقوفهم ضد توحيد الأعياد المسيحية، خاصة عيد القيامة، ولم يسلم من تلك الكتائب أى فكر إصلاحى فى الكنيسة، فاتخذوا من الراهب متى المسكين، أشهر رهبان الكنيسة فى القرن العشرين، هدفاً للهجوم حتى أطلقت صفحات، تحت اسم «هرطقات متى المسكين»، ووصمت كل صوت إصلاحى سواء خادم أو راهب أو كاهن أو أسقف أو مطران بأنه يتبع فكر متى المسكين وكل الخارجين عن الكنيسة من وجهة نظرهم وصولاً بيهوذا.
ترفع تلك الكتائب شعار «الدفاع عن الإيمان الأرثوذكسى»، فى مقابل وجود مثل تلك الكتائب فى الكنيسة البروتستانتية على وجه التحديد، التى تتصيد للأرثوذكس وتضرب فى صميم عقيدتهم وتهاجم الكهنوت والقديسين وطقوس الكنيسة الأرثوذكسية.