«إيتاى البارود»: عجز فى أطباء التخدير وإخصائيى الأشعة والجهود الذاتية تنقذ مصابى «السموم والحروق»
المرضى أمام قسم الاستقبال بمستشفى إيتاى البارود فى انتظار الأطباء
جلس أهالى المرضى ينتظرون أمام قسم الاستقبال ومركز الطوارئ بمستشفى إيتاى البارود العام، تبدو عليهم علامات القلق والغضب فى آن واحد، الساعة تجاوزت الثامنة، وباب مركز الطوارئ ما زال مغلقاً أمام أسر المرضى، الذين سيطر عليهم الغضب والقلق، يتذكرون المستشفى الذى كان يلجأ إليه الغنى والفقير للحصول على خدمة طبية جيدة، متسائلين عن الأسباب التى جعلت المستشفى يتحول إلى مكان يضربه الإهمال، ويعانى عجزاً فى بعض التخصّصات الطبية، ونقصاً واضحاً فى بعض الأجهزة والأقسام المهمة، فالمستشفى يفتقد لوحدتى سموم وحروق، إلى جانب القصور فى الخدمة الطبية بالمستشفى، والمعاملة غير اللائقة للمرضى.
المستشفى يعانى من تدنى الخدمة ونقص كبير فى المستلزمات
بـ«جلباب» فلاحى بسيط، جلس «وجيه حيدر»، الرجل السبعينى، بوجه شاحب وجسد نحيل أنهكه الزمن، تنم هيئته عن بساطة تفسر سبب توجهه إلى مستشفى حكومى عام، فهو لا يقدر على تكاليف العلاج فى العيادات الخاصة، وهو ما اضطره إلى الانتظار أمام باب الطوارئ من الرابعة فجراً، فى انتظار أن يُفتح الباب ليدخل ويتلقى مصلاً مضاداً لعضة «فأر».
4 ساعات انتظرها الرجل لا يعلم أين يتوجّه خلالها، فضيق ذات اليد لم يجعل أمامه اختيارات كثيرة سوى الانتظار، ويقول: «أنا هنا فى المستشفى من الساعة 4 الفجر، ولحد دلوقتى الساعة 9 مش عارف آخد المصل، وكل ما أروح أكلم حد من العاملين بالمستشفى علشان يدونى المصل، يقولوا لى استنى شوية».
ويضيف: «أنا موظف بالمعاش، ظروفى لا تسمح بأنى أروح عيادة خاصة، حتى لو عندى مقدرة، أروح فين الساعة 4 الفجر». يتابع محاولاً التنفيس عن غضبه من سوء المعاملة بالمستشفى والتقصير فى حق المرضى: «لما جيت المستشفى علشان آخد مصل ضد عضة فأر، دخلت الاستقبال وشرحت للدكتور اللى كان موجود، قال لى الموضوع بسيط، استنى لحد الساعة 8، يكون حد جه من الأطباء والممرضات المختصين، واستنيت لحد الساعة 8، ولما رُحت أطلب من الممرضات إنهم يدونى المصل، قالوا لى استنى للساعة 9 لما ييجى المسئول عن المصل، هو كده ينفع، ليه المعاملة الوحشة دى، وفين الرحمة، حرام عليكم».
بانتهاء «حيدر» من كلامه كان صوت الشاب العشرينى الذى يهرول يميناً ويساراً، محاولاً التحدّث مع أحد الأطباء المسئولين فى المستشفى لإيجاد حل لمشكلة أخيه، الذى دخل مساء أمس نتيجة إصابته بنزيف فى المخ، وحتى هذه اللحظة لم يقم المستشفى بإجراء أشعة له.
يقول أحمد إبراهيم بسيونى: «أخويا (عطية) موجود هنا من الساعة 12 إمبارح بالليل، بعد أن أصيب بنزيف بالمخ فى حادث موتوسيكل، ولحد دلوقتى الساعة 9 ماعملوش لأخويا حاجة، وهو راقد فى العناية المركزة، ومحتاج يتعمل له أشعة، لكن قالوا لى إن جهاز الأشعة مش شغال، ومش عارف أعمل إيه، لو شفت أى مسئول من المستشفى دلوقتى، هاعمل معاه مشكلة كبيرة».
لا يجد الشاب سبباً فى عدم اهتمام الأطباء بالمرضى والتعامل مع الحالات المرضية بشكل تغلب عليه اللامبالاة، مردداً: «كل ما أسأل الطبيب عن حالة شقيقى يقول لى اطمن، حالته كويسة، وأخويا تعبان فعلاً ومحتاج رعاية وعناية كويسة، ودلوقتى الساعة تجاوزت 8، ومش عارف أدخل أشوفه، علشان إيه، بيقولوا الأطباء بيمروا على المرضى، يا ناس ارحمونا بقى».
تدنى مستوى الخدمة الطبية المقدمة للمرضى من قبل المستشفى وعدم توافر بعض الأدوية والمستلزمات الطبية، جعل بعض الجمعيات الأهلية العاملة فى مركز إيتاى البارود تقدم دعماً للمستشفى لسد العجز، سواء فى الأدوية والمستلزمات الطبية أو الأجهزة، كان أهمها تدبير الاحتياجات والنواقص التى قامت بها جمعية شركاء التنمية والأعمال الإنسانية فى وحدة السموم والحروق وبنك الدم فى المستشفى.
محمد عزت عرفات، رئيس مجلس إدارة الجمعية، يقول إن الجمعية أسهمت فى شراء جهاز الكشف عن السموم والمخدرات والأدوية العلاجية، موضحاً أن جهاز الكشف عن السموم تكلف 429 ألف جنيه، منها 200 ألف جنيه تبرع بها أحد رجال الأعمال، لافتاً إلى أن الجمعية قامت بشراء هذا الجهاز مع تزايد حالات التسمّم بحبوب حفظ الغلال السامة فى الفترة الأخيرة وإعلان وزارة الصحة أن الوزارة سوف تمد المستشفى بالجهاز بعد عامين، وهو ما يُعد وقتاً طويلاً، مقارنة بحالات التسمّم التى توافدت على المستشفى فى الآونة الأخيرة.
وأوضح «عرفات» أن الجهاز موجود حالياً فى المستشفى، وأنهم فى انتظار تجهيز المكان الذى سيتم وضع الجهاز فيه لتشغيله، لافتاً إلى أن الجمعية وفّرت 4 أسرّة لغرفة الجهاز، كما وصلت مضادات السموم، مشيراً إلى أن الجمعية سوف تقوم بعمل توسعة للمستشفى، وإنشاء مبنى جديد على مساحة 2400 متر مربع، يضم وحدة للحروق ودوراً لعلاج الأورام، بعد أن تبرّع رجل أعمال بمبلغ 5 ملايين جنيه.
لم يتوقف دور الجمعية على توفير أجهزة وتوسعة لمبنى، وإنما امتد أيضاً إلى توفير 10 أجهزة لإنشاء بنك للدم بالمستشفى العام بتكلفة وصلت إلى 650 ألف جنيه، فيما وفّرت وزارة الصحة جهازاً واحداً، لافتاً إلى أنه سيتم تشغيل بنك الدم خلال الأيام المقبلة، ليتم بذلك القضاء على معاناة الآلاف من أبناء إيتاى البارود، الذين كانوا يتكبّدون مشقة وتعب الانتقال إلى المراكز والمحافظات المجاورة للعلاج من الحروق والسموم والحصول على دم لإنقاذ حياة مريض.