تقبع في قلب "سيليكون فالي" منذ عام 1852، اعتادت على أن تكون ملتقى يلجأ إليه سكان مدينة كاليفورنيا الأمريكية؛ يقضون فيها أوقاتًا سعيدة، تحت تأثير الخمر، ومكان أشبه باستراحة، ودار قمارٍ للباحثين عن الذهب، وملتقى لنادي سائقي الدراجات النارية.
إذا ألقيت نظرةً على الفناء الخلفي، ستجد سائقي الدارجات الهوائية بملابسهم المطاطية، وسائقي الدراجات النارية بملابسهم الجلدية، وستجد رجلًا منكوش الشعر يكتب على دفتر من المحتمل أن يكون بروفيسورًا أو مجنونًا أو رئيسًا تنفيذيًا. أما المواقف، فتجد فيها دراجة هارلي، وسيارة مازاراتي فارهة، وحصان.. هنا حانة "روسوتي"، التي تغير اسمها اليوم إلى "ألباين إن بير جاردن".
هذا الوصف التي قدمته صحيفة "جارديان" البريطانية عن الحانة، لا يُشير إلى إمكانية خروج أي اختراع من داخل هذا المكان، إلا أنه قرابة الـ40 عامًا، اجتمع مجموعة من العلماء داخل "روسوتي" ونجحوا في تأسيس محطة حاسوب طرفية (Computer Terminal) على إحدى طاولاته، وأجرى الفريق تجربة استثنائية، ومع القليل من البيرة في أكواب بلاستيكية، استطاع أن يثبت أنه قد تنجح هذه الفكرة الغريبة التي تسمى الإنترنت.
لو قدر لك أن تدخل إلى حانة روسوتي في السابع والعشرين من أغسطس 1976، لرأيت سبعة رجال يلتفون حول طاولة عليها محطة حاسوب طرفية أمامها امرأة تطبع عليها، ويخرج من الطرفية سلكان يمتدان ويختفيان داخل شاحنة رمادية.
في الشاحنة كانت هناك أجهزة تحول الكلمات التي تطبعها المرأة إلى حزمة من المعلومات، ثم تنتقل هذه الحزم عن طريق هوائيّ مثبت فوق الشاحنة على هيئة إشارات راديو.
وتنتقل هذه الإشارات بدورها عبر الهواء إلى جهاز تكرير الإشارة الموضوع على قمة جبل قريب، حيث يتم تضخيم هذه الإشارات ويعاد توزيعها. وبهذه الدفعة القوية، أصبح بإمكانهم أن يوصّلوا حزم المعلومات إلى هوائي مثبت على مبنى في مينلو بارك.
وهنا يبدأ السحر، داخل المبنى، تنتقل هذه الحزم بكل سهولة من شبكة إلى أخرى، من شبكة الراديو إلى أربانت. وحتى تتم هذه العملية، كان لا بد لحزم المعلومات من أن تأخذ شكلًا آخر دون أن يتغير محتواها، تمامًا مثل الماء الذي يأتي في صورة بخار أو سائل أو ثلج، لكنه يحتفظ بتركيبته الكيميائية، هذه الميزة السحرية هي إحدى خصائص الكون، ونحن محظوظون بها لأن الحياة تعتمد عليها.
جاءت هذه المرونة الكونية من الطبيعة، أما مرونة الإنترنت في المقابل فكان لا بد من تصميمها، وفي ذلك اليوم من أغسطس، استطاع الإنترنت أن يحوّل حزم المعلومات في شبكة لاسلكية إلى إشارات إلكترونية في شبكة أربانت السلكية، والمدهش في هذا التحول أنه حدث بشكل كامل ومثالي مع الاحتفاظ بالمعلومات كما هي.
تعليقات الفيسبوك