عمال خرجوا من العمل فى شركات خاصة: القطاع العام زى أمك وأبوك عمرهم ما يرموك.. و«الخاص» ما بيرحمش مايعرفش أبوه
شعبان عيد
اختلفت آراء أصحاب «المعاش المبكر» بشأن العمل فى القطاع الخاص، الذى لجأوا له للعمل به بعد خروجهم مبكراً على المعاش، فبعضهم من نظر إليه باعتباره نظام «العمل العادل»، الذى يعطى كل فرد حقه وفقاً لحجم عمله وجهده، وبعضهم الآخر رأى أن القطاع الخاص استغله، وأنه يحتاجهم فقط حين يكونون أصحاء، ويستغنى عنهم حال وقوع أى أضرار أو إصابتهم بأى أمراض قد تعوقهم عن العمل، عكس القطاع العام، الذى كان «يتحملهم» فى كل الظروف.
«الخصخصة» كانت السبب الرئيسى الذى دفع هؤلاء للخروج من العمل بنظام المعاش المبكر، ليلجأوا بعدها إلى القطاع الخاص، يخوضون تجربة جديدة تماماً عليهم، وتختلف كثيراً عما سبق وعرفوه من قبل خلال تجربة العمل فى القطاع العام.
«عيد»: أكثر شىء يهتم به القطاع الحكومى هو مواعيد «الحضور والانصراف» فقط.. والعمل فى «المرتبة التالية».. و«وجيه»: خرجت «معاش» بسبب الخصخصة
«لو كان رجع بىّ الزمن، كنت طلعت من الشغل على الستين، خاصة إنى كنت فنى ووضعى المادى كان كويس جداً، وكنت الوحيد المتخصص فى المجال ده فى الشركة كلها، لكن لم يكن هناك مفر مما حدث»، قالها «شعبان عيد»، 58 سنة، فنى خراطة سابق فى الشركة العامة للأعمال الهندسية، مضيفاً: «كنا عارفين إننا طالعين معاش طالعين، وإنه لا مجال للبقاء داخل الشركة فى ظل الاتجاه إلى تطبيق سياسة الخصخصة، والضغط على العمال عشان يقبلوا يخرجوا معاش مبكر، وكنا عارفين إننا لو لم نترك الشركة وقتها سنتركها العام التالى، فطلعت معاش واستجبت للضغوط، وخدت فلوس مكافأة نهاية الخدمة وكانوا 30 ألف جنيه، وكنت محتاجهم طبعاً، ربنا رزقنى بـ3 أولاد وكنا محتاجين مصاريف وقتها، وفيه ناس من أصحابى وزملائى فى العمل، اللى خدها جوز بها بنته، بعد ما كان بقاله سنتين مش عارف يجوزها، واللى عمل بها سباكة بيته بعد ما كانت خربت، وبعد أن استدان بمزيد من الديون، فسددها على الفور بعد طلوعه معاش».
وأضاف «عيد» لـ«الوطن»: «تركت القطاع العام وأنا عندى 41 سنة عام 2000، بعد أن قضيت به قرابة 28 عاماً، عملت بعدها إدارياً فى إحدى شركات القطاع الخاص، وعلى عكس القطاع العام، فى القطاع الخاص من الممكن أن نعمل وقت العطلات والإجازات الرسمية، لو استدعى الأمر ذلك، فيما كنا نحصل على الإجازات كاملة أثناء عملنا فى الحكومة، ونزيد عليها بإجازات أخرى، ولكن مميزات القطاع الخاص تتمثل فى كونه مختلفاً عن الحكومة فى عائده المادى، الذى يزيد على أجور الحكومة وقطاع الأعمال معاً»، وتابع «عيد»: «أكثر شىء يهتم به القطاع الحكومى هو المواعيد وتوقيع الجزاءات على المخالفين أو المتأخرين عن المواعيد، فيما يأتى العمل فى المرتبة التالية، بل من الممكن أن يأتى فى المرحلة الأخيرة، فى حين أن القطاع الخاص يستطيع أن يحقق أقصى استفادة ممكنة من الموظف والعامل الذى يعمل فيه، فيما يذهب الموظف والعامل فى القطاع العام لأداء تخصصه وفقط، وبمجرد الانتهاء منه يجلس، ولا يفعل أى شىء»، وأوضح «عيد»: «فى القطاع الخاص يكون العامل بمثابة الجوكر، يستطيع صاحب العمل أن يستفيد من كل خبراته وطاقته، لذلك ينجح ويحقق مكاسب فى سوق العمل، على عكس القطاع الحكومى الذى يتسبب بإدارته السيئة فى كثير من الخسائر، وهناك عيوب قليلة للقطاع الخاص، مقارنة بالقطاع العام، منها عدم وجود توقيت محدد لصرف الراتب، والتأخر فى صرفه أحياناً، بعكس القطاع العام الملتزم بمواعيد محددة للصرف شهرياً دون أى تأخير».
«هددوا الناس، اللى مش هيطلع معاش مبكر، حينما أعلنوا ذلك، ستقل مكافأته، أو سينقل لمكان آخر فى محافظة تانية، كنا هنتشحطط لو لم نستجب لهم حينها، كنا سنشرد، الخصخصة قضت على الجميع»، هذا هو الواقع الذى دفع محمد أحمد السويسى، 62 سنة، المحاسب السابق فى شركة «أسمنت السويس»، للخروج مبكراً من عمله ضمن من خرجوا إلى المعاش المبكر، وأضاف «السويسى»: «لما اختاروا الموظفين اللى هيخرجوا معاش مبكر، اختاروا فى البداية الموظفين أولاً، وأخروا الاستغناء عن الفنيين الذين استغنوا عنهم تدريجياً نظراً لاحتياج الشركة لهم، وذلك بعد أن اشترتها الشركة الإيطالية، بـ2.5 مليار جنيه، ثم سمعنا إن الشركة الألمانية اشترتها بـ47 مليار جنيه، وفضلت محتفظة بعدد قليل جداً من الفنيين»، ويتحدث «السويسى» عن حاله فى حينها قائلاً: «كنت خايف أتبهدل، ركزوا على إنهم يخرجوا الموظفين أصحاب الأعمار الكبيرة أولاً، خرجت وأنا عندى 53 سنة، فى أول 2008، كان مرتبى وصل عند خروجى نحو 3 آلاف جنيه، كانوا بيعيشونى أنا ومراتى وأولادى الأربعة حياة كريمة، قدرت بالمرتب ده أعلمهم كويس، وأدخلهم مدارس تجريبية، ونعيش حياة معقولة، ولما خرجت معاش مبكر، حصلت على مكافأة نهاية خدمة قدرها 300 ألف جنيه، و500 جنيه فى الشهر معاش، زادوا مع مرور الوقت، ووصلوا إلى 2000 جنيه، لكن يعملوا إيه فى مصاريف أسرة و4 عيال، اشتريت حينها بالـ300 ألف شقتين لاتنين من أولادى فى 6 أكتوبر، عشان الزمن، واتبقت فلوس قليلة قعدت أصرف منها لمدة 5 سنوات، وبعد ما الفلوس خلصت، والدنيا غليت، كان لازم أشتغل عشان نقدر نعيش، وأعلم البنت والولد الصغيرين، وأقدر أعلمهم بنفس المستوى اللى اتعلم بيه إخواتهم الكبار، هم فى المرحلة الابتدائية الآن، وكنت حريص أدخلهم مدارس تجريبية زى إخواتهم، المعاش لوحده مش هيعمل حاجة فكان لازم أشتغل، فلجأت للقطاع الخاص، وذهبت للعمل فى أكثر من شركة ومكان، لم أستطع الاستقرار فى أحدها طويلاً، لطبيعة القطاع الخاص المختلفة عن الحكومة، الحكومة كرامة، والقطاع الخاص بهدلة، إلى أن تعودت، وتأقلمت على طريقة وشكل العمل فى القطاع الخاص، واستقريت فى وظيفة فرد الأمن التى أعمل بها الآن فى إحدى الشركات الخاصة»، وأوضح «السويسى» أن «الحكومة بها الكثير من المميزات عن القطاع الخاص، إجازات، وراحات، وراحة نفسية، ومكافآت وأرباح، وتأمين صحى، وأمان وظيفى، أما القطاع الخاص فلو خدت إجازة بتكون على حسابى، إضافة إلى أن القطاع الخاص به إرهاق، وصاحب العمل بيشغل العامل ويأخذ إنتاجه، ويستغله كويس جداً، ولو تعب يرميه بره فوراً بلا رحمة، ساعتها هيحتاجه فى إيه، أما الحكومة زى أبوك وأمك كده مايقدروش يرموك ولا يستغنوا عنك فى كل أحوالك، وهناك عدد معين لساعات العمل، أما العمل فى القطاع الخاص فهو 12ساعة يومياً، وفى النهاية مرتب أى كلام، وفى القطاع الخاص لا تستمتع بالحياة الطبيعية، فإجازة العيد على سبيل المثال لا نحصل عليها، لأن الاعتماد على فردين فى الأمن فقط، وهو ما يمنع الإجازات، أما فى القطاع العام، فالاعتماد على أكثر من شخص، وليس على شخص واحد فقط أو اثنين، لأن هناك موظفين كتير جداً يسدوا الحاجة».
وقال وجيه إبراهيم، 57 عاماً، مشرف معمارى سابق بشركة أطلس العامة للمقاولات، «المعاش المبكر لم يكن اختياره كعامل، فقد تركنا الشركة وطلعنا معاش مبكر عشان سياسة الخصخصة، ولما زهقونا بكذا طريقة، بقوا يجيبوا ناس تبعهم غير مؤهلة، كل مسئول كان بيمسك الشركة القابضة، كان يأتى بموظفين تابعين له مكوناً شلة خاصة به، وكان فيه عمال وفنيين يتعبوا فى الشغل، ولا يجدون أنفسهم فى كشف المكافآت، فى حين تشمل هذه الكشوفات ناس يجلسون على المكاتب ولا يبذلون أى مجهود، لم يكن هناك عدل، وكانت المزايا توزع على 5% فقط، هم الذين يحظون بكافة المميزات»، وأضاف «وجيه»: «تركت الحكومة بعد 22 سنة خدمة، طلعت فى 2005، خصخصوا الشركة، وباعوا المكن، باعوا الدنيا كلها، وباعوا أراضى ببلاش، بوظوا الدنيا، المكن اتباع بمليون جنيه، وهو كان يستحق أكثر من 35 مليون جنيه، طلعت وأخذت مكافأة نهاية خدمة 35 ألف جنيه، جوزت بها بنتى، وفاضل ابنى لسه فى التعليم، المعاش خلص، وكان لازم أشتغل بعد ما خرجت من الشركة على طول، عشان أعرف أعيش، خاصة أن المعاش لا يفعل معنا شىء كل شهر، ولحسن حظى كان الشغل متوفر، الفنيين كانوا يجدون فرص كثيرة للعمل، على عكس الإداريين، وعرفت أشتغل، وأعيش كويس، خاصة إنى لما خرجت كان سنى صغير كان عندى 45 سنة»، واعتبر «وجيه» أن «العمل فى الحكومة ضمان وأمان، إلا أنه لا يضمن معيشة كريمة، على عكس القطاع الخاص، الذى يحقق للعامل عائداً مادياً أفضل، وأكبر، لكن مشكلته فقط أنه يظل متمسكاً بالعامل طالما استمر بصحة جيدة، أما لو تعب أو تأثرت صحته فى شىء، فإنه يستغنى عنه على الفور، وهذا على عكس الحكومة، التى تتحمل العامل عند مرضه»، وتابع «إبراهيم»: «من يريد أن يصل فى القطاع العام لا بد أن يتوافر لديه مهارة الرياء والنفاق، أما فى القطاع الخاص فمجهود كل شخص هو الذى يفرض نفسه، وشغلك هو الذى يجلب لك مزيداً من الأجر، والمكافآت، وما ينقصه فقط هو عدم توافر تأمين صحى، أما بالنسبة للتأمينات الاجتماعية، فأصحاب المعاش المبكر غير مهتمين بها، لأنهم يحصلون على معاش، ولديهم تأمينات اجتماعية»، وأوضح «وجيه»: «أنا عايش الآن حياة كريمة، أفضل مما كنت عليه فى القطاع العام، ومش ندمان أبداً إنى تركت الحكومة، لإنى لو كنت فضلت فى الحكومة، كان زمانى بشحت دلوقتى، ربنا سبحانه وتعالى عمل معايا كده فى الوقت المناسب».