سامي عبد الراضي يكتب: «وهذه حكاية سيدتي مريم فتح الباب»
سامي عبدالراضي
صباح الخير يا «مريم».. صباح الخير يا «سيدتى الصغيرة».. صباح الخير على «كائن» ظنى أن الزمان لم يعد يحتفظ بمثله.. صباح الخير على «الكبيرة الصغيرة القوية المقاتلة».. صباح يليق بوجهك المضىء.. صباح مثل قلبك وعقلك الذى خصه الله بـ«نور من عنده».. سيدتى الصغيرة.
اكتب عنك.. وحجرتك الصغيرة فى ذهنى.. وصفتِها أنتِ بـ«القصر».. وأقول أنا إنها «جنة الأرض».. هذه الغرفة التى احتضنت قلبك الكبير أنتِ ووالديك و4 بنات.. هذه الغرفة التى مَنَّ الله عليك بداخلها معانى «الفخر والاعتزاز والصبر» وبها «علّمك».. علمكِ ما لا تعلمين وصرتِ تعلمين وغيرك لا يعلم.. وهذا يا «سيدتى» مكتبك.. ومرتبتك.. وهذه شهادات التقدير والشكر والثناء التى حصلتِ عليها طوال السنوات الماضية.. مكتبك يا سيدتى.. خشبى.. بسيط.. متواضع ولكنه يساوى أفخم قطع الأثاث، ولكنه زاد عنها كثيراً، وتميَّز.. احتضنك وشَهِد هو على تعبك وسهرك وشقاكِ.. مكتب فى غرفة ليس بها باب.. الباب كان والدك.. كان يجلس أمام غرفتك هذه فى الشارع.. وعندما كان يسأله أحد فى بدايات العام: «خير يا عم سعيد».. كان يرد: «مريم بتذاكر جوه».. ولم يكرروا سؤالهم.. عندما كانوا يشاهدونه فى ليالى الشتاء القاسية جالساً على كرسى خشبى.. كانوا يعلمون أن «مريم» فى «محرابها».. وفى عقلها شىء واحد.. ليس مجموعاً كبيراً فى الثانوية العامة.. كان لديها هدف: «أنا عايزة أفرّح أبويا وأمى».
وهؤلاء يا سيدتى عائلتك.. هذه «سمر» شقيقتك الكبرى التى سمعت «بُكاها» قبل صوتها.. وهى تقول لك مبروووك.. وهذه شقيقتك الأصغر منك.. فى «تانية إعدادى» والتى كانت «مطيعتك» طوال العام.. تقف وتصحو وتنام على راحتك.. وهذه أمك الطيبة.. التى لم تتعلم.. ولكنها تعلم وتتيقن أن العلم هو الأساس، ووقفت بقوة وثبات إلى جوارك وتقول: «بنتى هتبقى دكتورة.. وترفع راس أبوها.. تتذكر كلماتك وأنتِ فى أولى إعدادى لأبوكِ وأنتى تقولين: «أنا هارفع راسك يا أبويا.. وهاخلّيك تقول أنا مخلّف راجل» قالتها مريم حينها وربما قالت لنفسها.. يحتاج أبى إلى «طاقة».. فى الريف والصعيد.. يقولون الكثير عن «خِلْفة البنات».. وهخلّيهم يحلفوا بـ«خِلْفة البنات».
وهؤلاء يا سيدتى جيرانك.. وها قد لمحت الفرحة فى عيونهم التى «لمعت» وأصواتهم التى «زغردت» وقلوبهم التى «قفزت».. احتفوا واحتفلوا، ولِمَ لا وأنتِ واحدة من عائلاتهم، أو هم من عائلتك.
سيدتى الصغيرة.. لا تستحقين فقط اتصالاً من وزير التعليم.. ولا تكريماً من وزيرة التضامن.. ولا دعوة من البرلمان.. ولا «ذهباً» من جواهرجى شهير.. ولا رحلة سفر تنظمها جريدة الجمهورية.. ولا حفاوة من المجلس القومى للمرأة.. ولا مقعداً فى مؤتمر الشباب الذى يعقده السيد الرئيس.. تستحقين يا سيدتى أن تكونى قصة فى منهج دراسى.. تستحقين أن تكونى حاضرةً محفزةً لآلاف بل ملايين هنا فى مصر.. تقولين إنه لا مستحيل مع إصرار، ولا صعب مع عزيمة، ولا بعيد إلا قريب.. تقولين إن حبك لـ «ربك» وحبه لكِ «سر كبير» تعلمينه أنتِ فقط.. تقولين إن عشقك وطاعتك لـ«والديك».. كنز كبير.. تملكين أنتِ مفاتيحه.. وتقولين للمرة الألف بـ«فخر واعتزاز»: «ده أبويا.. شغلته حارس عقار». وتحكين عن ظروفك القاسية وتقولين: «أنا ماعنديش ظروف.. الحمد لله أنا أحسن من غيرى وماكانش فيه اللى يعطّلنى عن مذاكرتى» تَقُصّين لهم: «أنا نفسى أعمل حاجة لبلدى» وتضيفين لمن لا يصدقك: «لأ.. أنا مابقولش كلام إنشا البلد دى أخدت منها مدرسة مجانى وطلعت الأولى.. ولسة البلد دى هتدّينى جامعة ببلاش.. فلازم لما اتخرّج أعمل اللى يساعدها».
تروين يا صغيرتى عن والدك الذى قال «بنتى تفوّقت عشان اتحدّت أهلها.. أنا فلاح.. وعندنا فى الفلاحين العزوة بخِلْفة الرجالة وأنا عندى 5 بنات فكان دا مش حلو».. وقلتِ له: «والله العظيم هاثبت لك أنى أحسن من مليون ولد وأخلّى كل الناس تتكلم عنك».. وآهو ده اللى صار.. وده اللى كان يا سيدتى الصغيرة.
سيدتى الصغيرة.. أقول لكى بـ«لسان الأبنودى» ولحن عمنا إبراهيم رجب:
(قصر الوالى طبعا عالى
مليان حتى لو الكون خالى
بدهب وفاروز.. وكنوز فى كنوز
وإن شبعت بطنه اليد تعوز
وإن عازت يده السرقة تجوز
يضحك نبكى إحنا طوالى
أمال إزاى يبقى الوالى
وبيوت الناس.. لا حيطان ولا ساس
ولا ليها لون ولا ليها مقاس
وحيطانها طين.. أصواتها أنين
وغناها حزين)
ولم يكن والدك «والياً».. ولكن كانت غرفته قصراً.. ولم تشبع بطنه كثيراً ولا يملك كنوزاً ولا قال لنفسه «السرقة تجوز».. وكان منزلك صغيرتى حيطانه هى «الأمل» وأساسه هو «الصبر».. وألوانه هى «السعادة».. ومقاسه هو «الحب».. وفى وسط الضلمة تَهُلِّين أنتِ.. ولا نعرف مين فين أو إمتى.. ترفعى بنيان «الغلبان» وتطاطى بنيان «الوالى».. شكراً مريم.. شكراً سيدتى «الصغيرة الكبيرة».