«بنى عبيد المركزى»: أطباء غائبون.. ومياه الشرب مقطوعة.. والمبنى آيل للسقوط
أحد المرضى داخل المستشفى
فى غرفة واسعة بمستشفى بنى عبيد المركزى، يتوسطها سريران أحدهما متهالك، تمدد عبدالله فرج، الرجل الخمسينى على سريره، وبجواره زوجته التى كانت تجلس على كرسى متحرك، يتحدث إليها عن معاناته ليلة أمس مع الممرضات، وامتناع إحداهن عن المجىء إليه أو إحضار طبيب للكشف عليه، بعدما ارتفعت صيحاته فأيقظت كل المرضى، إلا مسئولى المستشفى من الأطباء والممرضات.
يقول «فرج» إنه دخل المستشفى قبل ثلاثة أيام لإجراء بعض الفحوصات والأشعات الطبية على قدمه، إلا أن الطبيب أخبره بأنه يجب أن يتم حجزه فى المستشفى، نظراً لأن لديه مشاكل صحية فى الصدر، وبالفعل تم حجزه، إلا أن الأطباء لم يحضروا: «أنا كان عندى مشكلة فى رجلى، وعملت الأشعة وكنت المفروض أروح، لكن الدكتور حجزنى، وقال إن عندى مشكلة تانية غير رجلى، وبقالى يومين ماشفتش دكتور غير مرتين بس، والممرضات بيعدوا علينا بمزاجهم».
«فرج»: فضلت أنادى على الممرضة طول الليل ماعبرتنيش.. ولو بموت هنا ماحدش هيسأل فيا.. و«شادى»: جهاز الأشعة فى الدور الأرضى توقف عن العمل بسبب تسرب المياه
وتابع: «من قبل الفجر وأنا تعبان، وعمال أكح دم، وأنادى على الممرضة بس ماردتش عليا ولا عبرتنى، أنا شايل المناديل إللى ملتها دم من بقى علشان أوريها للدكتور لما ييجى، أنا رجلى مكسورة، ومابقدرش أمشى عليها، كل إللى فى المستشفى سمعونى وأنا بنادى إلا الممرضة، يعنى لو أنا بموت هنا، مفيش حد هيسأل فيا».
فى حدود التاسعة والنصف صباحاً، حضرت إحدى الممرضات لإعطاء «فرج» الدواء المقرر له من قبل أحد الأطباء، فأخبرها «فرج» بما حدث له، وأن الممرضة التى كانت موجودة بالأمس لم ترد عليه، وأكد لها أنه سيخبر الطبيب بما حدث له، إلا أن رد الممرضة كان صادماً: «هما سايبينك لوحدك ليه، خلى حد من أولادك أو أهلك ييجى يقعد معاك هنا».
فى قسم الأطفال، حاولت إحدى السيدات إيجاد زجاجة مياه لملئها من خارج المستشفى، نظراً لانقطاع المياه، تحدثت السيدة وهى فى حالة غضب شديد قائلة: «معقول فى مستشفى فى الدنيا مافيهاش مياه، طيب الدكاترة ومابيسألوش عننا، لكن يوفروا لنا المياه على الأقل، والله ده مايرضيش ربنا، أنا ابنى عيان وكل شوية بغيَّر له هدومه، طفل صغير أسيبه إزاى وأروح أدور على زجاجة مياه علشان أغسله، يرضى ربنا المرمطة دى؟».
مريضة: المستشفى كبير قوى ومليان إمكانيات بس للأسف الأطباء ماعندهمش ضمير
وتواصل حديثها: «مستشفى كبير قوى، وفيه إمكانيات ضخمة بس للأسف معظم إللى هنا ماعندهمش ضمير، الساعة بتكون 10 ومفيش ولا دكتور جه المستشفى، كل واحد عنده عيادته الخاصة، وبيركز فيها وخلاص، ومش لازمه المستشفى إللى بيكشف فيها على الغلابة».
على باب الحمام، وقفت سيدة أربعينية يظهر على ملامح وجهها علامات المرض، أمسكت فى يدها زجاجة مياه، وفى الأخرى تفاحة، تقوم بغسلها قائلة: «رضينا بالهم والهم مش راضى بينا، قعدنا فى مستشفى مافيهاش أدوية، ولا دكاترة، وكمان مافيهاش مياه».
أمام العيادات الخارجية فى مستشفى بنى عبيد وقف الجميع ينتظرون حضور الطبيب، عقارب الساعة تشير إلى العاشرة والنصف، والمرضى يفترشون الأرض، كل منهم يتحمل ألمه، على أمل أن يأتى الطبيب الذى يداوى هذه الآلام، إلا أن الطبيب لم يحضر، عدد من الحضور أصابه نوبة غضب، فحاولت الممرضة تهدئته قائلةً: «روح يا حاج اشتكى للمدير، وقول له إن مفيش دكتور جه لغاية دلوقتى». غاب الرجل عن الأنظار نحو 10 دقائق ليعود مرة أخرى مصطحباً زوجته للخروج من المستشفى، لأنه ذهب إلى المدير فلم يجده وصل حتى الآن، قائلاً: «إذا كان مدير المستشفى لسه ماجاش لغاية دلوقتى، يبقى الدكاترة الصغيرين هيعملوا إيه، أكيد هيتعلموا منه، وعلى رأى المثل: إذا كان رب البيت بالدف ضارباً فشيمة أهل البيت الرقص، يلا يا حاجة خلينا نروح مستشفى دكرنس ولا المنزلة يمكن نلاقى فيها حد يعالجنا».
فى الاستقبال دخلت أم «مستشفى بنى عبيد» تصرخ: «الحقوا ابنى عنده تسمم أنقذوه»، فلم تجد أحداً يستجيب لها، بحثت فى العيادات الخارجية عن طبيب فلم تجد، صعدت إلى مكتب المدير فلم تجد إلا موظفاً يجلس على المكتب وأمامه دفتر كبير، ورد: «خذى طفلك إلى مستشفى دكرنس، فهناك علاج حالات التسمم». وخرجت الأم من المستشفى تنعى حال المستشفى وتحاول أن تنقذ طفلها فى أى مكان تجد العلاج فيه.
أمام غرفة الباطنة جلس العشرات ينتظرون حضور الطبيب، فقد حضرت الممرضة الساعة 9 صباحاً وأخذت تذاكر المرضى، وتنتظر حضور الطبيب، مرت ساعة ولم يحضر، فهمَّ أحد المرضى وأعلن: «سأقلب الدنيا حالاً بالمستشفى، سأكلم وزير الصحة، وأكلم وكيل وزارة الصحة فى الدقهلية، وأجعلهم يتصرفون ويرسلون الأطباء حالاً». ظل يتحدث فى تليفونه مع شخص ادعى أنه وكيل وزارة الصحة، إلا أن الوضع استمر كما هو، ولم يحضر أطباء للمستشفى، ظهر طبيب بزيه المميز، ذو بدلة زرقاء فاستبشر المرضى خيراً، وتوجه الطبيب إلى غرفة العظام ورفض الكشف الطبى على أحد، بحجة أنه «نوباتجى» وينتظر وصول زميله لكى يكشف على المرضى.
خلال الفترة الماضية، قررت وزارة الصحة نقل تبعية مستشفى بنى عبيد من مديرية الصحة بالدقهلية إلى المجالس الطبية المتخصصة لتكون تابعة لوزير الصحة، وذلك ضمن 4 مستشفيات على مستوى الجمهورية، إلا أن المستشفى لم يطرأ عليه أى تغيير منذ اتخاذ القرار، وتعود قصة إنشاء المستشفى إلى عام 1998 عندما قررت وزارة الصحة إنشاء مستشفى على الحدود بين محافظتى الدقهلية والشرقية لخدمة بنى عبيد وقراها ومراكز أولاد صقر وصان الحجر والحسينية بالشرقية، الذين يزيد عدد سكانهم على نصف مليون مواطن، وتم طرح المستشفى للتنفيذ فى الخطة الخمسية 2000-2005 بميزانية تقدر بـ18.5 مليون جنيه، وتم تخصيص 15 مليون جنيه على 3 دفعات سنوية بواقع 5 ملايين فى كل عام، إلا أن العمل فى المستشفى توقف وتمت إعادة طرح العملية على شركة مقاولات أخرى لتنفيذ المتبقى من الأعمال الإنشائية والميكانيكية والكهربائية والأثاث والفرش والمصاعد والمعدات الطبية وأجهزة التكييف، التى تحتاج إلى نحو 20 مليوناً و500 ألف جنيه، وفقاً لآخر حصر تم بمعرفة الوزارة ومديرية الصحة بالدقهلية.
وقال محمد شادى، أحد شباب بنى عبيد، إن المستشفى تم الانتهاء منه وتسليمه، إلا أنه أصبح آيلاً للسقوط حالياً حسب تقرير لأساتذة كلية الهندسة بجامعة المنصورة يفيد بأن المستشفى به عيوب ومخالفات إنشائية كثيرة وغير مطابق للمواصفات، وأن شبكة الصرف بمبنى المستشفى ستؤدى إلى تصدع المبنى وانهياره فى حالة تشغيله على الوضع الحالى، بدون إزالة المخالفات وتغيير شبكة الصرف كاملة، مشيراً إلى أن «هناك من يريد تسليم المبنى وبه عيوب فنية فى الصرف والمياه وشبكة الكهرباء، بالإضافة إلى شبكة الغاز وشبكة الحريق، وأيضاً الحضانات ومحطة الفلترة، وأعطال بالجملة فى جميع الأجهزة بالمستشفى».
وأضاف «شادى» أن جهاز الأشعة بالدور الأرضى تتسرب عليه المياه، مما أدى إلى توقف الجهاز لأنه بعد انتهاء كل يوم عمل بالمستشفى يتم غسيل غرفة العمليات للتعقيم، ونظراً لأن سقف الغرفة غير مطابق للمواصفات ولا يوجد به ميول، فهذا أدى إلى أن المياه تجمعت فى مكان قبل وصولها إلى بلاعة الصرف بقسم العمليات «فنشعت» المياه وتسربت من خلال السقف على الدور الأرضى، مما أدى إلى تعطل الجهاز وتوقفه عن العمل، وتسرب المياه يؤكد لنا أن المبنى به تصدع وأنه غير مطابق للمواصفات، ويؤكد أيضاً ما ذكرناه فى تقاريرنا السابقة من قبل.
وتساءل: أين وزير الصحة من ذلك، وهل لديه علم بهذا الفساد، أم أنه يعلم ولا يهتم؟ فهذه مؤامرة من جانب المقاول والإسكان والتخطيط بالدقهلية، ومديرة إدارة التخطيط بصحة الدقهلية، على حد قوله.