قرى شباب الخريجين بالشرقية فى قبضة «مافيا التعديات»
منازل «شباب الخريجين» فى «سهل الحسينية» بالشرقية
على بعد أكثر من 80 كيلومتراً من مدينة الزقازيق، كبرى مدن محافظة الشرقية، تقع قرى «شباب الخريجين» بمنطقة «سهل الحسينية»، وهى أحد المشروعات القومية التى بدأ تنفيذها منذ أواخر ثمانينات القرن الماضى، للاستفادة من الظهير الصحراوى للمحافظة، عن طريق إنشاء قرى جديدة للشباب، بعد منحهم منزلاً على مساحة 200 متر، و5 أفدنة لاستصلاحها وزراعتها، ولكن بعد أن تسلم الشباب الأراضى المخصصة لهم، فوجئوا بانعدام الخدمات الأساسية بها، وارتفاع نسبة الملوحة فى الأرض، مما دفع العديد منهم إلى هجرة الأرض أو بيعها، وقام بعض الأهالى بوضع يدهم على مساحات منها.
انتقلت «الوطن» إلى منطقة «سهل الحسينية»، لرصد الوضع فى تلك القرى، ومعاناة الأهالى بها، بعد مرور أكثر من 25 عاماً على بدء المشروع، وبعد رحلة استغرقت ما يقرب من 5 ساعات، استخدمت فيها مختلف وسائل المواصلات، من ضمنها «التوك توك»، الوسيلة الوحيدة من «منشأة أبوعمر»، حتى تلك القرى، عبر طرق ترابية غير ممهدة، تشق الزراعات، التى تناثرت بعض المنازل عليها، خلت تلك الطرق من أى وسائل مواصلات، عدا بعض الدراجات البخارية، برزت لافتة تشير إلى قرية «طارق بن زياد»، على الطريق الذى بدا خالياً من المارة ومن وسائل المواصلات الأخرى، إلا عدداً قليلاً من الدراجات البخارية.
الطرق غير ممهدة ووسائل المواصلات غائبة بين القرى والمحافظات المجاورة.. والشباب هجروا أراضيهم بسبب نقص الخدمات وارتفاع نسبة الملوحة
وبعد نحو كيلومترين من اللافتة، ظهر عدد آخر من المنازل المتجاورة، تتوسطها بعض العمارات السكنية، ولكن تلاحظ إغلاق الأبواب الرئيسية والنوافذ بتلك العمارات، عدا شقة واحدة ظهرت بعض الملابس معلقة فى شرفتها، مما يشير إلى أن هناك حياة داخلها، وبادرنا صاحبها «يسرى محمد»، مهندس بالإصلاح الزراعى، بالحديث قائلاً: «أعيش وأسرتى هنا فى هذه العمارة منذ عام 1995، بعد انتدابى من مديرية الزراعة فى دمياط، للعمل بالإصلاح الزراعى بقرى الخريجين فى سهل الحسينية».
وأشار الرجل الخمسينى إلى التصدعات التى تخللت جدران العمارة، بفعل عوامل الزمن وتشبعها بمياه الصرف الصحى، ومضى قائلاً: «كان هناك عدد من الموظفين يقيمون فى العمارة، ومع مرور الزمن، وتدنى الخدمات، وتدهور حال العمارة التى أصبحت آيلة للسقوط، تركها الموظفون، وأقاموا فى شقق ومنازل أخرى»، مشيراً إلى أنه عند بداية المشروع تم إنشاء 3 عمارات، لتكون سكناً للموظفين، ومكاتب لمباشرة مهام عملهم، بالإضافة إلى بناء عدد من المنازل لشباب الخريجين، وأوضح أن قرى الخريجين تقع على مساحة 57 ألف فدان جنوب سهل الحسينية، وتضم 5 قرى هى: «طارق بن زياد، وخالد بن الوليد، والإصلاح، والازدهار، والرواد»، مؤكداً أنه تم منح كل خريج 5 أفدنة، ومنزل على مساحة 200 متر، مشيداً من طابق واحد، مقابل 11 ألف جنيه، وكانت البداية بقرية «طارق بن زياد»، تم توزيع الأراضى بها عام 1989، ثم قرى «الإصلاح والازدهار وخالد بن الوليد والرواد»، تم توزيع الأراضى فيها عام 1992.
وتابع «يسرى» قائلاً: «بعد تسلم الشباب الأراضى، فوجئوا بانعدام الخدمات الأساسية والمرافق مثل مياه الشرب ومياه الرى والصرف الصحى والكهرباء والطرق.. الحياة كانت صعبة لدرجة أننا لم نجد كوب الماء، وكنا ننتظر جرارات بها فناطيس المياه، ونقوم بشراء المياه بالجركن، واستمررنا على هذه الحال حتى عام 2008 حيث تم إنشاء محطة مياه طارق بن زياد، وتوصيل المياه للمنازل، إلا أن الكثير من الخريجين كانوا قد تركوا الأرض بسبب تلك الظروف القاسية، إضافة إلى ارتفاع نسبة الملوحة فى الأراضى، ما أدى إلى صعوبة زراعتها، حيث كانت تحتاج آلاف الجنيهات لتسويتها وتمهيدها للزراعة، والتغلب على نسبة الملوحة بها، مما دفع الخريجين لتركها، وباع عدد منهم أراضيهم إلى الأهالى، ولم يتبقَّ منهم سوى عدد قليل لا يتجاوز 10% من السكان الحاليين بالقرى»، لافتاً إلى أن الأهالى قاموا باستصلاح الأراضى وزراعتها على مدى 27 عاماً.
«يسرى»: نعانى من انعدام الأمن ونروى أراضينا بالصرف الصحى.. والحكومة تطلب من الأهالى شراء الأرض مرة أخرى بسعر 90 ألف جنيه للفدان
وكشف عن أزمة جديدة بقوله: «الحكومة حالياً تطلب من الأهالى تقنين أوضاعهم وشراء الأرض وتملكها مرة أخرى بسعر 90 ألف جنيه للفدان»، وتابع أن «الناس كلها متضررة لأنهم هيدفعوا تمن الأرض مرتين»، وتساءل بقوله: «كانت فين الحكومة والأرض مالحة ومفيهاش زرع؟»، مشيراً إلى أن الأهالى يعتمدون فى رى الأراضى على مياه الصرف الصحى من مصرف «بحر البقر»، نظراً لعدم توفر المياه فى ترعة السلام، كما أكد أن أهالى قريتى «طارق بن زياد والإصلاح» يعانون أيضاً من قلة المياه بمصرف بحر البقر، لافتاً إلى أن الأهالى طلبوا من الجهات المعنية مراراً إقامة محطة رفع على الترعة، دون جدوى.
كما أكد أن عدم تمهيد الطرق، وغياب وسائل المواصلات التى تربط قرى الخريجين بـ«منشأة أبوعمر»، أو بالمحافظات المجاورة، وكذلك عدم توافر عوامل الأمان بالقدر الكافى، من أهم المشكلات التى تواجه أهالى تلك القرى، مشيراً إلى أنه بعد مشاركته فى حملة إزالة تعديات على أراضى الدولة، فوجئ باحتراق سيارته أثناء توقفها أمام منزله، وذلك بعد انتهاء الحملة يوم 16 مايو الماضى، ورغم تحريره محضراً بالواقعة، إلا أن المعمل الجنائى لم يعاين السيارة حتى الآن، رغم تقدمه بالعديد من الشكاوى إلى مركز الشرطة.
والتقط «محمد عماد»، 35 سنة، أحد الأهالى طرف الحديث قائلاً: «السيارة اللى اتحرقت دى كانت بتنجد الأهالى، كنا نستخدمها فى الذهاب لمستشفى الحسينية، عند إصابة أى شخص بأمراض تستلزم نقله للمستشفى، وكان صاحبها يوافق على الفور، دون تقاضى أى مقابل»، وتابع أن الخدمة الصحية منعدمة فى القرية، والوحدة الصحية الكائنة بها، والتى أُنشئت منذ 3 سنوات، مجرد جدران، ولا يوجد بها سوى طبيب واحد «ممارس مخ وأعصاب»، ولا يوجد طوال أيام الأسبوع، بالإضافة إلى اقتصار الخدمات فيها، إن وجدت، على التطعيمات، مشيراً إلى أن الأهالى يضطرون لقطع مسافة نحو 35 كيلو، للوصول إلى مستشفى الحسينية.
وضرب «عماد» مثلاً عن تداعيات مشكلات نقص الخدمات الصحية ووسائل المواصلات على أهالى القرية، قائلاً: «منذ عدة سنوات كان أحد الأهالى، ويدعى محمد أبوموافى، من أوائل القاطنين بالقرية، أصيب أثناء عمله على مضرب أرز يدوى، حيث كان يتردد به على المنازل لتبييض الأرز، وتم نقله لمستشفى الزقازيق الجامعى، وأجريت له عملية جراحية ثم عاد إلى منزله، ولكنه أصيب بغيبوبة، وأثناء البحث عن وسيلة مواصلات لنقله للمستشفى مرة أخرى، استغرق الأمر نحو الساعة، وما إن وجدنا سيارة لنقله، توفى فى الطريق»، وتابع بقوله: «مفيش مواصلات غير سيارات ربع نقل، وهى قليلة جداً، ولا يوجد بديل سوى التوك توك أو الموتوسيكل»، لافتاً إلى أن تكلفة أجرة التوك توك فى الرحلة الواحدة من «سهل الحسينية»، حتى «منشأة أبوعمر»، تتراوح بين 40 و50 جنيهاً.
وتحدث أحد العاملين بمحطة المياه فى قرية «طارق بن زياد»، طلب من «الوطن» عدم ذكر اسمه، مؤكداً أن مأخذ المياه الخاص بالمحطة يقع بجوار عدد من أبراج الحمام، وعندما تتخلص تلك الطيور من فضلاتها تسقط فى مأخذ المياه، وأشار إلى أنه سبق صدور قرار بإزالة تلك الأبراج قبل نحو 7 شهور، ولكن لم يتم تنفيذه إلى الآن، وقال إن تلك الفضلات تتسبب فى تلوث المياه، مطالباً الجهات المسئولة بتنفيذ القرار، حفاظاً على أرواح الأهالى، كما أشار إلى أن بعض العائلات تعدت على مساحات من الأراضى تقدر بأكثر من 1700 فدان، وقاموا بوضع يدهم عليها من خلال إشهار جمعية أهلية، واستغلوا «جهل» بعض سكان المنطقة وقاموا بجمع بطاقات بدعوى شراء أسهم فى الأرض، وبعد فترة استحوذ أعضاء الجمعية على الأرض لأنفسهم، ولجأ العديد من الأهالى إلى القضاء لاسترداد حقوقهم، ولكن لم يتم الفصل فى أى من تلك القضايا المنظورة أمام المحاكم منذ عدة سنوات.
أما «محمود عبدالحميد»، 62 سنة، أحد أهالى القرية، سائق سابق بمشروع شباب الخريجين، فأكد أن المنزل الذى يعيش فيه مع أسرته المكونة من 5 أفراد، وهو مبنى بالطوب الأحمر ومسقوف بالخرسانة المسلحة، يقع على مساحة 200 متر، ومكون من حجرتين وصالة، ومزود بمطبخ ودورة للمياه، وأضاف أنه لا يمكن للأهالى تعلية المنزل ببناء أدوار إضافية، أو البناء على أى مساحات أخرى، حيث يتم تحرير محاضر لهم، مشيراً إلى أن أحد الأهالى، ويدعى «ناصر الحلاق»، قام ببناء محلين بمنزله، فتم تحرير محضر له، وحكم عليه بسنة سجناً، بالإضافة إلى غرامة مالية كبيرة، تبلغ 150 ألف جنيه.