أزهريون يطالبون باختبارات للالتحاق بها ومساواتها بتنسيق «الطب والهندسة»
انخفاض تنسيق الكليات الشرعية وراء أزمة تجديد الخطاب الدينى وتدهور مستوى الأئمة والدعاة
طالب أزهريون وخبراء بتطوير التعليم الأزهرى فى مختلف مراحله، وإجراء اختبارات للراغبين فى الالتحاق بـ«الكليات الشرعية» لقبول النابهين والمتفوقين منهم، مع زيادة تنسيق تلك الكليات واعتبارها كليات قمة ومساواتها فى مجموع الدرجات اللازمة للالتحاق بها مع «الطب والهندسة»، مؤكدين أن سبب أزمة تجديد الخطاب الدينى وتدهور مستوى الأئمة والدعاة وضعفهم وعدم قدرتهم على مواجهة الأفكار المتطرفة والمتشددة ونشر الوسطية وسماحة الإسلام بين الناس، هو انخفاض تنسيق تلك الكليات، التى يلتحق بها الطلاب الأقل فى مجموع الدرجات من الحاصلين على الثانوية الأزهرية، حيث تقبل بعض تلك الكليات الحاصلين على 50%، ويلتحق خريجوها بوظائف الأئمة والخطباء والدعاة.
مصادر بـ«الأوقاف»: 2% فقط من خريجيها يجتازون مسابقات الأئمة.. و«إدريس»: يجب أن تتضمن المناهج التعليمية ردوداً شافية ووافية على «ترهات التراث»
ورفضت قيادات وزارة الأوقاف التعليق على ضعف أداء التعليم الأزهرى وأثره على مستوى الدعاة والخطباء، فيما أكدت قيادات فى القطاع الدينى بالأوقاف، طلبت عدم ذكر اسمها، أن الوزارة اشتكت بشكل ودى أكثر من مرة إلى قيادات جامعة الأزهر من حالة التردى الكبيرة فى مستوى خريجى الكليات الشرعية، التى تُعد من أقل الكليات فى تنسيق جامعة الأزهر، وتضخ كل عام أكثر من 45 ألف خريج، يتقدمون إلى مسابقات وزارة الأوقاف للتعيين كأئمة وخطباء، ولا ينجح منهم فى اجتياز اختبارات الأئمة سوى 2% فقط، ما يمثل نتيجة كارثية تجبر «الأوقاف» على تنظيم برامج كثيرة لإعادة تأهيلهم لتدارك التردى فى مستوى الخريجين، ولضمان امتلاكهم الحد الأدنى اللازم للدعوة والخطابة وتوضيح المتشابهات للناس والرد على استفساراتهم وتصحيح المفاهيم الخاطئة لديهم المتعلقة بالمعاملات والأخلاقيات والعبادات وغيرها.
وطالب الدكتور توفيق نورالدين، نائب رئيس جامعة الأزهر السابق، بتعديل منظومة الثانوية الأزهرية، بحيث يتحدد من بداية التحاق الطلاب بها مسار كل منهم ومن يسعى للدراسة فى الكليات الشرعية لتجهيزهم بشكل جيد ومناسب للدعوة، فهناك كليات شرعية وكليات علمية وأدبية وإنسانية، وانخفاض معدل القبول بالكليات الشرعية إلى 50% مرفوض وغير مقبول، لأن تلك الكليات التى تُدرس علوم الشرع والدعوة تتماس بشكل كبير مع المجتمع وأخلاقياته ومعاملاته وأفكاره عن غيرها من الكليات العلمية والنظرية، مضيفاً لـ«الوطن»: «لدينا 5 كليات شرعية، ومثلها للبنات، فى القاهرة، بخلاف الكليات المتفرعة على مستوى الجمهورية، وطلاب تلك الكليات يفترض أنهم حملة رسالة الأزهر الأساسية ومشاعل الوسطية التى تميز تلك المؤسسة العريقة التى أنارت العالم على مدار تاريخها، أما كليات الطب والهندسة فهى موجودة فى جامعات أخرى مثل القاهرة وعين شمس والمنصورة».
وأوضح «نورالدين» أن الأزمة الحقيقية تكمن فى أنه عندما يتخرج من تلك الكليات داعية أو خطيب أو حتى مدرس ضعيف المستوى، فإنه يأخذ وقتاً أطول ومجهوداً أكبر فى تأهيله حتى يواكب العصر ومستجداته وتحدياته، وليصبح قادراً على تجديد الخطاب الدينى، وهو أمر غير مقبول، خصوصاً فى المرحلة الحالية، التى تحصد فيها الدولة والعالم كله ثمار الانغلاق والجمود، حتى باتت لدينا أزمة واضحة فى الخطاب الدينى والدعوى، فى مقابل انتشار الخطاب المتطرف والمتشدد الذى تبثه جماعات تستغل الدين لمصالحها ولو بتشويه صورته، وهؤلاء يحتاجون إلى مواجهة فكرية من قبَل دعاة الأزهر، شريطة أن يكونوا على مستوى علمى وثقافى عالٍ.
خبيرة تربوية: رسوب 30٪ من طلاب الثانوية الأزهرية «كارثة».. والمعروفون من علمائه للعوام لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة.. وأمين «دينية البرلمان»: لا بد أن يلتحق بها المتفوقون فقط
وأكد «نورالدين» أن محاولات تغيير وتطوير الخطاب الدينى لا يمكن أن تكتمل إلا بسواعد أئمة ودعاة مؤهلين ومُفوهين وعلى مستوى علمى ودينى متميز، ولا يمكن الوصول إلى هذا المستوى إلا بتأهيل الطلاب وتطوير المناهج الأزهرية فى مختلف المراحل التعليمية، وتنقيح التراث، بحيث ترد المناهج ذاتها على تلك الشبهات والأسانيد الضعيفة والمفاهيم الخاطئة التى يتخذها المتطرفون ستاراً لفسادهم، مشدداً على أن الكثيرين يلتحقون بتلك الكليات وكأنها وسيلة للكسب، وسلماً للتعيين فى الدولة، وحفظ وظيفة إمام أو داعية، ولو بالمكافأة، دون أن تكون أعينهم على النهوض بالدعوة، ونشر الوسطية والفكر السوى بين الناس.
وقال عبدالغنى هندى، عضو لجنة إصلاح الأزهر، إن وضع الكليات الشرعية وآلية الالتحاق بها كارثى، ولا يختلف عن الحال داخل كل مؤسسات الأزهر، مضيفاً: «الكليات المسئولة عن تخريج الدعاة والخطباء، والتى يتميز بها الأزهر عما سواه من جامعات، تقبل الطلبة الأقل كفاءة والناجحين بـ(العافية)، وللأسف تقدم هى الأخرى خريجاً دون المستوى، يكون مسئولاً فيما بعد عن توجيه الناس ودعوتهم، ويفترض فى كل منهم أن يكون مقاتلاً على الجبهة الداخلية وعن وسطية الإسلام ووجهه السمح، بعيداً عن العنف الذى يصدره المتطرفون، وكل هذا لإنقاذ المجتمع من التشدد والعنف ومواجهة الأفكار المتشددة».
وتابع «هندى»: «كيف يكون لهذا الخريج هذا الدور وهو غير مُدرك لرسالة العلم الشرعى ودوره وأهميته؟ فهو طالب دفعه فشله فى الثانوية الأزهرية إلى الالتحاق بالكليات المتاحة، والكليات الشرعية هى الأقل فى التنسيق والأضمن لحفظ وظيفة بعد التخرج، بالتقدم لمهنة إمام وخطيب، إلا أن الخريجين يفاجأون بارتفاع مستوى المسابقات التى تعقدها الأوقاف، فيرسبون فى المراحل الأولى منها».
وأشار «هندى» إلى أن الأزهر بات مشغولاً بكل شىء، باستثناء التعليم الأزهرى، فوضعه سيئ، وعلى مسئولى المشيخة توجيه الاهتمام إلى التعليم الشرعى، الذى يمثل رسالة الأزهر الأولى والأهم، وعليهم زيادة مجموع الدرجات اللازمة للقبول بكليات التعليم الشرعى، لتصبح هى كليات القمة، وليس الطب والهندسة، خصوصاً أن هذا النوع من التعليم هو سبب وجود الأزهر وتأسيسه، مطالباً بالتوقف عن إثقال الطلاب الراغبين فى دخول الكليات الشرعية بالمواد العلمية والتركيز على المواد الشرعية والدعوة ليكونوا على قدر المسئولية الملقاة على عاتقهم. وقالت الدكتورة آمنة نصير، أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر وعضو مجلس النواب، إن وضع التعليم الأزهرى مُحزن، فالقيادات الحالية عاجزة عن مواجهة الفكر المتطرف، وعن تجديد الخطاب الفكرى والدينى، الذى يمثل قضية الأمة الإسلامية كلها، وفى المقابل فإن الخطاب المتصدر يمثل إغراقاً فى التراث.
وطالب الدكتور عبدالفتاح إدريس، أستاذ الفقه المقارن بالأزهر، علماء الأمة بتصحيح ما وصفه بـ«ترهات» كتب التراث، وأن تتضمن المناهج التعليمية ردوداً شافية ووافية عليها، مضيفاً: «واجب علماء الأمة وقد رأوا الكثير من الترهات فى كتب التراث أن يعكفوا على تلك الكتب وينبهوا الدارسين والعوام إلى ما فيها من مخالفات شرعية، حتى لا ينزل العلماء وأنصاف المثقفين والجهلة على ما تحويه هذه الكتب نزول الدواب».
وأكد «إدريس» أنه من الواجب على علماء اليوم أن ينفعلوا بظروف مجتمعاتهم ويجددوا خطابهم وينقحوا التراث وفقاً لمقتضيات واقعهم، ليكون متسقاً مع الظرف والمكان والتطورات التى تمر بها المجتمعات الإسلامية.
وقال النائب عمر حمروش، أمين سر لجنة الشئون الدينية بمجلس النواب، إن «نتيجة الثانوية الأزهرية لا تدعو إلى الفخر، فهى تنم عن أداء يحتاج إلى تطوير وتعديل، فنحن لا نقبل أن يبدأ تنسيق الكليات الشرعية، خصوصاً أصول الدين، من 50%، فى حين أن تلك الكليات هى عماد وقلب الأزهر والخطاب الدينى فى مصر والعالم أجمع، ويفترض أن يلتحق بها النبهاء والمتفوقون، على أن يؤهلهم الأزهر فى المرحلة الجامعية، ليكونوا دعاة وخطباء وعلى مستوى عالٍ من الفهم للفكر الوسطى وسماحة الإسلام والبعد عن التعصب».
وطالب «حمروش» بإجراء مقابلات شخصية للمتقدمين إلى الكليات الشرعية، مع لجنة مشكلة من أعضاء هيئة التدريس بتلك الكليات لمعرفة مدى فهم الطالب للأمور الشرعية الخلافية، وقدرته على تصحيح المفاهيم، والرد والإقناع، والتصدى للعمل الدعوى ومسئولياته، مستطرداً: «هناك نماذج طيبة داخل الكليات الشرعية، لكن هناك نماذج أكثر غير موفقة، وتستدعى النهوض بتلك الكليات لمواجهة الفكر المتطرف».
وقال النائب محمد أبوحامد إن محاولات إصلاح الأزهر متكررة، وكلها تبوء بالفشل نظراً للتعنت الدائم من قيادات المشيخة وبعضهم أفكارهم أقرب إلى تنظيم الإخوان والجماعات المتطرفة، مضيفاً: «لم يعد هذا الأزهر الذى عهدناه، وعلى مجلس النواب كجهة رقابية التدخل لإنقاذ المؤسسة من الانغماس أكثر فى الفشل، ولتطوير التعليم بها، وتنقيح التراث من المتشابهات والمفاهيم الخاطئة أو غير المتواكبة مع العصر، والرد عليها، كنقطة انطلاق أساسية نحو تجديد الخطاب الدينى».
من جانبها، قالت فادية مغيث، الخبيرة التربوية، إن رسوب 30% من طلاب الثانوية الأزهرية كارثة بمعنى الكلمة، تنم عن أزمة حقيقية وفشل ذريع، مضيفة: «الأمل الوحيد فى تطوير التعليم الأزهرى والنهوض به كان أيام شيخ الأزهر الراحل الدكتور سيد طنطاوى، الذى اتخذ قرارات جريئة من أجل تطويره، إلا أنه مع وفاته فوجئنا بالتراجع عن كل نجاحاته والسير عكس اتجاه التطوير الذى سلكه، وعودة تكريس التراث بسلبياته وتصديره، وهو ما أنتج خريجين انخرطوا فى العنف والتطرف، واتبعوا جماعاته ودعاته، وابتعدوا عن الوسطية إلى السلفية أو أفكار الإخوان».
وأكدت «مُغيث» أنه فى حال استمر التعليم الأزهرى فى هذا الفشل، فإن إغلاقه أفضل، فعلى الرغم من العدد الضخم الذى تضخه جامعة الأزهر كل عام من الخريجين بعشرات الآلاف، إلا أن المعروفين والمقربين منهم لعوام الناس قليلون جداً لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة، مقارنة بغيرهم من دعاة الفتنة أو حتى مشايخ السلفية.
فى المقابل، قال الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر، فى تصريحات سابقة، إن المشيخة «قطعت شوطاً طويلاً، وبذلت جهوداً كبيرة فى تطوير العملية التعليمية، وضبط الامتحانات ومكافحة ظاهرة الغش، واستطاعت منع تسريب الامتحانات بشكل قاطع فى السنوات الثلاث الأخيرة بفضل الإجراءات التى اتخذتها لهذا الغرض، من خلال تطوير المطبعة السرية، واعتماد نظام البوكليت، إلا أن بعض طلاب المؤسسة يسعون لإفساد الامتحانات من خلال التعامل مع صفحات الغش ولكن المشيخة استطاعت السيطرة على الأمور».